كاتب مغربي :لهذه الاسباب لن اقف مع السعودية في خلافها مع كندا
عبدالسلام بنعيسي
أعلنت السعودية وقف جميع برامج علاج المرضى السعوديين في كندا، ونقل جميع مرضاها، الذين كانوا يعالجون في المشافي والمصحات الكندية إلى دول أخرى، كما قررت الرياض، إيقاف التدريب وبعث الطلبة إلى كندا، ونقل الموجودين فيها، للدراسة والتحصيل والتدريب، إلى دول أخرى..بقراءة عابرة لهذه التدابير والإجراءات التي اتخذتها السعودية ضد كندا يحقُّ للمرء التساؤل عن المنطق الذي تحكَّم في استصدارها، إنها إجراءات ارتجالية وانفعالية، ويبدو جليا للمتأمل فيها، أنها إجراءات تكاد تكون موجهة ضد المواطنين السعوديين قبل أن تستهدف الكنديين. المريض السعودي الذي يوجد طريحا في الفراش بكندا، من المحتمل أن يكون قد أجرى الفحوصات والتحليلات الطبية الدقيقة، وأنه يتلقى العلاج تحت إشراف طبيب كندي مختص، وأنه يراقب وضعيته عن كثب منذ مدة ليست باليسيرة، وحين يتقرر نقل هذا المريض إلى دولة أخرى، ألا يعني ذلك أن كل المرحلة العلاجية التي تلقاها سابقا قد تذهب سدى؟ ألا يفيد هذا أن على الطبيب الذي سيستقبله في الدولة التي سيُنقل إليها، أن يعيد مراقبته مجددا، وربما إجراء التحليلات والفحوصات له مرة أخرى، مع ما قد يستتبع ذلك من تأخير في العلاج والتطبيب، ولنفرض أن بعض المرضى السعوديين كانوا على أبواب إجراء عمليات جراحية، ألا يشكل نقلهم من دولة إلى أخرى تضييع وقت ثمين، قد يصبح فيه الخطر داهما على المرضى؟المريض يكون مرهقا ومنهكا وفي حالة نفسية هشة، ويكون نتيجة لذلك في أمس الحاجة إلى الهدوء والسكينة والراحة، ولكن حين يتقرر حمله بغثة من فراشه، لشحنه في سفر بعيد إلى دولة أخرى، دون الاستشارة معه، أو لأسباب غير طبية، ألا يمثل ذلك عدوانا عليه، وتجاوزا على حقه الإنساني البسيط في التطبيب في المكان الذي اختاره لنفسه مكانا للتطبيب؟ ألا يمكن أن ينتج عن نقل مريض، لا يقوى على التنقل، مضاعفات قد تكون خطيرة على صحته وسلامته؟ لماذا إقحام المرضى السعوديين الذين يعالجون في كندا في صراع مباغت بزغ فجأة بين الدولتين؟ ما دخلهم في الموضوع أصلا، ولماذا تحميلهم تبعات النزاع الذي جرى بين السلطات في الرياض وأوطاوا؟؟ونفس الأمر ينطبق على الطلبة السعوديين الذين يتابعون دراساتهم في كندا، يفترض في هؤلاء الطلبة أنهم استأنسوا بالدراسة في الديار الكندية، وتعودوا على مناهج التعليم هناك، وتأقلموا معها، ومنهم من لديهم رسائل للدكتوراه سجلوها مع أساتذة كنديين، ولاشك أن من الطلبة السعوديين من أقام علاقات إنسانية ودية مع الكنديين، وقد يكون استطاب العيش في كندا، بسبب المكوث فيها لوقت طويل، لكن حين تملي السلطات السعودية على طلبتها الانتقال من هذه الدولة التي تعودوا على العيش فيها، إلى دول أخرى، ألا تكون قد أجهزت بذلك على كل المكتسبات التي حققها طلبتها في كندا، وأنها تدعوهم للبدء من الصفر في رحلة سيزيفية بدول أخرى؟؟ هل في نقل الطلبة السعوديين من كندا مصلحة طلابية سعودية؟ هل المنهجية التعليمية الحديثة توصي بنقل الطالب كرها للدراسة من دولة إلى دولة مغايرة..؟لا نشك لحظة واحدة في وجود كفاءات طلابية سعودية في جهات الدنيا الأربع، بما في ذلك كندا، وبدل إلزام هذه الكفاءات بمغادرة كندا إلى غيرها من الدول، كان من الأفضل للرياض لو استبقت طلبتها هناك، وحتتهم على التحرك وسط الكنديين ومؤسساتهم، أحزابا، ونقابات، وجمعيات المجتمع المدني، وبرلمانا، وأعضاء في الحكومة، وفي وسائل الإعلام.. لشرح وجهة نظر الدولة السعودية، ورفضها التدخل الكندي في شؤونها الداخلية..كان بإمكان الطلبة السعوديين تشكيل لوبي فاعل، وقادر على خلق موطئ قدم لصوت السعودية الرسمي، والترويج له، وبسطه أمام الرأي العام الكندي.. إلا أن نقل هؤلاء الطلبة من كندا، صار تجريدا للسعودية من عنصر بشري نوعي مهم، كان وجوده بالديار الكندية كفيلا بالدفاع عن رأي دولته، حتى دون أن تطلب منه هي ذلك، وتكلفه بهذه المهمة، إنه يقوم بها بشكل تلقائي، انطلاقا من وطنيته المغروسة في وجدانه، فالدولة السعودية هي التي حرمت طلبتها من ممارسة دورهم في الدفاع عن بلدهم بالديار الكندية.حين تتصرف الرياض بهذه الطريقة الانفعالية والغاضبة، كما تفعل مع كندا، فإنها تُظهِرُ للعواصم الغربية ولخصومها والطامعين في ثرواتها نقطة ضعف كبيرة لديها تجاه كل من يُحدِّثُها عن حقوق الإنسان السعودي، ولاشك أن غضبها هذا سيشجع خصومها، ومن يريد استفزازها لابتزازها، على الاستمرار في النقر على نفس الوتر المتعلق بموضوع حقوق الإنسان في السعودية. والحل ليس في الرد بالصراخ والزعيق والإنكار، واتخاذ الإجراءات الهوجاء التي تضر أكثر مما تنفع.. الحل يكمن في البدء بإصلاحات سياسية وقانونية تُفضي بالتدريج إلى إقرار ديمقراطية حقيقية في البلاد تسمح بحرية التعبير، وإنشاء الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، والبرلمان، والدستور، وإخضاع السلطة والمال العام للمراقبة، أي الانخراط في لغة العصر، خطابا وممارسة..يضاف إلى ذلك يتعين على السعودية مراجعة سياستها الخارجية، وإعادة النظر كليا فيها، سواء، تجاه اليمن أو سورية، أو إيران، أو إسرائيل، للعمل من أجل بناء تضامن عربي يكون لبنة لإنجاز تضامن إسلامي أوسع، يتأسس على قاعدة ومبدأ مواجهة المؤامرات الصهيوأمريكية التي تحاك ضد المنطقة والتصدي لها، فبهذه السياسة، ستقود الرياض العالمين العربي والإسلامي، وستحظى بالتأييد الشعبي والرسمي، وستكون محمية بهما، وسيهُبُّ الجميع للدفاع عن السعودية إذا اقتضى الأمر ذلك، وإلا فإن الدور سيأتي عليها، كما وقع لمن سبقها، ولعل التطاول الكندي عليها يشكل مقدمة على هذا المستوى.
كاتب مغربي
ارسال التعليق