لماذا بارك بن سلمان معسكرات اضطهاد الايغور؟
غيّر محمد بن سلمان خطّ رحلته الخارجية التي يقوم بها حاليّاً ملغياً كلا من ماليزيا وإندونيسيا، مكتفياً بباكستان، التي تعاني أزمة سياسيّة وماليّة، وجارها الخصم الهند، التي لم تحاول تخفيف غضبها المستشيط من إسلام أباد بعد عمليّة مسلحة في كشمير أودت بعشرات العناصر الأمنية الهندية، وجارها الثالث العملاق، الصين، التي لم تراع أيضاً بن سلمان معلنة أنها لن تتخلى عن علاقتها الاستراتيجية مع إيران.
ورغم سياسة الشيكات وإعلانات الصفقات بالمليارات في البلدان الثلاثة التي مرّ بها وليّ العهد السعودي، فإن هذه الأوضاع الجيوستراتيجية العاصفة، معطوفة على الأوضاع المأزومة لبن سلمان نفسه وبلاده، منذ تكشّف علاقته والدائرة الضيّقة المحيطة به باغتيال الصحافي جمال خاشقجي، جعلت المحصول الحقيقيّ لتلك الجولة ضعيفاً.
أبأس مواقف جولة بن سلمان كانت في الصين، فقد توقّع البعض من السعودية، وهي البلاد التي خرج منها الإسلام، وموقع أهم أقداس المسلمين التي يحجّون إليها كل عام، أن تقوم بالضغط على حكومة بكّين لإقفال معسكرات الاعتقال المشينة لأكثر من مليون مسلم، وزيارة الأقاليم التي انتشر فيها الإسلام (لم تحصل بين المسلمين وبلاد الصين غير معركة واحدة خلال الحقبة العباسية وكانت أول وآخر صدام بين الطرفين).
غير أن ما حصل كان غريباً جداً بكافة المقاييس وهو أن وليّ عهد «خادم الحرمين الشريفين» أعلن تأييده لعمليات الاضطهاد الجماعي الممنهج للمسلمين الصينيين قائلا خلال لقاء مع الرئيس الصيني تشي جيبينغ إن «للصين الحق بإجراءات مضادة للإرهاب ومنع التطرف حفاظا على أمنها القومي»، وهو ما تداوله الصينيون باعتباره مباركة من المملكة السعودية وزعيمها لما يقوم به زبانيتهم في معسكرات الاعتقال الجماعي للمسلمين.
يعاني الموجودون في تلك المعسكرات من ظروف مريرة، أوّلها أن لا أحد يعلم متى يُطلق سراحه، والازدحام شديد، وفي المعسكرات أشخاص عجائز أو يعانون من أمراض كما أن هناك أطفالا ومراهقين، ونساء حوامل ومرضعات، وأصحاب إعاقات، وقد ذكر أشخاص نجوا من تلك المعتقلات أن الكثيرين يحاولون الانتحار، كما يعاني الكثيرون من العقوبات الجسدية بتهم عدم إطاعة الأوامر.
ما الذي جعل السعودية، التي ينظر إليها البعض وخصوصاً هؤلاء المضطهدين بأنها رمز الإسلام في العالم، والمدافع الكبير عن حقوق المسلمين، تتعامل معهم بهذه الركاكة مع معاناة ملايين منهم؟
كان مفهوماً بالطبع أن يقوم بن سلمان بتسويق نفسه باعتباره الحاكم الذي سيدخل بلاده عالم الحداثة، وأنه سيغيّر صورة السعودية التي ارتبطت على مدى عقود طويلة بالقسوة العنيفة والترف المبتذل والاستبداد المهول والتقاليد الرجعية التي تسيء للمرأة، وقد استجاب السعوديون، وقطاعات واسعة في العالم والشرق الأوسط لهذه الفكرة قبل أن يكتشفوا أن داعي «الحداثة» المتنوّر، وبطانته الشابة، كانت اقسى بكثير من سابقاتها، وأن دعاوى التنمية والخير الفائض والحداثة وتحرير النساء ليست غير مزاعم فارغة تخفي إرادة استبداد مطلقة، وهو أمر أدّى، عند اكتشافه، إلى هبوط حادّ جداً في أسهم وليّ العهد، ومطالبات غير مسبوقة بتنحّيه وتحميله مسؤوليات الفساد المستجد والجرائم الفظيعة والانتهاكات الشائنة.
رغم أن تصريح وليّ العهد في الصين يؤكد المؤكد، وهو أن المستبدّين أولياء بعض، لكنّ هذا الاسترخاص الفظيع لحياة المسلمين الصينيين يشير أيضاً إلى ضعف بن سلمان السياسيّ، فهو ليس زائراً كندّ لمن يزورهم، ولكنّه يبحث ببساطة عن شرعيّة افتقدها لدى شعبه، وجاء يبحث عنها في الخارج.
ارسال التعليق