زلزال بن سلمان للعائلة السعودية....وآثاره وانعكاساته على مستقبلها وعلى المنطقة
ما شهدته المملكة الوهابية السعودية، يوم السبت الماضي (4/11/2017) من أحداث، كان زلزالاً هزَّ العائلة السعودية من القواعد، بعد إقدام سلمان وابنه محمد ولي العهد ووزير الدفاع على اعتقال بعض الامراء وأكثر من 38بين وزير ونائب وزير ومدير عام، ورؤساء إمبراطوريات اقتصادية واعلامية كبيرة... ومن بين هؤلاء المعتقلين، أو أبرزهم، وزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله الملك السابق، والملياردير الوليد بن طلال، ورئيس امبراطورية مجموعة mbc ، وغيرهم. وقد أعفى متعب بن عبدالله من منصبه كوزير للحرس الوطني، الذي هو عبارة عن جيش يوازي الجيش السعودي من حيث العدة والعدد، اذ يتشكل من75 ألف الى مئة ألف مقاتل، ويمثل امتداداً وواجهة القوى القبلية المؤيدة لآل سعود، سيما قبيلة شمر.
التهم الموجهة لهؤلاء المعتقلين هي الفساد والعبث بالمال العام، غير أن هذه التهمة تبعث على التندر والسخرية، لأن الأمراء والأميرات السعوديين وكل افراد العائلة السعودية فاسدون، بما فيهم بن سلمان ولي العهد نفسه، فالأمر يثير الاستغراب، وهل يقوم فاسد بمحاسبة فاسدين آخرين فالكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني شاكر زلوم قال ان بن سلمان سرق ترليون ريال سعودي منذ مجيئه. كما أعاد ناشطون نشر تقرير يكشف جانباً من الأتفاق والهدر العام للمال الذي يمارسه محمد بن سلمان وتمثل ذلك في شرائه أحد اليخوت الفخمة في صيف عام 2014، أثناء قضائه إجازة بجنوب فرنسا، حين أعجب به، وهو أحد اليخوت التي كان يملكها رجل الأعمال الروسي يوري شيفلر، ودفع بن سلمان مبلغ550 مليون دولار لشرائه بحسب ما قالته الصحف الأمريكية يومذاك. ليس ذلك فحسب، وانما أثار الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من جديد قضية بن سلمان والذي طلب نجمة تلفزيون الواقع الأمريكية كيم كارداشيان مقابل عشرة ملايين دولار، وهي قضية كانت قد نشرتها بعض المواقع الالكترونية الامريكية العام الماضي2016م. أما بذخ وفساد والده الملك سلمان فحدث ولاحرج، اذ تحدثت الصحف الأمريكية والبريطانية مفصلاً عن فساده وبذخه ومغامراته، وقالت انه فاق بذخ وفساد الملوك الذين سبقوه، وذكرت هذه الصحف الأموال الطائلة التي صرفها في رحلاته الاستجمامية الى فرنسا والى اندنوسيا والى المغرب، وتوقفت هذه الصحف بتقارير مفصلة عند الوفد الذي يأخذه معه الملك وقد يتكون من أكثر من الف مرافق ومن اكثر من 200حارس أمن إضافي فضلاً عن الخدم والحشم، ويجلب معه رتل من الطائرات ومن المطابخ، ويحجز لهؤلاء في كل مرة اكثر من خمسة فنادق ضخمة من نوع خمسة نجوم، بمبالغ ضخمة وخيالية!!
إذن هذا الاتهام بالفساد، ما هو الّا واجهة لتبرير الاقدام على هذا الزلزال، فهو عملية انقلاب ثانية لازاحة الأمراء واصحاب الثروة السعوديين من أمام بن سلمان، للوصول الى عرش المملكة، ذلك بعد الانقلاب الأول الذي أطاح بن سلمان به رجل المخابرات الأمريكية السي آي أي محمد بن نايف وزير الداخلية، قبل عدة أشهر.
