دور آل سعود في قرار ترامب بشأن القدس
لاشكّ أن قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأخير بشأن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة يحمل دلالات كثيرة من بينها أن هذا القرار لم يكن ليتخذ لولا تخاذل معظم أنظمة دول المنطقة وفي مقدمتها النظام السعودي.
والتخاذل والتآمر السعودي على القضية الفلسطينية ليس وليد اليوم، بل يمتد إلى عقود، ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى ما يسمى مبادرة الملك الأسبق "فهد بن عبد العزيز" التي أطلقها عام 1981 وكذلك مبادرة الملك السابق"عبد الله بن عبد العزيز" التي أطلقها عام 2002.
ومن أجل توضيح الأمر بشيء من التفصيل لابدّ من التذكير بأن مبادرة الملك فهد التي طرحها في 7 أغسطس/آب 1981 عندما كان ولياً للعهد جاءت بعد زيارات قام بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "ألكسندر هيغ" إلى عدد من دول الشرق الأوسط، والتي صرّح خلالها بأن عملية التسوية تتطلب أن يكون أصدقاء واشنطن وفي مقدمتهم السعودية على استعداد أكبر للتعاون مع إسرائيل باعتباره ضرورياً لإتمام عملية التسوية بحسب قوله.
وتضمنت المبادرة عدّة نقاط بينها انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967فقط والإشارة إلى حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب فيها وإخضاع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت أشراف الأمم المتحدة مقابل الاعتراف الكامل بالكيان الصهيوني من قبل الدول العربية..
وقد عرضت هذه المبادرة على مؤتمر القمة العربية في فاس بالمغرب في نوفمبر/تشرين الثاني 1981، وانتهت بالفشل بعد رفض كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا وفلسطين لها بسبب تضمنها الاعتراف بكيان الاحتلال على أرض فلسطين.
كما رفضت إسرائيل المبادرة على لسان رئيس وزرائها الأسبق "مناحيم بيغن"، فيما تجاهلت أمريكا المبادرة ولم تتخذ أي موقف واضح منها، ما أدى إلى أن تقوم السعودية بسحب مشروعها.
وبعد عشرين عاماً على مبادرة فهد تكرر الأمر نفسة عام 2002 حين وافقت قمة بيروت على مبادرة التسوية التي طرحها ولي العهد "عبد الله آل سعود" تلبية لدعوة الرئيس الأمريكي آنذاك "جورج بوش" حيث دعت المبادرة أيضاً إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 مقابل التطبيع الكامل للعلاقات بين العرب وإسرائيل، لكن ماجرى هو أنه وفور انتهاء قمة بيروت قام الكيان الإسرائيلي باجتياح الضفة الغربية واحتلالها مجددا.
وقبل ذلك بعقود وتحديداً في عام 1915 وجّه مؤسس المملكة "عبد العزيز آل سعود" خطاباً بخط يده للضابط البريطاني "بيرسي كوكس" الذي ربطته علاقة وثيقة بآل سعود، يبدي فيه موافقته على منح فلسطين لليهود كما أرادت بريطانيا.
وجاء في نص الخطاب "أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل السعود أقر واعترف ألف مرة، للسيد برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين لليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها، حتى تصيح الساعة".
وهذا الخطاب ما زال موجوداً وموثقاً في الأرشيف البريطاني، وهو الذي شجع على صياغة "وعد بلفور" عام 1917 الذي كان أساساً ومنطلقاً لاحتلال فلسطين ونشأة الكيان الغاصب على أرضها وتشريد شعبها. واللافت في مسلكية آل سعود نحو القضية الفلسطينية منذ عبد العزيز وحتى يومنا هذا هو أنهم حاولوا دوماً المساومة بورقة فلسطين لطلب ود ورضا ودعم بريطانيا وأمريكا لنظام العائلة السعودية.
والملاحظ أيضاً أن أكثرية ملوك السعودية قدموا مبادرات هي عبارة عن سلسلة تنازلات عن فلسطين أو أجزاء منها بحسب الطلبات الأمريكية والصهيونية في حقب زمنية مختلفة.
وأينما وجد تنازل العرب عن فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، ففتش عن آل سعود كداعمين لهذه التنازلات تلبية لمطالب أمريكية وصهيونية. وعليه ترتب القول بأن مبادرات آل سعود أكثر من كثيرة على مدى قرن من الزمن أبرزها مبادرات فهد وعبد الله اللذان أصبحا لاحقاً ملوكاً للسعودية.
من هنا يمكن القول بأن المبادرات السعودية لم تسهم سوى في كسب الوقت لترسيخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية من جهة وتكثيف الاستيطان في الضفة والقدس من جهه ثانية، وما يجري اليوم على يد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إنما يتم بدعم سعودي لتمرير قرار جوهره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإبقاء الاستيطان في الضفة الغربية وإنهاء القضية الفلسطينية عبر صفقة أسماها "صفقة القرن".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد مؤتمر الرياض و"رقصة العرضة" الشهيرة التي شارك فيها ترامب واضعاً يده بيد "الملك سلمان بن عبد العزيز" وحولهم أمراء البلاط الملكي.
وفي الحقيقة فإن المبادرات السعودية ليست سوى تنازلات واحدة تلو الأخرى عن المزيد من الأراضي والحقوق الفلسطينية والسعي للتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني مقابل دعم أمريكي لبقاء عرش آل سعود، وما نراه الآن من تحول القضية الفلسطينية إلى ورقة مساومة بين ولي العهد "محمد بن سلمان" من جهه وأمريكا والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى يؤيد ما ذهبنا إليه.
بمعنى آخر فإن بيع القضية الفلسطينية يتم مقابل حماية عرش آل سعود والحصول على دعم أمريكي لترتيب الوضع الداخلي للعائلة المالكة وبالذات كيان "محمد بن سلمان" وتهيئة الأرضية لتتويجه ملكاً بعد وفاة والده الذي يعاني من المرض وكبر السن.
في المحصلة يمكن القول بأن آل سعود الخاضعين بالكامل لسياسة أمريكا غير مؤهلين مطلقاً للحديث عن القضية الفلسطينية، وما مبادراتهم لتسوية هذه القضية سوى محاولات رخيصة للحفاظ على ملكهم مقابل التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي الذي يصبح طبقا للمبادرات السعودية نظاما اساسيا ومتحكما بالمنطقة من دون ان يرجع للعرب والفلسطينيين شيئ من الحق. .
ارسال التعليق