الاخبار
زيارة السيد مقتدى الصدر للسعودية...وآثارها الايجابية والسلبية
من حيث المبدأ، نعتقد أن زيارة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق، الى السعودية ولقاءاته بالمسؤولين السعوديين وعلى رأسهم محمد بن سلمان ولي العهد والحاكم الفعلي للملكة، كان ينبغي ان تشكل تطوراً ايجابياً، لأن من شأن مثل هذه الزيارات (لو صلحت النوايا)تخفيف التوتر، بين السعودية والعراق، ثم الحد أو التخفيف أيضاً من مفاعيل الفتنة الطائفية التي دأب أعداء الأمة الإسلامية على اشعالها بدون كلل وملل، وهذا ما أشار اليه بيان مكتب الصدر بالقول " استبشرنا خيراً فيما وجدنا انفراجاً ايجابياً في العلاقات السعودية العراقية، ونأمل أنها بداية الانكفاء وتقهقر الحدة الطائفية في المنطقة العربية والإسلامية ". وعلى هذا الأساس اعتبر البعض من المحللين والسياسيين، أن بن سلمان لديه توجه جديد فيما يخص سياسته الخارجية، على ضوء هذه الزيارة التي سبقتها زيارات قام بها وزير الداخلية قاسم الأعرجي الذي كانت صحيفة عكاظ السعودية قد اعتبرته في الأول من شباط الماضي "مخبر ايران في داخلية العراق" وهاجمته بعنف، بقولها "ان قاسم الأعرجي هو أحد عناصر قائد فليق القدس في الحرس الثوري الإيراني... ومخبر قاسم سليماني المدلل. ساهم في إنشاء فرق الموت التي كانت تمارس القتل على الهوية برعاية وزارة الداخلية بعد سقوط النظام السابق، ما أدى الى إعتقاله من قبل القوات الأمريكية في الكاظمية عام: 2007 بتهمة ارتكاب جرائم حرب " على حد مزاعم وأقوال هذه الصحيفة التي استمرت تهاجم الرجل بشدة وتلصق به عشرات الاتهامات! كما زار السعودية رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومسؤولون عراقيون آخرون، وقبل ذهاب المسؤولين العراقيين إلى الرياض كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد زار بغداد، وحصلت اتفاقات بين الطرفين تحدث عنها الإعلام في حينها، كل ذلك حدى ببعض المحللين إلى القول إن السعودية باتت تتلمس مخرجاً من خلال العراق من أزماتها الداخلية والخارجية نتيجة فشل سياساتها على الأصعدة المذكورة ومع احترامي لرأي هؤلاء المحللين ونظرتهم الايجابية لهذه الزيارة،
..أقول، فيما أنا كذلك، الّا انني لا أثق ببن سلمان خاصة وبالنظام السعودي عامة، ولدىّ مبرراتي وأدلتي التي أذكر منها ما يلي:-
1- لو كان النظام السعودي جاداً فعلاً في تغيير سياساته، ومن خلال التقارب مع العراق، لاتخذ خطوات تقنع الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، بأن هذا النظام يفكر باتجاه آخر، من مثل وقف الهجمات العسكرية والإعلامية على أبناء منطقة العوامية، أو على شعب البحرين، أو التخفيف من حملته الإعلامية والعسكرية على الشعب اليمني، أو اتخاذ خطوات إيجابية من هزيمة جبهة النصرة في عرسال شرق لبنان...على العكس تماماً، تزامنت زيارة السيد مقتدى الصدر مع النظام السعودي الدبابات والجرافات والمدفعية الثقيلة وقذائف الأربي جي 7، وقطعان القناصة القتلة ضد ناس عزل من الساكنين في أحياء المسورة والجميمة وغيرهما في العوامية وفي القطيف ومازالت هذه الحرب التي يشنها النظام السعودي على هؤلاء الأهالي الذين يقدمون يومياً العديد من الضحايا بنيران قوات آل سعود الهمجية. وبالتالي شكلت زيارة السيد مقتدى الصدر غطاءاً لبن سلمان في حربه مع أبناء العوامية، سيما وأنهم ينتمون للطائفة الشيعية التي ينتمي لها الصدر. أكثر من ذلك قد يوظف بن سلمان هذه الزيارة في إضفاء نوعاً من التأييد الصدري لهذه الحملة الدموية، حتى وان لم يقصد الصدريون توفير مثل هذا الدعم، فقد كان بإمكانهم الانتظار حتى ينتهي العدوان السعودي على أهالي العوامية، ومن ثم القيام بالزيارة حتى لا توظف بالاتجاه الذي أشرنا إليه.
