معتقلو حملة أبريل .. نشطاء كمّم أفواههم ابن سلمان
جمعهم الحرف والقلم، وعرفوا بكتاباتهم وأبحاثهم وفكرهم، شباب في مقتبل العمر اعتقلتهم السلطات السعودية دون تهم حقيقية، ليُغيّبوا منذ شهور دون كشف مصيرهم، بعد أن عُرفوا بمواكبتهم لقضايا بلادهم. السعودية، منذ استلام ولي العهد محمد بن سلمان للحكم، في العام 2017، كما شنّت العديد من حملات الاعتقال التي هدفت، وفق ما قالت السلطات، إلى “محاربة الفساد”، إلا أنها شملت كتّاباً ونشطاء ودعاة ومشايخ، وهدّدت الكثير غيرهم.
أين معتقلو حملة أبريل؟
الحملة الأخيرة التي نُفّذت بحق السعوديين، كانت في شهر أبريل 2019، واعتُقل فيها 16 أكاديمياً وكاتباً وناشطاً، دون سبب قانوني. وخلال البحث في سيرة هؤلاء الشباب تجد منهم المصوّر، والكاتب، والباحث، والمحامي، والطبيب، والأكاديمي، وجميعهم يحتكّون مع عدد لا بأس به من شرائح المجتمع، وخلال اعتقالهم يمنع هؤلاء من التواصل أو التأثير في أحد. ومنهم من هو ابن لناشطة أو زوج لأخرى، ويُعتقل خوفاً من دفاعه عن قريب له في السجن أو مُطالبته بحقوق الإنسان. وتزامناً مع مرور 4 أشهر على مكوث معتقلي “حملة أبريل” في السجن، وفي ظل استمرار السلطات بالتكتم على مجريات اعتقالهم، دعا حساب “معتقلي الرأي” المهتم باعتقالات السعودية، الاثنين (5 أغسطس الجاري)، عبر موقع “تويتر”، إلى التغريد على وسم “أين معتقلو حملة أبريل”؛ من أجل الضغط على السلطات لكشف مصيرهم، والإفراج الفوري عنهم من دون قيد أو شرط مسبق. وشملت اعتقالات حملة أبريل كلاً من الكاتب فهد أبو الخيل، والكاتب ثمر المرزوقي، وزوجته الكاتبة خديجة الحربي (اعتقلت وهي حامل في الشهور الأخيرة)، والكاتب علي الصفار والكاتب والمصور الفوتوغرافي رضا البوري (كانوا رهن منع السفر التعسفي قبل اعتقالهما)، والكاتب والباحث محمد الصادق، والكاتب الصحفي عبد الله الدحيلان، والكاتب الروائي مقبل الصقار. وأغلب من اعتُقل كان على خلفية مناهضته للمُحاكمات التي تجري لمعتقلات سعوديات في سجون المملكة.
