مراقبون حركة مواطنون بلا قيود بداية للتغيير في السعودية
لم يكن مؤتمر المعارضة السعودية في دبلن الحراك الأول الذي خرجت فيه الأصوات السعودية المعارضة إلى العلن بهذا الحجم الكثيف.
ويرى مراقبون أن هذا المؤتمر بداية لتحرك كرة الثلج من أجل تغيير الأوضاع في المملكة التي تحكم بالحديد والنار، من خلال حملات واسعة لاعتقال المعارضين وقمع الحريات والتضييق على المواطنين.
حملة الاعتقالات الأخيرة كانت القشة التي قَصَمت ظهر البعير، ويشير مراقبون إلى أن هذه الحملة لن تتوقف في القريب العاجل، بل من المتوقع أن يتضاعف العدد خلال المرحلة المقبلة بالتزامن مع بعض القرارات التي اتخذها ولا يزال النظام، والتي من شأنها أن تثير حفيظة البعض، سواء كان متعلقًا بالتوجهات الخارجية، أو بالإصلاحات الداخلية كمساعيه نحو تقليل النفوذ الديني والولوج إلى مرحلة علمنة المملكة، بما يتماشى مع توجهات شقيقه الأكبر وداعمه الأول ولي عهد ابو ظبي، وكلاهما يتحرك في إطار تقديم أوراق الاعتماد لدى البيت الأبيض.
ويؤكد الباحث في شؤون الشرق الأوسط لدى منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوجل، أن هذه الحملة الشعواء من الاعتقالات والتوقيفات تعكس بشكل كبير طريقة تعامل السعودية مع المعارضة السياسية أو الدينية، موضحًا أن لدى المملكة سجلًا مروعًا فيما يتعلق بحرية التعبير، ويمكن القول إن الأمور تزداد سوءًا، على حد قوله. وربما ذلك ما جعل مطالب المعارضة السعودية تتمحور في توزيع الثروات، وإطلاق الحريات وتوفير فرص العمل والخدمات الصحية، ومعالجة الفقراء، وإبعاد آل سعود عن الشعب، وتعزيز الحياة الكريمة للمواطن السعودي.
مؤتمر المعارضة خرج بتدشين حركة “مواطنون بلا قيود”، وهي حركة سلمية لا تؤمن بالعنف وتنتهج الخيار السلمي، مستهلة عملها بتدشين حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل كسب الدعم والتأييد المجتمعي والحقوقي لوقف الاعتقالات وملاحقة الدعاة والشخصيات العامة، كما أنها تهدف للوصول إلى سقف معقول من حرية التعبير والتفكير للمواطن السعودي، وإطلاق سراح المعتقلين.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الرياض شق الصف الخليجي، وتأليب المواطنين على حكوماتهم في دول الخليج، من خلال تنظيم مؤتمرات تدعي أنها للمعارضة في تلك البلدان، جاء مؤتمر دبلن كرد فعل على سلوك السلطات السعودية، ولكن بصورة حقيقية وواقعية، حيث ظهرت المعارضة السعودية بالقوة وكبر الحجم والتنظيم، وهو ما أزعج الرياض وضربها في مقتل. حكام الرياض حاليا يعتقدون بأن الزمن ظل على حاله منذ عقود، لكن متغيرات الواقع وحقائق الأحداث لم تكن في صالح هذه المنظومة الجامدة، فتاريخ السعودية طويل في محاولات تغيير الأمراء الخليجيين غير المرضي عنهم بالنسبة إلى الرياض، وتغييرهم بأمراء ضعفاء وهامشيين وموالين لها.
ويرى متابعون للشأن الخليجي أن المستجدات الأخيرة التي فرضت نفسها على الساحة الداخلية السعودية والتي أسهمت بشكل كبير في إعادة رسم الخارطة السياسية للبلاد بما يتماشى مع طموحات ولي العهد الشاب، كانت الدافع الرئيسي نحو توحد المعارضين تحت لواء واحد، في أعقاب زيادة رقعة الاضطهاد والتنكيل بكل من يفكر أن يخرج عن عباءة التأييد والولاء المطلق للنظام وقراراته.
لكن المؤشرات تدل بأن هناك أسبابا موضوعية لانطلاق مؤتمرات المعارضة بشكل قوي، فهناك جملة من الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي منيت بها المملكة، سواء كان خارجيًا في الملفين اليمني والسوري، علاوة على تراجع نفوذها الإقليمي لقوى أخرى على رأسها إيران، أو داخليًا من خلال حملة الاعتقالات والانتهاكات الحقوقية ضد كل من يقف أمام طموح ابن سلمان وحلمه في خلافة والده على كرسي العرش.
ويذهب فريق آخر إلى أن الإمارات العربية المتحدة متهمة بالضلوع وراء هذه التحركات بالتمويل والدعم، وذلك في محاولة منها لتقسيم المملكة وإشغالها عن قضاياها الإقليمية، مما يمهد الطريق أمام أبناء زايد نحو التفرد بقيادة المنطقة، خاصة أنهم يعون جيدًا أن ذلك لن يحدث إلا بانكفاء السعودية ومصر على أزماتهما الداخلية.
وأيا كانت الدوافع الحقيقية وراء تدشين هذا المؤتمر، فمن المرجح أن يكون علامة فارقة ونقطة بارزة في مسيرة المعارضة في المملكة، التي يتوقف مدى نجاحها في إحداث التأثير المزمع على ما يمكن أن تتبناه من إستراتيجيات إعلامية وحقوقية وسياسية قادرة على توصيل الرسالة لأكبر قطاع ممكن من الشعب السعودي من جانب والمجتمع الدولي من جانب آخر، وربما تحمل هذه الخطوة حال توظيفها بشكل جيد ناقوس خطر يهدد استقرار النظام السعودي.
وتقول المعارضة السعودية مضاوي الرشيد في مقال لها في موقع “ميدل إيست آي”: “إن النظام بات في حاجة ملحة إلى تحسين صورته بعد شهر من تواجده في بؤرة الأخبار السيئة والدعاية الشائنة”.
وتضيف: ” المملكة هددت بقطع علاقاتها الدبلوماسية وروابطها التجارية بالدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ردًا على اقتراح تفوه به أعضاء في المجلس بإرسال بعثة تقصي أممية إلى اليمن، حيث ترتكب جرائم حرب بسبب الغارات الجوية التي تنفذها هناك المملكة العربية السعودية”. وتمضي في مقالها: “وقد جرى منذ التاسع من سبتمبر اعتقال ما يزيد عن ثلاثين ناشطًا وعالًما دينيًا ورجل أعمال في السعودية. وهذا الأسبوع سلط تقرير صادر عن منظمة “هيومان رايتس ووتش” الضوء على التمييز الممنهج الذي يمارس ضد الأقليات الدينية وعلى نشر خطاب الكراهية وإصدار الفتاوى ضدهم”.
ارسال التعليق