ما وراء تهديد ترامب لآل سعود
في تصریحاته لوكالة روتیرز یوم27/4/2017،عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تبرمه وعدم رضاه من السلطات السعودية، عندما قال " بصراحة السعودية لم تعاملنا بعدالة لأننا نخسر كماً هائلاً من المال للدفاع عن السعودية". وللإشارة إن مستشار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان قد صرح خلال زيارة بن سلمان الأخيرة لواشنطن بأن السعودية سوف تستثمر في الولايات المتحدة بمقدار 200مليار دولار من أجل تحسين البنية التحتية الأمريكية، وبالتالي تمكين ترامب من تحقيق وعوده الانتخابية للناخب الأمريكي، ذلك إضافة إلى منح السعودية أمريكا56مليار دولار أخرى لدعم مشاريع ترامب في الداخل الأمريكي، ذلك فضلاً عن أن السعودية ساهمت مساهمة فعالة باعتراف الصحافة الأمريكية والغربية، في تشغيل مصانع إنتاج الأسلحة الأمريكية لتغطية احتياجات الجيش السعودي من الأسلحة والمعدات الحربية، واللازمة لاستمرار عدوانه على الشعب اليمني، لدرجة أن الصحافة الأمريكية اعترفت بأن أمريكا اضطرت إلى تشغيل خطط إنتاج إضافية في تلك المصانع لتغطية احتياجات النظام السعودي من الأسلحة والمعدات الحربية، وبالتالي فإن إحياء تلك المصانع ساهم في حل مشكلة البطالة في تلك الولايات الأمريكية التي تحتضن هذه المصانع وأنعشت الوضع الاقتصادي فيها...وكل ذلك وغيره، فضلاً عن 750 مليار دولار من الاحتياطي النقدي السعودي يقدم ما فيه الكفاية لترامب لقاء حمايته والمحافظة على كرسيه المهزوز، أكثر من ذلك أن بن سلمان ابدى استعداده لتقديم المزيد من الأموال للولايات المتحدة بل كل ثروة البلاد النفطية للاميركان لقاء دعمه ليكون الملك القادم للسعودية إذا توفي أبوه الملك الحالي..كما أن آل سعود لم يترددوا في تلبية طلبات ترامب، فحينما قال إن أمريكا تريد إقامة مناطق آمنة في سوريا، والسعودية تدفع الأموال اللازمة لإقامة مثل هذه المناطق، وافقت السلطات السعودية على ذلك، وأعلنت ذلك عبر إعلامها، وحينما أعلن ترامب أن الخيار العسكري تجاه سوريا على الطاولة، بعد قصة استخدام الأسلحة الكيمياوية في خان شيخون في ادلب، وطلب من السعودية دفع أثمان الصواريخ المطلقة على قاعدة الشعيرات الجوية السورية، أيضاً السلطات السعودية دفعت الأثمان نقداً، فماذا يعني تبرم ترامب وعدم رضاه من النظام السعودي إذن؟
برأيي المتواضع يعني هذا التبرم أحد الاحتمالين التاليين، أولربما كليها وهما:
أولاً: أن ثمة خطة أمريكية لاستنزاف السعودية مالياً إلى حد الإفلاس، وثمة معطيات كثيرة تشير إلى هذه الخطة منها ما يلي :
1- إن الولايات المتحدة تعيش حالة من التراجع والضعف الاقتصادي بل وحتى العسكري قبال منافسين عالميين مثل الصين وروسيا وقوى صاعدة أخرى، ولذلك كان خطاب القسم الذي ألقاه ترامب أكد للناخب الأمريكي، أن الرئيس ترامب سوف يعيد عظمة أمريكا وقوتها وجبروتها، وهذه الوعود لا تتحقق إلا بالتهام الثروات السعودية والخليجية الطائلة، وذلك يفسر تصريحات الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية التي طالب فيها السلطات السعودية صراحة دفع المزيد من الأموال لقاء الحماية الأمريكية، لأنه ما كانت تقدمه تلك السلطات من أموال للحامي الأمريكي غير كافية بنظر ترامب.
