نتنياهو .. طوق النجاة للسعودية من اعصار خاشقجي
بقلم: ممدوح عبدالعظيم:
خرجت إسرائيل عن صمتها بعد شهر من فضيحة تصفية السعودية للصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ليدافع رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عن المملكة.
ففي مؤتمر صحفي في بلغاريا قال نتنياهو إن اغتيال خاشقجي "فظيع" إلا أن "استقرار السعودية مهم جدًا للمنطقة والعالم" ، مؤكداً أن الخطر الحقيقي في المنطقة هي إيران وليس السعودية. "يجب التعامل مع الحادثة بصورة جيدة، وفي نفس الوقت مهم جدًا -من أجل الاستقرار في المنطقة والعالم- أن نحافظ على استقرار السعودية، لا بد من إيجاد حل يحقق هذين الهدفين" .
وتأتي هذه التصريحات من جانب نتنياهو بعد تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أمس الأول عن توسط نتنياهو لتهدئة غضب واشنطن على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد قتل خاشقجي.
وقد أكدّ مسؤولون إسرائيليون كبار أن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دافع عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حديث مع مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية قبل أيام، على خلفية قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقال نتنياهو للجانب الأمريكي، حسب التقرير، إن ولي العهد "شريك استراتيجي هام في المنطقة" وذلك على خلفية الغضب الأمريكي من جريمة القتل الشنيعة التي ارتكبها السعوديون للتخلص من خاشقجي.
وأفاد التقرير بأن نتنياهو لم يكن الزعيم الوحيد الذي تحدث مع الأمريكيين بعد قضية خاشقجي وأبدى رأيه بولي العهد، فقد أعرب زعماء آخرون في المنطقة عن رأيهم بمحمد بن سلمان، أبرزهم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي أكد كذلك، وفق التقرير، أن ابن سلمان شريك استراتيجي هام في المنطقة.
ووصف مسؤول إسرائيلي كبير تحدث مع الصحافة الإسرائيلية في أعقاب التقرير الأمريكي السعودية بأنها "دولة مهمة جدًا في المنطقة. لإسرائيل ودول أخرى مصلحة كبيرة بأن يستمر الاستقرار هناك. هذه مصلحة الأمريكيين أيضا" .
وأضاف "لا أحد ينكر أن ما حدث (اغتيال خاشقجي) مقلق جدًا. للأسف هذا يحدث في دول أخرى. لدينا مصالح شديدة الأهمية مع السعودية، تخيلوا لو تضعضعت المملكة، هذا سيؤثر على المنطقة كلها".
طوق النجاة
يبدو أن إسرائيل أصبحت "طوق النجاة" للسعودية التي لطخت سمعتها الدولية التصفية الوحشية لأحد معارضيها وأحد أشهر الصحفيين العرب .. ولذلك كانت المفاجأة أن يتهلل وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد فرحاً، ويخرج عن حدود اللياقة والأعراف الدبلوماسية ليمتدح في تغريدة عبر حسابه الرسمي على " تويتر" بنيامين نتنياهو .. ليقول : "رغم الخلاف القائم، إلا أن لدى السيد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل موقفًا واضحًا لأهمية استقرار المنطقة، ودور المملكة العربية السعودية في تثبيت ذلك الاستقرار" .
وصف وزير الخارجية البحريني الصراع العربي الإسرائيلي بأنه مجرد "خلاف" يتوج بشكل علني "حمى" التطبيع البحريني الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، فها هي إسرائيل التي يعاير الرأي العام العربي البحرين على هرولتها للتطبيع معها، تدافع عن السعودية وتحاول التوسط لها في واشنطن، لغسل يدها من دماء خاشقجي.
عاشق إسرائيل
وزير خارجية البحرين لا يخفي مشاعره في عشق إسرائيل فبعد إعلان إسرائيل عن شن هجومٍ بالصواريخ على أهداف في سوريا، سارع وزير خارجية البحرين بإعلان تأييده للهجوم باعتباره حقاً مشروعاً.
وكتب في موقعه الرسمي على تويتر "طالما أن إيران أخلّت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة، ومنها إسرائيل، أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر" .
في ذلك الوقت لم يأخذ البعض تغريدة الوزير بجدية، مكتفين بإضافتها إلى سلسلة من "التخبيصات" التي اشتهر بها.
فهو نشر بعد لقائه بالرئيس المصري محمد مرسي في 7 سبتمبر 2012 تغريدة يقول فيها "لن أقلق على مصر وعلى سدتها رجلٌ صادقٌ أمين". وبعد انقلاب السيسي انقلب الوزير البحريني فنشر تغريدة سخر فيها من محمد مرسي مستشهداً بأغنية " السح الدح إمبو".
حلف مع إسرائيل
والوزير خالد بن أحمد آل خليفة هو نفسه الذي صرّح عشية جلسة تعقد في الأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار برفض موقف ترامب بشأن القدس بأنه "ليس من المفيد افتعال معركة مع الولايات المتحدة حول قضايا جانبية"!