واللافت، ان هذا الانقلاب إستهدف ثلاث قوى رئيسية كبيرة ومؤثرة في المشهد السعودي، سيما مشهد العائلة المالكة، والتي يمكن أن تشكل تهديداً لبن سلمان، وتمنعه من الوصول الى العرش، أو يمكن أن تعرقل سياساته وحماقاته التي لم تؤدِ لحد الآن، الّا الى الكثير من المآزق والازمات التي تعيشها المملكة السعودية، ويمكن أن تهدد مصيرها ومستقبلها. فبن سلمان يريد ان يكون الحاكم المطلق في المملكة والاقليم، لينفذ سياساته بدون خوف أو تردد، بالتنسيق مع الادارتين الأمريكية والصهيونية...ومراكز القوى الثلاث هي مايلي :
الحرس الوطني، وهو كما أشرنا، قوة ضاربة ومسلحة بأحدث الأسلحة، يدين بالولاء لمتعب بن عبدالله، لأنه مؤسسة الملك السابق، الذي سلمه وسلم قيادته لابنه عندما أصبح ملكاً، وبن سلمان يستشعر الخطر من هذه القوة التي قلنا أن لديها امتدادا قبليا أيضاً، فاتهام متعب بالفساد وغسيل الاموال هي تهمة كبيرة لانهاء سيطرة آل عبد الله على الحرس الوطني، وضمه الى بقية القوى التي بات يسيطر عليها بن سلمان، وهي الجيش، وقوى الأمن الداخلي التي سيطر عليها بعد ازاحة بن نايف عن ولاية العهد، وعن وزارة الداخلية، والتقارير الواردة من هناك تقول ان بن سلمان سارع الى تطهير الحرس الوطني من القيادات الموالية لمتعب ولعائلة الملك السابق عبدالله، وابدلها بقيادات موالية له.
قوى الكارتلات الاقتصادية، كأصحاب الشركات العملاقة، مثل شركة بن لادن، وشركات ضخمة التي يديرها أو يرأسها رجال أعمال سعوديين بارزين، أو أمراء من العائلة السعودية نفسها، فهذه الكارتلات تتمع بثروات هائلة تشكل مركز ثقل اقتصادي في المملكة وفي العالم أيضاً، ولديها مشاريع عالمية واسعة جداً تدر عليها أموالاً طائلة ، مثل شركة بن لادن ، وبن سلمان يرى فيها خطراً عليه من خلال النفوذ والتأثير الكبير لها في المشهد السعودي، فهذه الكارتلات والتي يعارض اكثر رؤسائها سياسات بن سلمان، تشكل خطراً بنظر الأخير، فبامكانها دعم معارضة قوية له، و أو بأمكانها التشويش باموالها الطائلة على سياساته وصعوده الى عرش المملكة، الذي بات يهدد مستقبل هذه الكارتلات، لذلك قرر بن سلمان ضرب هذه الكارتلات لازاحة خطرها المحتمل عن طريقه، ولضم رأس مالها الضخم له ليزداد قوة وتأثيراً في المشهد السعودي والاقليمي والدولي أيضاً.
الامبراطوريات الأعلامية العملاقة، مثل امبراطورية الا mbc، والآرتي، وروتانا، فهذه الامبراطوريات تشكل مراكز قوة كبيرة ليس في المشهد السعودي وحسب، وانما حتى في المشهد الأقليمي والدولي، من ناحية نفوذها وتأثيرها في الرأي العالم، ولذلك استهداف زعماء هذه الامبراطوريات، مثل الأمير الوليد بن طلال، يضمن لبن سلمان، بالاضافة الى الاستحواذ على رؤوس أموالها العملاقة والضخمة، تجنب توظيفها ضده، لأن بعض زعماء هذه الامبراطوريات يعارضون سياسات بن سلمان ويعتبرونها خطراً يهدد مستقبل المملكة السعودية...