2- إن ترامب وضع معادلة في التعامل مع النظام السعودي أيام حملته الانتخابية وهي معادلة " البقرة الحلوب" حينما قال، " السعودية بقرة حلوب متى ما جفَّ ضرعها نذبحها" والاستفادة من لحمها ما يؤشر إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة وضعت في حساباتها التخلص من النظام السعودي الحالي، ولكن بعد شفط أمواله، وما يرجح ذلك بنظر بعض المراقبين هو توريط النظام السعودي في حرب اليمن، ومن ثم رفض أمريكا إيقاف هذه الحرب، رغم هزائم النظام السعودي بعد ما تحولت إلى حرب استنزاف له ولسمعته ولجيشه، وباتت تهدد الجغرافيا السعودية نتيجة توغل أنصارالله والجيش اليمني والجان الشعبية في عمق المملكة السعودية، فالإصرار الأمريكي يعني الإصرار على إضعاف النظام السعودي وتعريض عرشه للاهتزازات وللتحديات الداخلية على وجه الخصوص. فمن غير المستعبد أن الولايات المتحدة وضعت النظام السعودي تحت مطرقة الاستنزاف العسكري والمالي حتى تحين الفرصة المناسبة للانقضاض على هذا النظام وتجزئة المملكة إلى عدة ممالك موزعة بين الأمراء، سيما وان تجزئة السعودية موضوعة على طاولة المشرحة الأمريكية للمنطقة، وأكثر من ذلك، أن هناك أصوات كثيرة في الولايات المتحدة من الجمهوريين والديمقراطيين تطالب ترامب بصياغة العلاقات مع النظام السعودي على أسس جديدة، لأنه بات المصدر الأساسي للإرهاب العابر للقارات، من الناحية الآيديولوجية، ومن ناحية التمويل، فبعض المؤسسات الأمريكية تنشر بين الحين والآخر، إحصاءات عن المدارس الوهابية التي ينشأها النظام السعودي ويرعاها في العالم، وعن المشاريع الثقافية والاجتماعية التي يقيمها النظام ويربي من خلالها أجيالا من الإرهابيين التكفيريين الوهابيين الذين باتوا اليوم يهددون العالم و أمريكا نفسها، رغم أن هذه الأخيرة مازالت تستثمر في هذه القطعان التكفيرية، ورغم أنها دمرت عدد من البلدان العربية التي يمكن أن تشكل خطراً على الكيان الصهيوني مثل العراق وسوريا، واليمن، وغيرها..وبخصوص موضوع الاستثمار الأمريكي في هذه القطعان، يرى البعض من المخططين الأمريكيين، أن هذه القطعان قدمت كل ما تستطيع تقديمه لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني، من تدمير وتخريب ونشر الفوضى في بعض الدول العربية والمنطقة وحان الوقت للتخلص منها، لأنها باتت تشكل خطراً على داعميها ورعاتها الأمريكيين والغربيين، أو أن تقوم أمريكا بإيجاد صيغة أخرى لزج هذه الجيوش الإرهابية في مشروع أمريكي جديد في المنطقة يستهدف الأمة ومقاومتها وعقيدتها، لكن هؤلاء الأمريكيين يطالبون اليوم الإدارة الأمريكية بوضع حد لنظام آل سعود باعتبار أن وجوده وبقائه سيظل مصدر تفريخ لهذه القطعان الإرهابية التكفيرية.
ثانياً : الاحتمال الثاني لتبرم الرئيس الأمريكي من النظام السعودي، وتعبيره عن عدم الارتياح منه، هو محاولة الضغط على هذا النظام، لأنه ما يزال يتردد في الإعلان رسمياً عن التحالف مع الكيان الصهيوني، الذي يؤكد رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو ليل نهار أن هذا التحالف قائم وجارٍ فعلاً على الأرض، على أن الصهاينة يريدون نقل هذا التحالف إلى مرحلة أخرى، مرحلة التحشيد والإعداد. الجيوش بقيادة الصهاينة والأمريكان، يتم خندقة هذه الجيوش، ضد المحور الاخر في المنطقة، لأن هذا المحور نجح في تجاوز المرحلة الصعبة للهجمة العدوانية التي فرضها الأمريكان والصهاينة على المنطقة عامة وعلى هذا المحور خاصة عبر القطعان التكفيرية وعبر العدوان المباشر، كما يحصل الآن في اليمن، حيث يقود النظام السعودي تحالفاً عربياً منذ أكثر من سنتين يواصل التدمير والقتل في هذا البلد الفقير ظلماً وعدواناً.
إذن الرئيس الأمريكي يريد من النظام السعودي وقبيل جولته للمنطقة في النصف الثاني من مايو القادم، التسلح بالجرأة وعدم التردد في الإعلان عن التحالف مع الكيان الصهيوني، وعدم الاكتفاء بتأكيد هذا التحالف ولكن من وراء الكواليس، لأن ترامب وكما يؤكد المحللون والمراقبون الأمريكيون والغربيون، يريد إطلاق مشروع ما يسمى بتحالف " الناتو العربي " أي تشكيل كما يؤكد الصهاينة باستمرار حلف من العدو الصهيوني والسعودية ومصر والأردن وباقي بعض مشيخات الخليج، بالإضافة إلى أطراف أخرى يمكن أن تنضم لاحقاً مثل باكستان وتركيا والمغرب وغيرها...ويريد ترامب من السعودية والإمارات وقطر تمويل هذا المشروع (الحلف)، سيما تمويل القوة العسكرية لتتسلح بأحدث الأسلحة الأمريكية، تلك القوة التي حدد الصهاينة مهمتها بشن الحروب على إيران وعلى باقي المجموعات والدول المنضوية في حلفها .وما يرجح هذا الاحتمال هو:
1- إن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيز في زيارته الأخيرة للكيان الصهيوني أشار بوضوح إلى التوجه الأمريكي بتشكيل هذا الحلف بالقول" إن تحالفنا مع إسرائيل هو حجر الزاوية في هيكلية أمنية إقليمية واسعة جداً، تضم التعاون مع مصر والأردن والسعودية وشركائنا في دول الخليج" محدداً مايتس هدف الحلف بردع وهزيمة التهديدات، وبإخافة أعداء أمريكا والصهاينة، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة الأمريكية الصهيونية مع هذه الدول.
2- تطويق الرئيس الأمريكي للخلاف السعودي-المصري، وطلبه من الجانب السعودي ضخ النفط لمصر.
3- تحرك الجبهة الجنوبية ضد سوريا، حيث تشهد هذه الجبهة نشاطاً أردنيا وصهيونيا وسعودياً لافتاً ضد الجيش السوري وحلفائه.
4- تصاعد النبرة العدوانية من جانب الأردن وتركيا ضد إيران وبقية مكونات محورها .
5- الدعم المتصاعد من جانب أمريكا والكيان الصهيوني للعدوان السعودي على الشعب اليمني، سيما في الأسابيع الأخيرة.
ولو صح هذا الاحتمال، فأنه يؤشر بوضوح إلى أن الولايات المتحدة تجر السعودية إلى محرقة حقيقة لا تبقي ولا تذر والى مهلكة لا يمكن للنظام السعودي الخروج منها سالماً.
وبغض النظر عن صحة أحد الاحتمالين أو كليهما، فأن تصريحات ترامب الآنفة كشفت العلاقات الأمريكية السعودية على حقيقتها، وهي علاقة قائمة على معادلة (البقرة الحلوب) وليس على معادلات الندية والتحالف والصداقة كما يروج الإعلام السعودي وكما يزعم المسؤولون السعوديون، فالرجل ترامب يختلف عن بقية الرؤساء السابقين بصراحته وبعدم مراعاته للاساليب الدبلوماسية، إنما يتحدث بصراحة كاشفاً حقيقة هذه العلاقة القائمة على أساس السيد الأمريكي والعبد السعودي الذي ينفذ كل ما يطلبه منه سيده.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق