يجب على السعودية أن تدفع ثمن إصلاح علاقتها مع واشنطن
بعد فترة من التوتّر الذي حال في العلاقات بين الولايات المتّحدة و"السعودية" نتيجة رفض الأخيرة رفع إنتاج النفط في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، بدأت واشنطن تفتح أبوابها للرياض ولكن بشروط، فهو أسلوب الولايات المتحدة في التعامل مع الحلفاء عندما لا ينفّذون مطالبها بحماس وسرعة. ذلك أن واشنطن أكّدت أن إصلاح العلاقة مع "السعودية" يجب أن لا يمر من دون ثمن.
وبحسب مجلة American prospect فإن إصلاح العلاقات يتم من خلال التزام أمني أمريكي طويل لحكم آل سعود، يكون فيه طويل الأجل، ومن النوع الذي سيكون فيه أكثر ديمومة مع الرياض. لكن مقابل هذا الالتزام، موافقة "السعودية" على وقف العدوان على اليمن، وتقديم اعتراف من قبل محمد بن سلمان بشأن مسؤوليّته عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وضخ كميّة كافية من النفط لخفض الأسعار والأهم موافقته على التطبيع العلني مع الكيان المؤقّت.
الباحث في معهد بروكينغز ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقاً، مارتن إندك وصف الصفقة بالمهمة، وقال إنه رغم التخوّف السعودي الدائم، على واشنطن تقديم المساعدة والحماية دون الإفراط في تعريض الولايات المتحدة لمخاطر غير ضرورية.
وأشارت المجلة إلى أن دونالد ترامب أبرم اتفاقات أبراهام، وهي صفقة تطبيع إسرائيلية مع العديد من الدول العربية، وأهمها الإمارات العربية المتحدة، والأكيد أن اتفاق السلام الإسرائيلي السعودي سيتجاوز ذلك. في الوقت نفسه، من شأنه أن يتعارض مع التصورات بأن بايدن يتعامل بفتور مع "إسرائيل".
أما بالنسبة لاعتراف محمد بن سلمان بقتل خاشقجي فهو لن يعزّز أمن الولايات المتحدة ذرة واحدة، بينما يعرّضها لخطر كبير بالحرب وفقًا لتقدير "السعودية". على أية حال، يبدو أنه أمر غير قابل للتصديق. إن تصميم الرياض على تجنّب أية مسؤولية عن أحداث 11 سبتمبر في قضية قضائية جارية هو أكثر من مجرد تلميح إلى عدم استعداد محمد بن سلمان لتعرّضه لضربة من قبل بايدن. والآن بعد أن احتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محمد بن سلمان، سيكون لديه حافز أقل للإدلاء باعتراف، حيث أسقط الأتراك مقاضاتهم في القضية، وفق المجلة.
ثانيًا، يبدو من المرجّح أن تنهي "السعودية" حربها في اليمن على أي حال. وقد غادر مؤخرًا زعيمها بالوكالة في البلاد، الرئيس هادي، وتم استبداله بمجلس استشاري. حتى إيران قالت إنها ستعمل مع شركائها الحوثيين لتصعيد العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات. إن الضمان الأمني غير المحدود "للسعودية" للحصول على تعاونها بشأن مشكلة يمكن حلها قريبًا لا يبدو وكأنه تجارة عادلة.
ثالثًا، من غير المرجّح بحسب المجلة، أن تكون الوعود النفطية السعودية ذات صلة على المدى الطويل. في حين أنه من الصحيح أن الرياض قد استجابت من وقت لآخر لمناشدات البيت الأبيض لتهدئة أسعار النفط، عادةً لإزالة عقبة اقتصادية أمام انتصارات الانتخابات النصفية أو العامة، أو في عند الأزمات كما حدث بعد 11 سبتمبر، من المرجّح أن يتم تحديد هيكل سوق النفط من خلال زيادة جذرية في الطلب إلى جانب قيود العرض المزمنة التي لا يمكن حتى للسعوديين تجاوزها. إذا كان هذا التقييم صحيحًا جزئيًا، فلن يكون الإنتاج السعودي الأكبر ببساطة مفيدًا للغاية.
في سياق متّصل، ثمّة مؤشّرات على تحسين العلاقات بين واشنطن والرياض تمثّلت في زيارة خالد بن سلمان إلى واشنطن لإجراء محادثات أمنية. فقد كشف مسؤولان أمريكيان أن نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان يزور واشنطن لإجراء محادثات أمنية مع كبار مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون.
وبحسب موقع RT Arabic قال الموقع الأمريكي إن هذه الزيارة تأتي في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تحسين العلاقات مع "السعودية" وحثّها على زيادة إنتاج النفط قبل زيارة الرئيس بايدن المرتقبة إلى الشرق الأوسط في نهاية يونيو.
يذكر أن خالد بن سلمان، الأخ الأصغر لولي العهد، سفير "السعودية" في واشنطن عندما اغتيل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، ترك المنصب بعد عدة أشهر من الحادث وعين نائبا لوزير الدفاع.
وقال متحدث باسم البيت الأبيض لموقع "أكسيوس" إن بن سلمان موجود في واشنطن على رأس وفد سعودي للاجتماع بلجنة التخطيط الاستراتيجي المشتركة بين الولايات المتحدة و"السعودية". فيما أكد المتحدث أنه سيلتقي مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان لمناقشة القضايا الثنائية والتطورات الإقليمية، خاصّة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في اليمن والحرب في أوكرانيا.
من جهتها، قال موقع Intercept إن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز التقى ولي العهد في مدينة جدة في جولة إقليمية الشهر الماضي، لكن الاجتماع كان سريًا وغير عادي.
وبحسب ثلاثة مصادر تحدث الموقع إليها، فإن الاجتماع في ذلك الوقت يمثّل المحاولة الأخيرة لكبار المسؤولين في الولايات المتحدة لمناشدة "السعودية" بشأن النفط، ومناقشة مشتريات "السعودية" من الأسلحة الصينية وأبرز معتقليها. للإفراج عنهم.
وجدّد بيرنز خلال "الاجتماع السري" طلب الولايات المتحدة "للسعودية" زيادة إنتاج النفط، بعد أن أعلنت الرياض الأسبوع الماضي أنها ستلتزم بخطتها الإنتاجية ورفضت الطلب الأمريكي مرة أخرى. وقال مصدر مقرب من المخابرات الأمريكية إن لقاء بيرنر مع ولي العهد السعودي كان محاولة لإصلاح العلاقة المقطوعة بين محمد بن سلمان وكبار المسؤولين في إدارة بايدن.
ارسال التعليق