فرص محوري ما بعد قمم الرياض
كان من ابرز نتائج قمم الرياض الثلاث ،التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ،مع دول الخليج العربي ،والدول العربية والإسلامية قبل اسبوع ،ترسيم الحدود بين محورين اقليميين تشترك فيهما الدول وكيانات ما اقل من الدول، بمفاهيم العولمة.
وفق مرجعية عنوانين وهما :مكافحة الارهاب الذي تمثله داعش والقاعدة وأخواتهما ،ومن يقف وراء الارهاب تسهيلا وتمويلا وتسليحا ودعما وتهيئة البيئة لايدولوجيا التكفير، وعنوان ايران وتحميلها مسؤلية الفوضى في الاقليم بدعم الارهاب والتطرف ،وتدخلها في مناطق الصراع وتغذيته على اسس مذهبية في سوريا والعراق واليمن وغيرها.
هذان المحوران ،وان كانا متبلورين ،على الاقل عربيا قبيل قمم الرياض ،وتم التعبير عنهما في قمة البحر الميت في الاردن ، وعلى ارضية ذات العنوانين في قمم الرياص (الارهاب وايران) وفي الحملات الإعلامية المتبادلة، الان قمم الرياض منحت هذين المحورين رخصة التشكل العلني .
لقد عبر هذان المحوران عن نفسيهما ،قبيل مغادرة طائرة ترامب الرياض ،بصيغة محور الرابحين ومحور الخاسرين من قمم الرياص. فقد ظهر المحور الذي تقوده المملكة العربية السعودية منتصرا، فيما ظهر المحور الذي تقوده ايران خاسرا .وهذا ما عبرت عنه الحملات الإعلامية، غير المسبوقة في التصعيد بين المحورين، وان تم اختزال مشهد التصعيد بين قطر من جهة و الامارات من جهة اخرى ، لكن سرعان مالحق الاعلام السعودي بالامارات ، رغم حرص قطر على استثناء السعودية من حملتها المضادة.
ولعل من الملفت للنظر ان يضم محور الخاسرين اطرافا متناقضة تلتقي في ملف ولا تلتقي في ملفات اخرى ،ما يعكس مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية ،عنوانها تحالفات استراتيجية جزئية، تطيح بمفهوم قانون الوحدة والصراع،وتعلي ما يعرف بالمصالح الوطنية العليا، والبراغماتية، وهذا ما يفسر عداء الادارة الامريكية مثلا لحزب الله اللبناني، وتحالف هذه الادارة مع القيادة العراقية منذ الاطاحة بنظام صدام حسين،رغم ان مرجعيتهما واحدة (ايران).
وفي السياق ظهرت تركيا وقطر كعضوين في محور الخاسرين، رغم ان ما يجمع بين تركيا وايران اقتصاديا يفرقهما سياسيا،في الملفين السوري والعراقي، والموقف من داعش والقاعدة، فيما تلتقي قطر مع تركيا في دعم الاسلام السياسي وتشترك مع تركيا في تهمة دعم الارهاب ،تحتفظ بعلاقات غير باردة مع ايران،وتدعم حركة حماس ولا تبدي عداءا تجاه حزب الله اللبناني.
غير ان الاهم من هذا كله ان داعش والقاعدة ومعهما الاسلام السياسي بكل اطيافه بما فيه جماعة الإخوان المسلمين، اتخذ مقعدا دائما في عضوية هذا المحور،
ويبدو ان الصورة لا تختلف كثيرا في محور الفائزين، وتحديدا في الاتفاق على اولوية المشتركين الأساسيين(الارهاب ثم ايران ام ايران ثم الارهاب) فمن الواضح ان مصر والاردن تعطيان أولوية للارهاب ، خلافا لمقاربة السعودية التي ترى في ايران الولوية،
ويبرز هنا الموقفان العماني والكويتي،اللذان لا يكنان ذات العداء لايران،لابل ان سلطنة عُمان تشكل نافذة طهران الموثوقة على العرب وغيرهم ،ومن خلالها تم التاسيس للصفقة النووية الكبرى عام 2015.
ولحين ظهور مؤشرات بوادر لحسم الصراع بين المحورين،وكنتيجة لاجواء التصعيد،من المرجح ان تتواصل حالة الفوضى في المنطقة بمستويات مختلفة ،خاصة في الدول غير المستقرة وشبه المستقرة والمستقرة ، من خلال الارهاب الذي تشكل السياقات القائمة،وتلك التي يتم بناؤها بيئة مناسبة ،في ساحات المحورين ،فالارهاب ينمو حيثما تنشأ الفوصى.
وربما من المبكر استجلاء فرص كل محور في تحقيق اهدافه ،الا ان المؤكد ان ليس هناك نصرا ولا هزيمة كاملة في الصراعات والحروب الحديثة ،وهذا لا يمنعنا من التقدير بان فرص فريق الفائزين بقيادة المملكة العربية السعودية هي الاكثر واقعية ،اذ ان محورا تقوده الرياض مع القاهرة ،في ظل غياب بغداد ودمشق” مراكز الثقل العربي” ،سيكون الاقدر على تحقيق اهدافه او جلها ،خاصة وان التناقضات بين اعضاء هذا المحور اقل منها بكثير من تناقضات محور الخاسرين ،خاصة تركيا،التي جاء وضعها بهذا المحور في حالة اعتراضية على سياسات محددة ،وهي في تحالف مع المملكة العربية السعودية، وغني عن التذكير انقلابات اردوغان على مواقفه، الذي تقوم استراتيجته على الحفاظ على وجوده على راس السلطة ،فيما يبني مقارباته الاقليمية في الملفين السوري والعراقي والارهاب ،بدور اقليمي لتركيا في قيادة السنة ، والحيلولة دون قيام كيان كردي ، يهدد سلامة ووحدة الأراضي التركية.
وفي الخلاصة فان تغييرات دولية تطبخ على نار هادئة بدات ملامحها بالظهور ،تهدم مفاهيم استرايجية مستقرة وتبنى اخرى جديدة ،لا تصب في صالح محور الخاسرين ،فلم يكن مصادفة ان يجري الحديث عن نقل قاعدة انجريلك الجوية من قبل حلف الأطلسي من تركيا الى الاردن ،بالتزامن مع حديث عن نقل القاعدة الامريكية من قطر الى الامارات.
بقلم : عمر الرداد
ارسال التعليق