وما يثير الانتباه حيال هذه التطورات التي يشهدها المشهد العائلي لآل سعود، هو مسارعة الرئيس الأمريكي والدوائر الصهيونية، الى تأييد انقلاب بن سلمان، ومباركته، مما يؤشر الى ان هذا الانقلاب ليس مجرد تجلي للصراعات بين أقطاب العائلة السعودية بالرغم من أهميتها وخطورتها على مستقبل العائلة، وانما الأمر أبعد من ذلك، إذ تتجاوز الأمور الصراع العائلي الى الدور الذي تريد أمريكا والكيان الصهيوني، أن يلعبه محمد بن سلمان في المنطقة في إطار المشاريع الأمريكية المعدة للمنطقة بعد إندحار داعش ، وهذا مما يؤكد المعلومات التي تقول ان الأدارة الأمريكية أشرفت بشكل مباشر على هذا الانقلاب، اذ كشفت وسائل اعلام امريكية وصهيونية عن زيارة غير معلنة قام بها كوشنير صهر ترامب واحد مستشارية، رافقه فيها نائب المستشار للأمن القومي دينا باول، ومبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط جايسون غرينيلات، وقد شملت زيارة الوفد الامريكي السرية الاردن ومصر والضفة الغربية والكيان الصهيوني، خلال زيارته للسعودية التي سبقت هذا الانقلاب كان كوشنير يجلس مع بن سلمان ويظلان ويبحثان الأمور حتى الرابعة صباحاً على مدى عدة أيام من أجل وضع الخطط اللازمة وكيفية اخراجها ومناقشة التداعيات التي تتبعها وما الى ذلك، ولهذا لا يستبعد المراقبون، بل بعضهم يؤكد، ان كوشنير هو الذي جاء بمخطط الانقلاب، واتفق مع بن سلمان على تنفيذه، وما يعزز هذا الأمر هو تغريدة ترامب بعد حملة الاعتقالات، التي قال فيها انه يثق بالملك سلمان وبولي العهد محمدبن سلمان، مبرراً حملتهما على الأمراء والوزراء ورجال الاعمال، ولم يكتف ترامب بهذه التغريدة بل اتصل هاتفياً بالملك سلمان، كبادرة دعم قوية لما قام به وابنه من حملة اعتقالات.من جانبها الأوساط الصهيونية باركت ما قام به بن سلمان ومشيرة بشكل واضح الى الأهداف الخفية وراء عملية التطهير الواسعة النطاق التي قام بها ، فصحيفة ايدعوت احرونوت قالت نقلاً عن مسؤولين صهاينة ان القيادة الاسرائيلية على علم تام بما يجري في السعودية، وهي تصب في اطار ما تريده " اسرائيل وامريكا " من محاربة ما أسمته محور " ايران واذرعها " في المنطقة كحزب الله في لبنان، وأدرجت الصحيفة استقالة الحريري من رئاسة الحكومة في الرياض في هذا الاطار...وهذا ما أكده المعلق الصهيوني للشؤون العربية عوديد غرانوت في صحيفة " اسرائيل اليوم العبرية " في 6/11/2017، بالقول " ان ما يجري في السعودية من إغتقال العشرات من أمراء ووزراء وشخصيات رفيعة المستوى ورجال اعمال... يتفق مع المواقف الاستراتيجية لاسرائيل" وبعد ان تحدث غرانوت عن سطوة بن سلمان على الحكم في السعودية وتبنيه سياسات تنسجم مع ما تريده أمريكا والكيان المحتل، وقال " كما أنه حدد- أي بن سلمان- بأنها العدو والأول للملكة " مرجحاً ان بن سلمان هو الذي أجبر سعد الحريري على تقديم استقالته لأنه لم يوافق على استسلام الحريري لمطالب حزب الله، على حد قول هنا المعلق، الذي أضاف قائلاً " ان خطوات ولي العهد تحظى بدعم متحمس من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تحدث مع والده عبر الهاتف أمس، كما أن خطواته تتفق مع المواقف الاستراتيجية لاسرائيل"!!
ويبدو لي ان ادارة ترامب تريد تحقيق أمرين أو هدفين في الأهمية من هذه العملية الانقلابية هما...
السيطرة على ثروات طائلة تقدر بعشرات المليارات التي يمتلكها هؤلاء المعتقلين من أمراء ووزراء ورجال اعمال، كما ان امبراطوريتهم الاقتصادية والاعلامية تشكل مصدراً مالياً جارياً ومستمراً، يمكن ان يجعل بن سلمان قادراً على دفع الفواتير الهائلة التي التزم وتعهد بدفعها لترامب في زيارته الأخيرة، سيما وان التقارير تقول ان كوشنير طرح مسألة تأخير عملية الدفع لهذه الفواتير بسب ما تعانيه السعودية من إستنزاف مالي هائل لاستمرار عدوانها على الشعب اليمني... ذلك ان ترامب بات أحوج ما يكون اليوم الى هذه الفواتير لاحتواء الضغوط التي تحيط به من أكثر من مركز قرار في المؤسسات الأمريكية بسبب اتهامه بالعلاقة مع موسكو، وبسبب اخفاقاته الداخلية.
تهيئة الأجواء والمناخات لاسياسية والأمنية في داخل العائلة السعودية وفي المملكة على نطاق أوسع، وحتى في الأقليم، ليكون الحاكم المطلق في المملكة بعد ازاحة والده، وتوليه عرش المملكة، وحينها ترى الادارة الامريكية ان بامكان بن سلمان اتخاذ الخطوات اللازمة والضرورية بشكل ملح في هذه المرحلة الحرجة، في اطار الخطط والمشاريع الامريكية الصهيونية البديلة واللازمة أيضاً من أجل ايقاف تداعيات تصدع وهزيمة الخطط الامريكية الصهيونية الرامية الى استنزاف المنطقة واضعافها وتقسيمها وما الى ذلك، على الهزائم المتلاحقة التي مني بها حلفاء الولايات المتحدة.