2- لو كان النظام السعودي جاداً فعلاً، لاعتذر من الشعب العراقي على أقل تقدير فالقاصي والداني يعرف جيداً ماذا فعل آل سعود وقطعانهم الوهابية التكفيرية وعلماؤهم التكفيريون، بأبناء العراق قتلاً وفتكاً وإثارة للفتنة الطائفية والسياسية، والقصة معروفة للقاصي والداني، فلو كان ثمة توجه جديد لدى هذا النظام لقدم على الأقل اعتذاراً ولو شكلي لأبناء الشعب العراقي، لأن مئات الآلاف استشهدوا أو جرحوا من أبناء الشعب العراقي سقطوا بالتفجيرات وبالشحن الطائفي الذي مارسته السلطات السعودية ضد الشعب العراقي، وبالأموال الطائلة التي رصدتها للإرهابيين في العراق دعماً وتسليحاً لقتل أبناء هذا الشعب وتفجير تجمعاتهم وأسواقهم وأعيادهم ومآتمهم والقائمة تطول وتطول. فعدم تقديم مثل هذا الاعتذار بقدر ما يكشف ما أشرنا إليه، فأنه يؤكد الاستخفاف السعودي بهؤلاء الضحايا وبعدم الاكتراث لهم ولذويهم وللشعب العراقي عامة، من جهة، ومن جهة أخرى، أن عدم تقديم الاعتذار تأكيد على أن آل سعود غير نادمين على ما فعلوه من فتك وعبث وقتل في هذا البلد، أقصد العراق.
3- ولو كانوا فعلاً جادين لغيروا من لهجتهم الإعلامية المعادية، التي يعرفها الكل في مفرداتها ومصطلحاتها واتجاهاتها ومقاصدها، فلم تغادر التخندق الطائفي، ولم تخفف حتى من التضليل والتزييف للحقائق، في الوقت الذي تتعاطف مع الكيان الصهيوني، كما تمثل بشكل فاقع وفاضح في دعم الكيان الصهيوني في حملته الدموية القمعية ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، وقيام أحد علماء الوهابية السعوديين بالإفتاء لصالح حملة القمع الصهيونية لهؤلاء المدافعين عن القدس!! ليس هذا وحسب بل أضافت وسائل الأعلام السعودية مصطلحات ومفردات جديدة في حملتها الإعلامية لا تشي بتكريس الفتنة الطائفية بين طوائف المسلمين وحسب، وإنما تؤسس لصراعات داخل المذهب الواحد كما سنرى بعد قليل بإذن الله.
4- إن تصريحات ثامر السبهان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، وسفير السعودية السابق في العراق تكشف الكثير من أهداف دعوة آل سعود لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لزيارة السعودية، حيث قال السبهان " إن التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبني أوطاناً أو مجتمعات، داعياً إلى التفريق بين المذهب الشيعي الأصيل و"مذهب الخميني المتطرف الجديد " )) على حد زعمه ، والسبهان كما هو معروف، عندما كان سفيراً في العراق تدخل بشكل سافر في شؤون العراق الداخلية، وتهجم على الحشد الشعبي بشكل سافر أيضاً، موجهاً له تهماً باطلة، ومساهماً في حفلة التشوية الأمريكية والصهيونية ضد هذا الحشد، منتهكاً بذلك كل البروتكولات الدبلوماسية، ومستخفاً بكرامة الشعب العراقي، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية إلى الطلب من السلطات السعودية بسحب السبهان، واستجابت السلطات السعودية لكنها كافأته بمنصب أعلى من منصب السفير الأمر الذي يعني انه كان ينفذ تعاليم آل سعود في بغداد لإثارة الفتن والضغائن وسط الشرائح العراقية، والتدخل في شؤون العراق الداخلية.
دوافع النظام السعودي في التقرب من العراق ومن الرموز العراقية، والمحسوبة على طائفة معينة خاصة في ضوء ما تقدم، لا أعتقد أنها تنبع من نوايا سليمة، إنما يسعى النظام السعودي من وراء ذلك، نحو أهداف مشبوهة نذكر منها ما يلي:
إن ما يقوم به بن سلمان من محاولات تقرب من الحكومة العراقية، ومن الرموز العراقية السياسية منها والدينية الشيعية والسنية، كان أحد شروط الكيان الصهيوني والولايات المتحدة للقبول بصعوده إلى ولاية العهد ومن ثم إلى العرش على حساب بن نايف وعدد من الأمراء الآخرين الذين يرون انفسهم أحق منه لتولي تلك المناصب.