وزير خارجية البحرين نفسه دعا من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في 90 سبتمبر 2008 إلى إقامة حلف شرق أوسطي جديد يضم إسرائيل .. ولذلك لم يكن غريباً بعد ذلك توالي المبادرات التطبيعية التي تطلقها البحرين ومنها زيارة وفد يضم 24 شخصاً من جمعية "هذه هي البحرين" القدس المحتلة في 9 ديسمبر العام الماضي، التقوا خلالها العديد من رجال السياسة والحاخامات .
ولكن لماذا تسعى إسرائيل لإنقاذ ولي السعودي من وحل اغتيال خاشقجي الذي لطخ سمعة المملكة وكشفت عن خطورة التحفيص السياسي الذي تبدو عليه السياسة السعودية منذ تولي محمد بن سلمان دفة إدارة الحكم فعلياً بالمملكة ؟
فنون الاغتيالات
قبل أيام كتب رونين برغمان كبير محللي الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يقول: هناك تعاون بين الاستخبارات الإسرائيلية والسعودية في عدد من المجالات المشتركة، وبعد الكشف عن تورط السعودية في تصفية الصحفي جمال خاشقجي يتضح أن المملكة لم تتعلم من الموساد الإسرائيلي شيئًا واحدًا وهو "كيف يمكن تنفيذ الاغتيالات ببراعة "؟!
وأضاف " اغتيال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بهذه الكيفية تعني أن الاستخبارات السعودية ليس لديها أي خبرة" .
وقبل أيام أيضًا قام عدد من المحللين والإسرائيليين اليساريين بمعارضة نتنياهو بسبب علاقاته السرية مع محمد بن سلمان.
وأكدوا أن عملية اغتيال خاشقجي وتقطيعه داخل قنصلية بلاده، وإنكار المملكة ضلوعها في اختفاء خاشقجي على مدار 18 يوماً، قبل عودتها للاعتراف الناقص بمقتل خاشقجي داخل القنصلية عبر رواية ساذجة حول وفاته خلال شجار .. يشكل إثباتًا إضافيًا لطيش وتهور ولي العهد السعودي . على الجانب الآخر داخل إسرائيل هناك من يرى أن قليلاً من الدعم السياسي الإسرائيلي للسعودية في ورطتها الحالية ربما يقلل من الضغوط الرسمية في بعض العواصم الغربية .. وكما تقول شيمريت مئير الخبيرة الإسرائيلية في شؤون الشرق الأوسط، عبر مقال تحليلي نشرت في صحيفة "يديعوت أحرونوت" : ولي العهد محمد بن سلمان يحاول في الراهن إعادة الأمور إلى مجراها ويبث للعالم أن القضية مجرد أزمة وليست قضية كونية، بدءًا من مصافحة ابن سلمان لنجل خاشقجي وتعزيته، مرورًا بمشاركته في المؤتمر الاقتصادي في الرياض وظهوره منفرجًا هناك.
وتضيف: إن ابن سلمان توعد بأنه لن ينسى من وقف إلى جانب المملكة أثناء الأزمة ومن تخلى عنها، وعلى الأغلب إسرائيل ستكون في الشق الجيد من هذه المعادلة.
نهاية MBS
إن إسرائيل تدرك أن المكانة الدولية للمملكة وسمعتها، لن تعود إلى ما قبل أزمة اغتيال خاشقجي .. وتطلق رسائل مزدوجة عبر التصريحات الداعمة للسعودية .. فهى تستنكر بالطبع الجريمة البشعة إلا أنها تذكر الغرب بأهمية السعودية، وترفع للغرب فزاعة إيران، كما لو أن السعودية تمثل ردعاً بشكل ما لإيران وتمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.!
إلا أن إسرائيل تدرك أيضا أن قطار التطبيع مع الدول العربية سيتعثر كثيرًا لو تم الإطاحة بولي العهد السعودي أو ما يطلقون عليه MBS ..وهو القطار الذي انطلق مع المملكة بقوة هائلة قبل عامين .. وذلك بعد مقال نشره سلمان الأنصاري، رئيس اللوبي السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية (SAPRAC) منتصف أكتوبر 2016، والذي دعا فيه للتعاون الوطيد بين السعودية وإسرائيل.
وكتب الأنصاري في الموقع الأمريكي "The Hill" : " ليس هناك عداء بين السعودية وإسرائيل، ويُمكن أن تساهم إسرائيل في دفع الثورة الاقتصادية قُدُمًا".
وقال : رغم أن الكثيرين يعتقدون أن أساس التعاون بين هاتين "القوتين العظميين في الشرق الأوسط"، يجب أن يستند على المصالح العسكرية وكون إيران عدوًا مشتركًا، إلا أنه يُفترض أن يتوسع التعاون بين الدولتين متضمنًا المصالح الاقتصادية المُشتركة" .
ومنذ ذلك التاريخ انطلق قطار التطبيع السري والعلني عبر صفقات عسكرية وسياسية وتعاون أمني واستخباراتي وصل ذروته قبل عام بالإعلان عن صفقة القرن المشبوهة التي تقودها المملكة لتصفية القضية الفلسطينية .. قبل أن تصحو إسرائيل وأصدقاؤها العرب على حمام الدم الذي يكاد يغرق حليفها في السعودية.
ارسال التعليق