ما هي رسائل المرسوم الملكي (ريما-خالد)
في سابقة تاريخية لم تحدث منذ تأسيس السعودية تمّ تعيين ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفيرة للسعودية في أمريكا، بدلاً من خالد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي تمّ تعيينه نائباً لوزير الدفاع بمرتبة وزير.
تحمل هذه القرارات سواء تعيين ريما، أو خالد، رسائل وأبعاد بعضها يرتبط بالخارج، ولاسيما الداخل الأمريكي، والبعض الآخر يرتبط بالداخل السعودي وسنسعى للإشارة إليها في ثنايا هذا المقال.
ريما بنت بندر
أبعاد عدّة حملتها مسألة تعيين ريما بنت بندر بن سلطان، ابنة السفير الأسبق في واشنطن، سفيرة لبلادها، والتي لم يسبق لها الانخراط في العمل الدبلوماسي، أبرز هذه الأبعاد:
أوّلاً: سعى محمد بن سلمان من خلال هذا الأمر لتحسين صورة السعودية بعد قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فقد نقلت صحيفة الـ"غادريان"، تصريحات للكاتب، كريستيان أولريتشسن، رأى فيه أن السعودية تحاول أن تلمع صورتها في أمريكا وتغطي على مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بهذا القرار.
يحاول بن سلمان تقديم صورته على أنّه داعم للمرأة، ولاسيّما أنه يُعرف عن الأميرة موقفها الداعم لقضايا المرأة حيث عبّرت صراحة عن رفضها لولاية الرجل كما أعلنت تأييدها لقضايا مثل حضور النساء للمباريات الرياضية، وقيادة المرأة للسيارة.
ثانياً: حاول ابن سلمان من خلال هذا الأمر توجيه رسالة للداخل الأمريكي بسبب تهشّم صورته والوعود التي قدّمها بعد قضيّة خاشقجي.
هذا الامر سيشكّل عاملاً مساعداً لترامب بغية التخفيف من وطأة أي عقاب قد تتخذه واشنطن بحقّ قتلة خاشقجي.
تتقن ريما لغة التخاطب الأمريكية، وكونها امرأة عربية وسفيرة للسعودية بإمكانها التخاطب مع الأمريكيين بلغتهم ومصطلحاتهم اليومية بشكل مباشر باعتبارها قضت فترة طويلة من حياتها في أمريكا سواءً بسبب طبيعة عمل والدها سفيراً للسعودية في أمريكا بين عامي 1983 و2005، أو بسبب تخرّجها من جامعة جورج واشنطن.
ثالثاً: يسعى ابن سلمان وإضافةً إلى النقاط المشارة أعلاه إلى الاستفادة من خبرات ريما وجنسها الناعم بالداخل الأمريكي.
إن تعيين بنت بندر كسفيرة سيمكّنها من الاستفادة من خبرات وعلاقات والدها بندر بن سلطان الذي تولى منصب رئاسة الاستخبارات.
فرغم غياب العمل الدبلوماسي عن سجلّ ريما إلا أن خبرتها بالداخل الأمريكي من جهة، وعلاقات والدها في دوائر صنع القرار الأمريكي من جهة أخرى إضافةً إلى قربها من ابن سلمان الذي عملت مستشارة له، شكّلت عوامل إضافية في تعيينها بهذا المنصب الحسّاس الذي قد يكون مقدّمة لتعيينها كوزيرة للخارجية لاحقاً.
خالد بن سلمان
ركّز الكثيرون على مسألة تعيين ريما سفيرة في واشنطن، غافلين عن الشقّ الثاني في القرار والذي ارتبط بتعيين خالد بن سلمان في منصب وزارة الدفاع، هنا نذكر التالي:
أولاً: لا ينفصل تعيين خالد بن سلمان عن محاولة ابن سلمان الإمساك بقبضة آل سلمان على الحكم، ومحاولات تحويل المملكة من سعوديّة إلى سلمانيّة.
إن تعيين الأمير خالد نائباً لوزير الدفاع مقدّمة طبيعية لاستلامه الوزارة خلفاً لأخيه محمد، ومن غير المستبعد أن يتم الحديث عن منصب ولي ولي العهد مجدّداً، ويكون بالتالي من نصيب الأمير خالد.
ثانياً: وفي السياق نفسه، وصل محمد بن سلمان إلى منصب ولي ولي العهد، ولاحقاً ولي العهد، عبر منصّة وزارة الدفاع والحرب على اليمن، ومن غير المستبعد أن تشكّل المنصّة ذاتها وسيلة لتعيين الأمير خالد في وزارة الدفاع، وولاية ولاية العهد حيث يُقدم خالد هذا على أنّه رجل السلام الذي وضع حدّاً للحرب في اليمن.
ثالثاً: شكّلت قضية خاشقجي ضربة قويّة لرجال ابن سلمان في السعودية ولاسيّما كل من نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد العسيري، ومستشاره سعود القحطاني.
يدرك ابن سلمان جيّداً حجم المعارضة الداخلية لاحتلاله مكان أبيه، لذلك لا بدّ من وجود قبضة حديدية على المناصب الحساسة في البلاد.
رابعاً: جانب آخر من تعيين الأمير خالد في وزارة الدفاع يرتبط بأي عقوبات قد يتم فرضها على ابن سلمان، لا بدّ من وجود بديل في الداخل يحفظ سلمانيّة الحكم ويحول دون عودة أي من الأقطاب الأخيرة سواء آل عبدالله أو آل فهد إلى المشهد.
في الختام، يبدو واضحاً أن قرار التعيين الأخير يأتي في إطار تحول المملكة إلى مملكة سلمانية، فوجود ابن سلمان وحده قد لا يكفي في ظل حجم الاعتراض الداخلي والغضب الخارجي، لذا انتظروا قرارات ملكية أخرى أكثر أهمّية في الوقت القريب.
ارسال التعليق