ويهدف التمهيد لهذا الاختراق السعودي لتحقيق جملة أمور منها ما يلي:
1- إثارة الفرقة بين مكونات الطائفة الشيعية الدينية والسياسة، من خلال إثارة قضية " التشيع العربي " و" التشيع الفارسي " ، ولعل إشارة ثامر السبهان إلى إنهم – أي السعوديون- يفرقون بين " المذهب الشيعي الأصيل، ومذهب الخميني المتطرف الجديد "... لعلّ هذه الإشارة كاشفة جداً لما ينوي آل سعود القيام به من خلال استقطاب بعض رموز عراقية دينية وسياسية من الشيعة ومحاولة كسبهم ومنحهم الأموال والدعم بكل أنواعه، وبالتالي إيجاد محور وتيار لما يسمونه ( التشيع العربي) ومن ثم إثارة الفتنة والشحن الداخلي بين هذه المكونات، أي بين ما يسمونهم " الشيعة العرب، والشيعة الفرس "، وصولاً إلى نتيجة عامة وهو استنزاف هذه المكونات بشقيها !! وإذا نجحوا، لا سمح الله، في هذا المسعى يكونون قد قطعوا نصف الطريق، أو أكثر من ذلك، في عملية تصفية القوة العراقية أو تفكيكها، فضلاً عن إثارة الانقسامات والمشاحنات بين المكونات الشيعية في المنطقة برمتها، وهذه الخطة التي تتجلى مصاديقها في التعامل مع شيعة العراق، فأنها ستطال المكونات السنية أيضاً، لأن الهدف النهائي، هو تفكيك مراكز القوة في هذه الأمة، عبر إثارة الفتن وعبر الاختراقات وعبر أدوات محسوبة على الإسلام مثل الدواعش والنصرة ومن لف لفهم...
2- الاستقبال السعودي الضخم للسيد مقتدى الصدر، وقبل ذلك سلسلة الاجتماعات واللقاءات التي جرت بين رموز صدرية والسفارة السعودية في لبنان، واستقبال ثامر السبهان للسيد الصدر، كل ذلك يؤشر إلى أن النظام السعودي يريد توطيد علاقته مع زعيم التيار الصدري من أجل تعزيز تحالف هذا التيار مع أياد علاوي المعروف بعدائه لإيران وقربة من السعوديين، فضلاً عن تحالفه مع الأمريكان، فالسعوديون والأمريكان أدركوا أن علاوي لا يمكن أن يحقق النصاب الكافي في الانتخابات المقبلة، الانتخابات التشريعية، وبالتالي صعوده إلى رئاسة الوزراء، إلا من خلال تحالفه مع تيار قوي مثل التيار الصدري، إذا نجح السعوديون والأميركان في إيصال علاوي على أكتاف التيار الصدري إلى رئاسة الوزراء، يكونون قد حققوا أهدافهم، فعلاوي سيأخذ العراق وأهله إلى حيث تريد أمريكا والسعودية، وسيصفي خصومهم من الرموز والمكونات الأخرى، وسيفكك الحشد الشعبي وما إلى ذلك، وبالتالي لابد أن يعي التيار الصدري هذه الخطورة، والّا يُستدرج إلى مثل هذا الفخ عبر شعارات ومقولات خادعة ومعسولة من الأطراف التي تدير هذه اللعبة أقصد النظام السعودي ومن ورائه الصهاينة والاميركان وأدواتهم في المنطقة.
3- مسارعة الأعلام المحسوب على النظام السعودي إلى إثارة قضايا لا تعبر عن نوايا جادة لإيجاد مناخات جديدة من الوئام وتوحيد الصفوف وما إلى ذلك، من قبيل الادعاء بأن " الصدر تمرد على إيران " أو أن " الصدر وتياره يمثل الجانب العروبي في العراق " !! ما يوحى ذلك إلى تقسيم للمجتمع العراقي، سيما في الوسط الشيعي، في محاولة لإثارة الفتنة والفرقة، والتناحر بين مكونات الشعب العراقي من خلال خندقها أو محاولة خندقها في مواضع عربية وغير عربية وهكذا.
على أن المراقبين أو المتابعين أو بعضهم يرون أن هذه المحاولات ستبوء بالفشل لأن الشعب العراقي الذي اكتوى بمكائد هذا النظام وبجرائم ومذابح تكفيرية طيلة الأربعة عشر سنة الماضية، ثم وعى أكثرية رموز و زعامات هذا الشعب السياسيين والدينيين لا يسمحون لأحد وللنظام السعودي بالتلاعب بمستقبل البلاد وبوحدته واستقراره، حتى وان حاول هذا النظام من خلال الالتفاف على بعض المكونات السياسية والدينية في العراق.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق