هل تمثل مملكة آل سعود «السنّة» حقا؟
يتربع آل سعود على قمة هرم الطبقة الحاكمة لمملكتهم في نظام أبوي قَرابي محض، وهو، فضلا عن أنه لا يعرف أي قدر من التمثيل السياسي لشعب شبه الجزيرة العربية الواقع تحت حكمهم ومصالحه وحقه في السلطة والثروة، فهو أيضا يرعى بناء كاملا من الرجعية الاجتماعية والسياسية والثقافية الكاملة، أسهمت وتسهم في خلق حالة ممتدة من التخلف لا تخفف منها الرفاهية المادية الظاهرة.
المملكة – مثلا – لا تتمتع بأي إنتاج صناعي إلا بمنتجات بالغة الهامشية، وتعتمد اقتصاديا على منظومة “ريع” مالي قائمة على النفط، وتتسم تشكيلتها الاجتماعية وتكوينها السكاني باعتمادية ضخمة على الأجانب في كافة الأعمال والمجالات، من هنا يصعب الحديث أصلا عن مجتمع “مكتمل” يتمتع بالقوة والتماسك الكافيين من أجل مشروع كبير كتمثيل المسلمين السنّة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، فضلا عن تمثيلهم على مستوى العالم.
صحيح أن ثمة نجاحات تحققها الوهابية، الذراع الأيديولوجي والثقافي للمملكة، في آسيا تحديدا، حيث وجدت الوهابية مرتعا خصبا في إندونيسيا وماليزيا بالمال والدين والجمعيات “الخيرية” والدينية رغم التقدم الصناعي لتلك المجتمعات، وتجاوز بنائها المادي الملموس للبناء الذهني والفكري القَبَلي الذي تعمل عقلية الدولة السعودية به بطبيعتها، إلا أن مخاصمة الوهابية فكريا للعقل ومخاصمة مملكة آل سعود عمليا للاستقلال والتحرر المادي والفكري للإنسان دائما ما يُسهمان في سقوط الاتجاه السعودي للتسيُد والسيطرة، ومن الصعب إجمالا أن يمثل آل سعود “الإسلام” في ظل اضطهادهم في الداخل السعودي لآلاف من المسلمين (الآسيويين والأفارقة والعرب) على أساس الطبقة أو الوطن أو العرق أو اللون، ليس فقط لأن القيم الجوهرية للإسلام، كمثيلتها لكافة الأديان، تدعو إلى عكس ذلك، ولكن أيضا وفي المقام الأول لأنه يستحيل على قوة أن تنجح فعلا في تمثيل مصالح الناس بينما تقوم علاقتها بهم على الاستغلال والتمييز. صحيح أن حالة التمييز في الداخل السعودي ليست فجّة وتكمن تحت خطاب “الأخوة الإسلامية” بالحجم المعنوي للمملكة كراعٍ للحرمين الشريفين، إلا أن الواقع العملي بما يطرحه من حصر للأجانب من جنسيات محددة وفقرائهم في الأعمال اليدوية والشاقة، في مجتمع تحتقر ثقافته تلك الأعمال وتميّز بينها وبين العمل الذهني، يظل أكثر فاعلية من أي أفكار جاهزة أو مشاعر طيبة مصدرها الوجدان لا الواقع.