ومن هذه الخطوات التي تريد ادارة ترامب من محمد بن سلمان الاقدام عليها بعد توليه عرش المملكة..
اعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد تحريك عملية التسوية، ولو شكلياً ولعل زيارة محمود عباس للسعودية مؤخراً وزيارة كوشنير للاردن وللكيان الصهيوني، التي اشرنا اليها قبل قليل تدخل في إطار محاولة بلورة تحرك شكلي لعملية التسوية، يرفع الحرج عن بن سلمان ووالده، ويمكنّها من إعلان التطبيع وتبادل السفراء مع العدو، ذلك ان الادارة الأمريكية والادارة الصهيونية تريان ان ذلك مقدمة أساسية لتشكيل " الحلف السني من الدول العربية المعتدلة مع الكيان الصهيوني"، فهذا الحلف بنظر الصهاينة بات اليوم حاجة ماسة لمواجهة ايران وبقية قوى المقاومة، اذ أن امريكا باتت غير قادرة وكذلك العدو الصهيوني بمفردهما على مواجهة محور المقاومة، مالم تسخر امكانات المملكة وبقية الدول العربية السائرة في فلكها، امكاناتها العسكرية والبشرية والمالية في تلك المواجهة.
زج المملكة في حرب طائفية مع ايران، تجند لها السعودية " العالم السني " ضد الشيعة"، لأن الاميركان والصهاينة باتوا اليوم مقتنعين أنهم غير قادرين على اثارة مثل هذه الحرب الّا من خلال واجهة اسلامية، وافضلها واجهة المملكة السعودية، ولعل هذا التصعيد ضد ايران من جانب أمريكا والكيان الصهيوني ومملكة آل سعود يدخل في إطار تهيئة أجواء الرأي العام لمثل هذه الحرب لاسمح الله بذلك.
أو قد يزج ترامب المملكة في مشروع جديد يستهدف سوريا أو حتى العراق من أجل تحقيق ما يسمونه قطع أو اضعاف " اذرع ايران " في تلك المواقع، ولعل التصعيد السعودي الأخير في لبنان من خلال إجبار سعد الحريري على تقديم استقالته من الرياض يدخل في إطار هذا الدور المرسوم لال سلمان وشلته.
على أن المخاطر التي ستترتب على هذه الأدوار ستكون خطيرة باجماع الخبراء والمحللين ومن بينهم الامريكان والصهاينة أنفسهم، ويمكن حصر هذه المخاطر بما يلي :
ان هذا الانقلاب سوف يفتح جرحاً كبيراً في جسد العائلة السعودية الحاكمة، وينهي كل المحذورات التي كانت تمنع الصراع بين الأجنحة، حرصاً على تماسكها، خصوصاً بعد مقتل الامير منصور بن مقرن بن عبدالعزيز أمير عسير وبأمر من بن سلمان لمنعه من الفرار بطائرة هيلكوبتر بحسب ما أكدت الأوساط الصهيونية، فهذا الجرح فتح الصراع على جميع الآفاق، سيما وأن الصراع بات مفتوحاً على البيئة القبلية بعد ما نال بن سلمان من القبائل التي توالي الأجنحة الأخرى المناوئة له من العائلة السعودية وسنشهد في القادم من الايام أو الأشهر معركة محتدمة بين أجنحة العائلة سوف تؤدي الى تفككها وانتهاء الحقبة السعودية.
يرى الخبراء ان توريط بن سلمان المملكة في حروب عبثية نيابة عن أمريكا والصهاينة سوف يؤدي لا محالة الى هلاك هذه المملكة وتمزقها لأنها، لم تتحمل العدوان الذي شنته على اليمن الفقير وهي تعاني اليوم على كل الأصعدة، فكيف اذا تورطت في حرب ومشاريع قد تقود الى حرب اقليمية أو دولية، لاشك انها سوف تتلاشى كما يتلاشي معها الكيان الصهيوني، هذا ما يقوله الخبراء العسكريون والأمنيون أيضاَ.
وحتى لو لم تنخرط السعودية في حروب أخرى، فأن استنزافها مالياً واقتصادياً من قبل ادارة ترامب كفيل بوصولها الى حافة الافلاس، التي تؤدي الى هزيمتها وسقوط نظامها وحتى تمزقها لا محالة...ما يعني كل ذلك، ان بن سلمان يقود المملكة الى المهلكة، كما قاد الدكتاتور المقبور صدام حسين قبله، العراق الى هذا المصير المحتوم للأسف.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق