ماذا وراء تقليص القوات الأمريكية.. هل تطبيع الرياض وتل أبيب مسألة وقت
التغيير
ماذا وراء تقليص أمريكا لوجودها العسكري في المملكة ؟ يتداول مراقبو شأن المملكة هذا السؤال بعد إعلان سحب الولايات المتحدة حاملة طائرات وأنظمة مراقبة وما لا يقل عن 3 بطاريات "باتريوت" مضادة للصواريخ من منطقة الخليج، كجزء من استراتيجية شاملة لنقل القدرة العسكرية الأمريكية إلى مكان آخر لمواجهة الصين.
مغزى السؤال يعود إلى تأثير هكذا قرار على الوضع الدفاعي للمملكة تحديدا ومستقبل شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي أرسلت في سبتمبر/أيلول الماضي، بطارية صواريخ باتريوت إضافية و4 أنظمة رادار و200 عسكري إلى المملكة ، بعد هجوم على منشآت لشركة النفط العملاقة "أرامكو".
فتقليص القوات الأمريكية بالمملكة لا يبدو مؤثرا على مجمل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، إذ توجد في دول الخليج 5 قواعد عسكرية أمريكية، بالإضافة إلى انتشار 54 ألف جندي أمريكي في 12 قاعدة عسكرية بالشرق الأوسط، أي أن الوجود الأمريكي لا يزال قويا في المنطقة.
التأثير البارز لهكذا تطور يصب باتجاه المملكة ، التي تعد المتضرر الأول من تصاعد التوتر في منطقة الخليج ومهاجمة أنصار الله لمنشآت نفطية وإمدادات الطاقة التابعة لشركتها النفطية، وهو تأثير لا يعود إلى إدارة الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن"، بل تم اتخاذه في نهاية عهد سلفه "دونالد ترامب"، إثر خلاف بين واشنطن والرياض بشأن إغراق سوق النفط، ما أدى إلى هبوط حاد في الأسعار، ألحق الضرر بشركات النفط الصخري الأمريكية.
ووصلت تلك الأزمة إلى مدى لم يكن متوقعاً، حيث وصلت أسعار برميل الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر في العقود الآجلة والتي كانت تعني أن المنتجين مضطرين إلى أن يدفعوا للمستهلكين ليتخلصوا من النفط المخزن لديهم.
ونقلت وكالة "رويترز" آنذاك عن مصادرها أن "ترامب" هدد "محمد بن سلمان" بقطع الدعم العسكري الأمريكي عن المملكة إذا لم تتوقف عن سياسة الإغراق.
وبينما فسر بعض المعلقين تنفيذ "بايدن" لما أقره سلفه على أنه خطوة روتينية تعكس خفضا طبيعيا للقوات في المملكة بعد المزيد من القوات التي أرسلها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى المملكة في أعقاب هجوم الطائرات بدون طيار على منشآت أرامكو، يرى آخرون أن الخطوة مؤشر على تراجع إدارة "بايدن" عن نهج "ترامب" تجاه إيران.
ويعزز من هذا الترجيح الأخبار الأخيرة بشأن تمثيل الولايات المتحدة في مناقشة تجري بفيينا في 6 أبريل/نيسان الجاري، حول خطوات لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني جنبا إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا.
ويتزامن ذلك مع عودة المناوشات الأمريكية الإيرانية في مياه الخليج إلى السطح، من خلال سلسلة من المناورات والاستفزازات المتبادلة، عادت تداعيات التصعيد الذي شهدته منطقة الخليج العام الماضي إلى واجهة التأثير العسكري للمملكة.
ولذا فإن تقليص القدرات العسكرية الأمريكية في المملكة ، والمنطقة بشكل عام، يثير قلق قيادة المملكة التي طالما رحبت بمبيعات أسلحة "ترامب" وعدوانيته تجاه إيران، خاصة في ضوء تعرضها لهجمات معززة بطائرات بدون طيار وصواريخ من أنصار الله في اليمن.
وإزاء ذلك، فمن المرجح أن تنهي المملكة هجومها العسكري في اليمن، وهي أكثر الوسائل فعالية للحد من قوة هجمات أنصار الله، حسبما نقل "ريسبونسيبل ستيتكرافت" عن المحلل السياسي "أنيل شيلاين".
وبينما يحاول "بايدن" إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، سيتعين على المملكة أن تتخذ قراراتها بناء على استعدادها لتحمل التكاليف، بدلا من الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بذلك
بل إن "شيلاين" يؤكد أنه "إذا اتخذ أي رئيس أمريكي سابق قرار تقليص القوات في وقت مبكر، فربما لم تكن المملكة لتتخذ قرار شن الحرب غير المدروسة على اليمن، تجنبا لهجمات أنصار الله ".
ماذا يفعل حاكم المملكة الفعلي، الأمير "محمد بن سلمان" إذن؟ هل يمكنه الاتجاه إلى مصادر تسليح روسية أو صينية أو شراكة دفاعية مع بكين وموسكو؟ تبدو بعض المعطيات محفزة بهذا الاتجاه، خاصة أن تطوير صناعة الدفاع المحلية أحد ركائز خطته الاستراتيجية المتعثرة (رؤية 2030) المصممة لتنويع الاقتصاد المحلي.
ويمكن قراءة موافقة الصين على بناء منشأة في المملكة لإنتاج الطائرات بدون طيار، في هذا الإطار، خاصة أن هذا مكان المنشأة (عمق الصحراء) هو أول موقع تصنيع عسكري خارجي للصين.
لكن المحلل السياسي "مفيد مصطفى" يستبعد لجوء الرياض إلى أي تحالف عسكري مع موسكو خاصة بعدما أصبحت "مكشوفة بعد سحب بطاريات الباتريوت الأمريكية، وأكثر عرضة لخطر الصواريخ الباليستية الإيرانية، مشيرا إلى أن أي انتقال للتسيلح المملكة إلى التكنولوجيا الروسية يعني "جلب الغضب الأمريكي" على الرياض.
وفي الإطار ذاته، يرى "أنطوني كوردسمان"، المحلل العسكري المتخصص في شؤون الخليج، أن خطة المملكة لبناء صناعة دفاعية ليست أفضل طريقة لتنويع اقتصاد المملكة، حتى لو كانت ستخلق بعض الوظائف وتعزز قطاع التكنولوجيا، وبالتالي فإن آمال "بن سلمان" على أي تغيير في خارطة شراكات المملكة الدفاعة ليست واقعية، وفقا لما أورده "إنسايد أرابيا".
وبإضافة استمرار تأرجح الخلافات بين الرياض وموسكو حول إدارة سوق النفط، يمكن قراءة صعوبة إجراء الرياض لتحول استراتيجي في مجال الدفاع، وإزاء ذلك، فإن محللين، بينهم الدبلوماسي الأمريكي السابق "آرون ديفيد ميلر"، يرجحون اتجاه الرياض لتعزيز لعلاقاتها بتل أبيب، باعتباره الخيار الذي يضمن لها فرصة للحماية العسكرية والتعاون الاستخباراتي، ولا ينطوي -في الوقت ذاته- على خدش الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، ذكر "ميلر"، في عمود نشره بصحيفة "بوليتيكو الأمريكية" بتاريخ 22 فبراير/شباط الماضي، أن عواقب فوز "بايدن" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية "لا يمكن أن تكون أكثر إثارة للقلق مما هو عليه الحال في تل أبيب والرياض"، خاصة في ظل مخاوف إسرائيل من عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
إسرائيل بحاجة ماسة لتحالف ضد إيران يتجاوز "بايدن"، على أن تكون المملكة مفتاحا لهذا التحالف، وهو ما نوهت إليه قناة "آي24 نيوز" الإسرائيلية، بحديث عن إجراء دولة الاحتلال محادثات غير رسمية مع المملكة والبحرين والإمارات، لإنشاء تحالف دفاعي من 4 دول.
وتصب تصريحات وزير الخارجية، الأمير "فيصل بن فرحان" مؤخرا حول "الفوائد الهائلة" للتطبيع مع إسرائيل في هذا الاتجاه، ولذا فإن عديد المراقبين يرون أن التطبيع الرسمي بين الرياض وتل أبيب ليس سوى مسألة وقت.
ارسال التعليق