هل نجح ترامب في تحويل المملكة إلى "شرطي جديد" في المنطقة؟!
مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بدأت التحالفات السياسية في الشرق الأوسط تأخذ مسارا جديدا أو بالأحرى دعونا نقول إنها بدأت تتبلور وتخرج إلى العلن بعد أن كان الظل مسارها لسنوات طويلة.
لم يسمح ترامب ببقاء تحالفات الشرق الأوسط تُبنى على أنصاف المواقف لبعض الأنظمة أو ممارسة الازدواجية في بعض الملفات والتي كان "الملف الإسرائيلي" أهمها بالنسبة لترامب، لذلك بدأت تحالفات الدول تبنى على أساس العلاقة مع الإسرائيلي لكونه يمثل "شرطي الولايات المتحدة" في الشرق الأوسط، ولذلك كان لابد للدول الخليجية أن تتخذ موقفا واضحا من "إسرائيل" وهذا ما يفسر ارتماء بعض الأنظمة الخليجية في الحضن الإسرائيلي لأنها تعلم ضريبة معاندة واشنطن في هذا الملف.
هذا الكلام وجد له الأمريكي تربة خصبة في السعودية وبالأخص في طموحات ولي العهد محمد بن سلمان الذي لا يبدي حرجا في فعل أي شيء من اجل عيون الأمريكي عله يصل إلى كرسي العرش بأقرب فرصة ممكنة، لذلك استغل ترامب نقطة ضعف الأمير الشاب في هذا الاتجاه ليسحب أموالا طائلة من الحسابات السعودية لينعم بها المواطن الأمريكي على حساب المواطن السعودي الذي ترتفع لديه نسبة البطالة والتي تبلغ حاليا حسب الاحصاءات الرسمية 12.8%، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والتفاوت الطبقي التي بلغت بحسب إحصاءات غير رسمية 25%، كانت هناك مؤشرات أكثر خطورة من القيام بثورة في المملكة، فبحسب دراسة لمعهد جالوب قبل ثلاثة أعوام بلغت نسبة الإلحاد ما بين 5- 9% داخل المجتمع السعودي.
المعادلة الأخرى التي تبحث عنها واشنطن في الشرق الأوسط هي إيجاد سند آخر لها هناك غير "إسرائيل" لكون الظروف السياسية والعسكرية تغيرت في تلك المنطقة، مع صعود قوة ايران وزيادة تحالفاتها مع كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وبعض الدول الخليجية مثل قطر التي تحاصرها السعودية وسلطنة عمان التي تربطها بايران علاقات جيدة منذ زمن بعيد، فضلا عن علاقاتها الجيدة مع تركيا التي تشكل ميزان معادلة التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط.
أمريكا تريد أن تصنع من السعودية شرطي جديد يساند "إسرائيل" في تمرير سياسة واشنطن في المنطقة، وهذا الكلام لا يروق للتركي الذي يخالف الولايات المتحدة في الكثير من المسائل السياسية والمواقف وأبرزها "ملف الاكراد" الذي لعب عليه "السعودي والإسرائيلي" سويةً ليحاربوا فيه الحكومة السورية وايران سويةً، ولكن لم يفلحوا في ذلك لكون التركي يعارض هذا الأمر بشدة.
وما زاد من حساسية الأمر تصريحات بن سلمان النارية التي أطلقها الشهر الماضي تجاه تركيا خلال زيارته إلى مصر، إذ قال بن سلمان بأنه :"يوجد ثالوث من الشر، ويضم تركيا وإيران والجماعات الإرهابية". كما أوضح أن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة، بينما تريد إيران تصدير الثورة، والجماعات الإرهابية التي تحاصرها الدول العربية".
هذا التصريح فتح الباب على مصراعيه لخروج الخلافات بين البلدين "السعودية وتركيا" الى العلن وذهب الباحثون إلى اعتبار موضوع "زعامة العالم الإسلامي" هو جوهر القضية، خاصة أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قام بعدة جولات سياسية واتخذ عدة مواقف أبرزت هذا الخلاف اكثر وأكثر، فقد ذهب اردوغان إلى الجزائر وبنى معها تحالفات تجارية وعسكرية، وخلال الأزمة مع قطر وقف إلى الجانب قطر في مواجهة الحصار وهنا التقى مع ايران التي مدت قطر بكل ما تحتاجه كما فتحت لها المجال الجوي لحركة الطيران، وارسل التركي 300 جندي تركي إلى قطر، وهذا ما اعتبرته السعودية تحديا كبيرا لها.
وما يعزز كلامنا حول تحويل السعودية إلى شرطي ثاني داعم وحامل لراية واشنطن السياسية هو التصريحات النارية التي يوجهها ولي العهد السعودي ضد ايران وتركيا وبالأخص تجاه طهران، وكذلك التقرب من الإسرائيلي عبر مغازلته بين الحين والأخر وتجاهل القضية الفلسطينية التي تشهد تصفية ممنهجة في هذه الأيام، عبر نقل سفارة أمريكا على القدس والذي قد يتمخض عنها انتفاضة جديدة بدأت في يوم أمس.
عواقب الارتماء في الحضن الأمريكي_الاسرائيلي ستكون مكلفة جدا لولي العهد السعودي وقد لا تظهر نتائجها في الوقت الراهن، لكن عودتنا السياسة الأمريكية والإسرائيلية على التخلي عن من يساندها عندما تصل إلى مرادها، وهنا لابد ان نسأل عن موقف الشعب من هذا التحول المفرط في سياسة المملكة والتي لم نعتد عليها منذ عقود طويلة.
ارسال التعليق