واعتقل الصحفي يزيد الفيفي بعد حديثه عن الفقر والفساد في محافظة فيفاء جنوب غربي السعودية. وشملت الاعتقالات أنس المزروع، الأكاديمي المحاضر في كلية القانون بجامعة الملك سعود، والذي قال في ندوة حقوقية مغلقة، من مداخلته التي ألقاها يوم 18 مارس 2019: “الشعب ولي الأمر وليس الحاكم، وأين النشطاء والناشطات الذين نشروا ثقافة حقوق الإنسان في بلادنا؟”. كما أشاد بإنجازات معتقلي الرأي، خلال مشاركته في معرض الكتاب بالرياض، لتكون هذه الكلمات القليلة كافية لفقدانه حريته. وعقب اعتقاله وصف ناشطون المزروع بأنه “بطل معرض الكتاب”، وأثنوا على شجاعته. بالإضافة إلى الأكاديمي بدر الإبراهيمي، والطبيبة شيخة العرف (ليس لها أي نشاط حقوقي)، وزوجها المحامي عبد الله الشهري (الذي لم يعرف سبب اعتقاله). كما اعتقل الناشط أيمن الدريس، الذي ينادي بحقوق المرأة، وهو مترجم وناشط ثقافي، وأيضاً زوج الناشطة النسوية ملك الشهري، وصلاح الحيدر نجل الناشطة عزيزة اليوسف، ويحمل الجنسية الأمريكية، وهو حامل للفكر القومي العربي وينادي به في الكثير من كتاباته، والناشط نايف الهنداس، وهو من أشهر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وله تصريحات وإنجازات سعى من خلالها لأن يكون المجتمع السعودي أكثر إنتاجاً. وكانت حملة أبريل الأولى، ضمن حملات استهدفت المنتقدين لولي العهد، منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي، مطلع أكتوبر 2018، وفق ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في أبريل الماضي. وبحسب “واشنطن بوست”، لا يُعد الأشخاص المُعتقلون، الذين بدأت حملة اعتقالهم يوم 4 أبريل 2019، ناشطين بارزين؛ فهم كُتاب وحقوقيون كانوا يدعون إلى مزيد من الإصلاحات الاجتماعية، ولهم صِلة بمجموعة الناشطين في مجال حقوق المرأة المعتقلين حالياً. وعقب هذه الحملة منعت السلطات السعودية العشرات من الناشطين من السفر تمهيداً لاعتقالهم، في حين أشار مُعارضون إلى أن بعض الناشطين المطلوبين استطاعوا الفرار خارج البلاد بعد علمهم ببدء الاعتقالات.
استمرار مسلسل الاعتقال
وهذه الحملة الأخيرة كانت استمراراً لمسلسل الاعتقالات الذي بدأته السلطات السعودية، في العام 2017. ففي حملة “ريتز كارلتون” الجماعية الشهيرة، التي أطلقها ولي العهد السعودي، في شهر نوفمبر 2017، ووضعتها السلطات في إطار ما قالت إنها “حملة ضد الفساد”، اعتُقل نحو 200 شخص بارز، وتعرّضوا للتعذيب. وسبقت هذه الحملة حملة اعتقالات أخرى، كانت في سبتمبر 2017، وشملت عدداً من العلماء والكُتاب والدعاة، أبرزهم ضمن “تيار الإصلاح” في المملكة، وبينهم المفكّر والداعية سلمان العودة، الذي اتهم بعدة تهم ينفيها؛ أبرزها “الإخلال بالنظام العام، والتحريض ضد الحاكم”. وخضع العديد من المعتقلين لمُحاكمات في ظروف غير قانونية، وطالبت مؤسسات حقوق الإنسان الدولية بالإفراج الفوري عن المعتقلين السعوديين، في ظل تجاهل من السلطات السعودية. كثير من هؤلاء المعتقلين كشف حساب “معتقلي الرأي” عن تعرّضهم لتعذيب كبير ومسيء لهم، وإهمال طبي مُتعمّد، عدا منعهم من التواصل مع عائلاتهم. مُطالبات حثيثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالإفراج عن المعتقلين تلاقي صدى واسعاً من المنظمات الحقوقية، إلا أنها تبقى كلمات لا يمكن تطبيقها في ظل تواصل تشديد القبضة الأمنية في السعودية، وعدم خضوعها للقوانين في تعاملها مع المعارضين.
ولم يتوقف قمع السلطات السعودية لمعارضيها بالاعتقال؛ ففي أحد الحوادث التي لاقت صدى كبيراً في العالم، قتل الكاتب المُعارض خاشقجي في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية، على يد فريق اغتيال سعودي مقرّب من ولي العهد. وبيّنت بعدها الاستخبارات التركية والأمريكية تورّط ابن سلمان بهذه الجريمة. وممارسات السعودية بحق معارضيها باتت تثير مخاوف الكثير من المعارضين داخل وخارج البلاد، وباتوا على غير مأمن من أوضاعهم. كما وصل الأمر إلى مخاوف أخرى من قدوم معارضين من دول أخرى إلى السعودية، لأداء فرضية الحج أو العمرة، فهم باتوا مُهدّدين بالاعتقال التعسّفي من قبل السلطات هناك.
ارسال التعليق