على جانب آخر يُعَد خطاب الفتنة المذهبية في الإسلام في حد ذاته، الذي نسجته مملكة آل سعود من خيوط التاريخ وترعاه، أبرز المعوقات أمام شعوب منطقة الشرق الأوسط تحديدا في سبيل وعيها بخطورة وتدميرية آل سعود وسياساتهم، إذ نجح آل سعود طوال سنوات من الإنفاق الضخم على مؤسسات دينية وتعليمية وسياسية و”خيرية” في تسييد خطاب التكفير المذهبي بين سكان تلك المنطقة، وفي ذات الإطار تم – إلى أقصى حد ممكن – استخدام الوكلاء المَحليين لوهابية آل سعود في كل بلد أو قطاع جزئي من المنطقة على حدة، لتجتاح انطباعات مقولبة وجاهزة وأفكار مشوّهة أذهان ملايين المسلمين السنّة من تلك الشعوب تفيد جميعها شيطنة مطلقة للمذاهب الأخرى، وتصاعد هذا الشحن، الذي شمل استخدام الإعلام الفضائي المرئي، وصولا إلى طبع الذهنية الوهابية وعي أصحاب المذهب السنّي في المنطقة بطابعها، لتصبح باقي المذاهب في وعي الغالبية من هؤلاء ليست فقط مذاهب باطلة ومن الواجب نفيّها ومقاطعة أهلها، بل أيضا شركية وكُفرية ويمثل مجرد وجودها، ومعتنقيها، خطرا وجوديا على الإسلام نفسه، ولم يكن كل ما سبق غريبا عن التناول الوهابي للإسلام فهو طرحه الخاص المعتاد، إنما ما استجد هو مبادرة آل سعود إلى استخدام التكفير العلني ضد مذاهب الدين الإسلامي نفسه وليس ضد المباديء والأفكار الوطنية والقومية، كما فعلوا من قبل في مواجهة مشروع التحرر الوطني العربي الذي هدد صعوده وتكتل شعوب المنطقة خلفه مصالحهم، فحاربوه باستماته يكشف التاريخ وتوالي انكشاف الأدلة والروايات عن كثافتها وتنوع مفرداتها.
الجدير بالذكر أن العلاقة – مثلا – بين آل سعود وشاه إيران محمد رضا بهلوي، كانت ممتازة وكان شيعيا جعفريا، كما دعمت المملكة الإمام محمد البدر حميد الدين، في مواجهة ثورة الجمهورية عليه وكان زيديا، في حين وقفت المملكة على عداء حاد مع نظام عبد الناصر ومصر الناصرية بكتلتها “السنّية” التاريخية العتيدة ومؤسسة الأزهر العريقة في تمثيل المذهب السنّي، من هنا فإن الصراع التاريخي هذا في المنطقة سياسي واقتصادي الجوهر بالفعل ولكن طالما نجح آل سعود في إضفاء الصبغة الدينية والمذهبية عليه وفق حاجتهم ومصالحهم الخاصة.
كان أحد ملامح تناقض آل سعود مع مصر الناصرية رغبتهم في تمثيل سنّة المنطقة، بثقلهم الديني والمعنوي القائم على رعاية بيت الله ومدينة الرسول، إلا أن رغبتهم تلك لم تتحول في الحقيقة إلى واقع ملموس إلا بموازاة تزييفهم لطبيعة الصراع في أذهان سنّة المنطقة، ونجاحهم في إضفاء الصبغة الدينية على تناقضاتهم مع أعدائهم باختلاف هؤلاء الأعداء، حتى أصبح الكيان الصهيوني في نظر وقول آل سعود مؤخرا في محل أهل الكتاب ومن المشروع الإحسان إليه وإقامة المعاهدات معه، في حين أن المقاومة الوطنية اللبنانية خطر داهم يجب سحقه، كما شجعوا الكيان نفسه وأمريكا عام 2006، لأن الكيان الشيعي “أخطر على الإسلام والمسلمين من اليهود” وفقا لرؤية آل سعود. كل ما في الأمر هو التقاء مصالح آل سعود مع الكيان الصهيوني وانفصالها عن أي قوة معادية له وللهيمنة الأمريكية، ولو كانت سنّية كحركة الجهاد الإسلامي، أو علمانية وطنية عروبية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والخلاصة أن مملكة آل سعود استخدمت التزييف وشراء الذمم والتديين السلبي المخرب لتمثّل المسلمين السنّة في المنطقة، دون أن يجدي ذلك نفعا حتى الآن، في ظل كون المملكة قاعدة وظيفية للاستعمار الأمريكي ومصدرا لثروته وأداة ومرتكَزا لهيمنته على المنطقة العربية.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق