ما الذي بقي للناس في بلد كاليمن من حائط أخير يقيهم من زمهرير الجوع والعطش والمرض والحصار ومذلّة السؤال؟

وماهي آخر الموانع والتحصينات التي تحول دون الدفع بهم بأقصى سرعة نحو بحور المآسي والكوارث والأحزان ؟

تظل مثل هكذا تساؤلات معلقة بين السماء والأرض،طالما بقيت اليمن منسية ومشطوبة من خارطة الإهتمامات العالمية.

المهم ..نعتقد أنه من المفيد الإشارة هنا إلى أنه من الصعب فهم مايحدث في جنوب غرب شبه جزيرة العرب، دون ربطه بعاصف السعوديين في الشمال وتناقضات وسياسات الإماراتيين في الجنوب..وشرح هذه المسألة يطول ،لكن الذي نحن بصدده هنا هو نقل مشهد بسيط في الجانب الإنساني.

هل تعلمون أنه إذاما أراد المرء أن يتحرك أو يذهب للوظيفة في العاصمة صنعاء مثلا أو غيرها كالحديدة وتعز وإب وووالخ،عليه أن يتزود بدست مناديل من الحجم العائلي كي يمسح بها ما تمكن من دموع وعرق يتصببان على وجهه في كل شارع وجولة وسوق وحي ،حيثُ سيجد نفسه يقف وجها لوجه مع مشاهد إنسانية راعفة ومبكية تُحطّمه تماما..فمن يمينه تطلُّ أمٌّ عابسة تبكي وتُبكيه معها،قائلة له بكل خجل وإنكسار :” استرني الله يسترك، لا أجد ما أشبع به أولادي، سامحني يا ولدي اخرجتنا الحاجة، والله أنني أتمنى الموت في كل ساعة،أهون وأشرف لي من معيشة الذُّل الذي يقطعني بسكاكينه كلما مدّيت بيدي للناس “

وعن يساره أخرى تقول :

 ” صاحب البيت طردنا إلى الشارع ،وزوجي طرق كل باب وفي النهاية تشرّد ،وضاع وضعنا كلنا، وبقيت لوحدي أحاول إطعام أربعة أطفال لو تركتهم يعلم الله ما سيحلّ بهم ” ..وثالث بيده إما أدوات السباكة أوالتليّس ينفجر بين يديك عاجزا عن الكلام ..وطفل يحاول رفع يده إلى المستوى الذي يجعلك تُشاهدها،مع بعض العبارات المقتضبة : “أمي وخواتي في البيت ، والله ما أكلنا من أمس″.

هذه الصوربالطبع هي عبارة عن قطرة في محيط،وهناك قصص وصور مفزعة من الواقع أخجل كيمني أولا: وكعربي ثانيا:وكإنسان ثالثا: أن أرويها لكم،لعدة أسباب، أحدها كي لا تتأثر صورة ” التُّبّع “اليمني في عيون ونفوس أشقائه في المجتمعات العربية الأخرى التي تُفاخر معظمها بإنتمائها لهذا البلد أرضا وإنسانا،ثقافة وحضارة ،قيما وتاريخا، طالما لجأ إليه وتغنّى به أبناء العروبة،سيما المبدعون والمثقفون كالشاعر الكويتي

عبدالله العتيبي القائل :

(صنعاءُ والحبُّ والتاريخ والسفرُ *** وألفُ ألفُ زمان فيكِ يُختصرُ

جئناك نلتمسُ الرجعى لصورتنا *** لمّا تعددت الأشكالُ والصورُ

مضيّعون وفينا كل هادية *** وضامئون وفينا النهرُ والمطرُ)

لكن ومهما تكن صورة اليوم مظلمة ،لا تعدم من يبرر لها ،على إعتبار أن الذي أوصل الناس إلى هذه الحالة هو الصراع الداخلي والعدوان والحصار الخارجيين ،معتقدين بأن ما يجري لا يعدو أكثر من جملة إعتراضية في تاريخ البلد وغمامة ستزول..

وفي المقابل هناك من يرى أن ما حدث ويحدث يفوق الوصف وتصعب معالجته على المدى المنظور،هذا في حال أفاق أصحاب قرار إيقاف الحرب والعدوان من غيبوبتهم وقرأوا لابن الرومي: ( ليتني ماهتكتُ عنكن ستراً *** فثويتُنَّ تحت ذاك الغطاء) وشعروا حقا بمأساة أم يمنية تبيع أعضائها الجسدية واحدا تلو الآخر من أجل إطعام من بقي من صغارها جوارها أحياء.

وأخرى تحولت من موظفة أو ربة بيت كانت تعيش فقرا مستورا إلى متسولة ومشردة في الشوارع ،وثالثة ورابعة وعاشرة ، تهيم وتهذي على وجهها في فضاءات الضياع وجحيم واقع لا يُطاق وأمراء حرب وعدوان لا يرحمون.. امتهنوا كل مقدّس لدى الناس الذين تحولت في نظرهم الكثيرٌ من المفردات والشعارات المرفوعة هنا وهناك إلى لعنات وكوابيس وسلع بائرة،تسقط جميعها أمامهم في مسرح العبث والسخرية السوداء، وتسقط معها أيضا، الأقنعة وكل جسور الثقة، لدرجة أن الكل غدا ملطّخا بالعارويشعر بالعار( الضحية) و(المذنب)،، وإذا كان سبب تلطُّخ المذنب بالعار معروفا، فالضحية ييعيشه ويشعر به

أيضا، لأن المشهد برمته اتعبه وكسر إيمانه بذاته،إلى جانب الفقر والهوان وذُل السؤال الذي ربما ينطبق عليه هذا البيت الشعري المنسوب للإمام علي كرّم الله وجهه: ((يَقولُ الناسُ لي في الكَسبِ عارٌ *** فَقُلتُ العارُ في ذُلِّ السُّؤالِ ).

الخلاصة:

لقد طال أمد الحرب والتعنُّت ومنذُ سنوات وهذا الشعب  يموت موتا بطيئا أمام العالم،فلا يمر يوم من دون أن ترتكب بحق أبنائه المجازر والغريب في الأمر أنه ومهما بُذِلت من جهود في كشف المخبوء وإضاءة المسكوت عنه في هذا السياق،تزداد صفقات بيع الأسلحة وأدوات قتل المدنيين على يد ” التحالف العربي” وكأن أرقام الضحايا، ليسوا بشرا ، وإنما فئران تجري عليهم شركات صناعة وبيع الأسلحة الغربية تجارب في مختبرات بعيدة عن التجمعات السكانية خُصصت لها تقع جنوب الجزيرة العربية.

صورة مع التحية لكل من :

-الجامعة العربية – منظمة المؤتمر الإسلامي – الأمم المتحدة -مجلس الأمن الدولي – ميثاق الأمم المتحدة- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -إتفاقية الطفل.

– العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية -إتفاقية مناهضة التعذيب – مجلس حقوق الإنسان – محكمة العدول الدولية- الضمير العالمي.

بقلم : عبدالكريم المدي