يجب أن توقف الحرب على اليمن وهذه مبرراتنا؟
بعد مرور نحو ثلاث سنوات على الحرب ضد اليمن والتي أدت إلى إزهاق أرواح الكثير من اخواننا وجيراننا اليمنيين العرب الأبرياء وتدمير البنى التحتية لهذا البلد، بالإضافة إلى الأمراض التي أبتلي بها عدد كبير من الناس وفي مقدمتها الكوليرا، صار من الواجب رفع الصوت عالياً لوقف هذه الحرب والتي تنذر بمزيد من المآسي والكوارث، ليس على اليمن فحسب؛ بل على المنطقة برمتها.
وهناك أسباب ودواعي كثيرة تؤكد ضرورة وضع حدّ لهذه الحرب يمكن إجمالها بما يلي:
أولاً: الجانب الإنساني
لاشكّ أن البعد الإنساني في الحرب على اليمن يحظى بأهمية بالغة، نظراً للآثار الخطرة التي تترتب عليه، وفي مقدمتها حرمان مئات الآلاف إن لم نقل الملايين من فرص الحياة الطبيعية نتيجة الدمار الذي لحق ويلحق بالمرافق الخدمية والمؤسسات الحيوية وفي طليعتها المدارس والمستشفيات ومستودعات الأغذية والأدوية ومحطات الطاقة الكهربائية وشبكات تصفية وإيصال المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن المخاطر الجمّة التي تنجم عن استخدام الأسلحة الفتّاكة - الكثير منها محرم دولياً كالقنابل العنقودية - على سلامة وصحة الإنسان بسبب التلوث والإشعاعات والإصابات الخطرة التي لايمكن علاجها خصوصاً وأن اليمن يعد من البلدان الفقيرة التي تنقصها المعدات الصحية والطبية اللازمة لمواجهة الأعداد الكبيرة من الجرحى الذين تعرضوا ويتعرضون لهجمات تستهدف أحياءهم السكنية في شتى أنحاء البلاد. ولايمكن هنا إغفال الأعداد الهائلة من المدنيين الذين أضطروا لمغادرة مناطقهم والعيش في ظروف صحية وخدمية بائسة جداً نتيجة القصف المتواصل لهذه المناطق.
ثانياً: البعد الديني
من المؤكد أن الدين الإسلامي وكافة الشرائع السماوية تحرّم سفك الدماء إرضاءً لنزوات الحكّام وتحقيق مآرب شيطانية. والقرآن الكريم زاخر بالآيات التي تحذر من إراقة الدم وقتل النفس البريئة ومنها (... مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..) (المائدة:32). وكذلك الروايات والأحاديث الشريفة التي تنص على حرمة إزهاق الأرواح دون وجه حقّ ومنها (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله) و(من قتل مسلماً أو مُعاهداً، لم يشم رائحة الجنة).
علاوة على الحرمة الدينية لسفك الدماء وإزهاق الأرواح هناك القيم الإسلامية والعربية التي تؤكد على ضرورة حفظ حقوق الجوار والتعامل معه بالحسنى والامتثال للقول المشهور (إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم إن كنتم عُرباً كما تزعمون). فالشعب اليمني عربي ومسلم، ومن الشعوب العريقة التي قدّمت للإنسانية أروع الأمثلة في الجانبين القيمي والأخلاقي، فبأي حق يقتل أبناؤه وتستباح دماؤهم وتدمر مدنهم ويعبث بمقدراتهم ويوضع مصيرهم في غياهب المجهول؟ أمِنْ أجل تحقيق نوايا خبيثة يرفضها الوجدان الحر وكل ما له صلة بكرامة الإنسان ووجوب حفظ حياته وحقوقه وتأمين سلامته من أي خطر!
ثالثاً: الآثار السلبية الاقتصادية والسياسية
تشير كافة الإحصائيات والدلائل والقرائن والشواهد المتوفرة أن الحرب على اليمن كلّفت ميزانية بلادنا الكثير من طاقاته وأمواله وإمكاناته الاقتصادية لتأمين النفقات الباهظة لهذه الحرب، إلى درجة ان وصل العجز في الميزانية إلى أكثر من 230 مليار ريال، والذي انعكس بدوره على الأوضاع الاجتماعية والخدمية نتيجة إجراءات التقشف الشديدة التي فرضتها السلطات على المواطنين في كافة المجالات، فضلاً عن الخسائر البشرية التي نجمت عن هذه الحرب الضروس، وما لذلك من تداعيات خطرة على الوضع الأسري والاجتماعي بشكل عام.
رابعا: افتضاح كذب التبريرات لمواصلة الحرب على اليمن
منذ اليوم الأول للحرب على اليمن التي اندلعت في 25 آذار/مارس 2015 بانت الحجج غير المنطقية والذرائع الواهية لهذه الحرب، ومن بينها إعادة الشرعية إلى اليمن (أي إعادة حكومة الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي إلى السلطة). والسؤال المطروح: هل يتم تحقيق هذا الأمر - على فرض صحته - عبر الحرب وإدخال البلاد في نفق مظلم وأزمات كارثية على جميع المستويات؟ وهل نظام آل سعود ذاته يتمتع بالشرعية اللازمة لبقائه في الحكم كي ينصّب نفسه قاضياً ومنفذاً للأحكام التي يصدرها دون التشاور مع عقلاء وحكماء الأمة؟ أم أنه مرغم على الانصياع للأوامر الأجنبية مقابل بقائه في السلطة؟
هذه الأسئلة وغيرها تجعلنا نجزم أن الذرائع التي تمترس خلفها آل سعود ليس لها ما يبررها، وإنّما هي نزوات شيطانية أريد منها تحقيق أحلام مريضة لسلمان وولي عهده حتى وإن استدعى ذلك قتل الأبرياء وتدمير بلد بكامله وتعريض المنطقة بأسرها لمخاطر لايمكن التكهن بنتائجها المأساوية بشكل دقيق على المديين المنظور والبعيد.
ومن الحجج التي أطلقها آل سعود لشن ومواصلة الحرب على اليمن الوقوف بوجه ما يسموه التمدّد الإيراني في المنطقة. والسؤال المطروح: ما ذنب الشعب اليمني كي يقتل أبناؤه وتدمر بلاده، إذا كانت هناك أزمة بين السعودية وأي دولة إقليمية أخرى؟ وهل إطلاق التهم دون أدلة مقنعة كاف لإشعال حروب طاحنة؟ إذا كان الأمر كذلك، فالأحرى بالمجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والقانونية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية أن تتصدى بحزم لهذا النوع من الاستهتار الذي يضع شعباً وربّما شعوباً بكاملها في مهبّ الريح وتصبح عندها شريعة الغاب هي الغالبة، ويغدو الإنسان لاقيمة ولاوزن له طالما بقي الطواغيت يتحكمون بمصيره ويدوسونه بأقدامهم التي يجب أن تقطّع مع أيديهم لأنهم مفسدون في الأرض، والنص القرآني صريح في ذلك (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) سورة المائدة الآية (33).
ارسال التعليق