التغيير

تعرض نظام آل سعود لسلسلة انتكاسات وخيبات سياسية في العام الخامس للحرب على اليمن ما عمق من أزمته في المستنقع اليمني دون حلول في أفق لتحقيق أي إنجازات.

ويبدأ عام سادس من تدخّل التحالف بقيادة آل سعود في اليمن ومعه تستمر عشرات التساؤلات حول ما حقّق من أهداف قال التحالف إنه أنشئ من أجلها.

كما أن شوكة أنصار الله التي أُعلن أكثر من مرة كسرها وتدمير صواريخهم كافة، ما زالت حادّة وتهدّد خاصرة آل سعود ومنشآتها النفطية.

أما حكومة هادي التي كان الهدف الرئيسي هو تمكينها من الأراضي اليمنية، فلا تزال في الرياض، في منفاها الذي وصلت إليه في منتصف مارس آذار 2015، وتتلقى الطعنات ليس من أنصار الله فقط بل من الإمارات ووكلائها في اليمن أيضاً.

وعلى الرغم من أنّ الإمارات أعلنت خلال العام الفائت سحب قواتها في اليمن، إلا أن تأثيرها لا يزال يعد الأقوى، بعدما تعمدت تفريخ المليشيات في كثير من المناطق ودعم أكثر من محاولة انقلاب على حكومة هادي.

سلسلة انتكاسات

شهد العام الحالي سلسلة من الانتكاسات العسكرية والسياسية للتحالف الذي تقوده سلطات آل سعود في اليمن، وبدا أن الإنجازات التي تحققت خلال سنوات الحرب الأولى في طريقها للتبخّر دفعة واحدة، وسط تزايد السخط الشعبي بسبب إطالة أمد الحرب وعدم ظهور نتائج قد تدفع لإنهائها.

خلال شهر ونصف فقط، وتحديداً منذ منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى مطلع مارس/ آذار الحالي، توالت الانتكاسات العسكرية، إذ خسرت حكومة هادي مساحات واسعة، ابتداء من مديرية نهم شرق صنعاء، وصولاً إلى مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف قرب حدود مملكة آل سعود.

ومنذ عام 2017، وعقب سيطرة حكومة هادي على مديرية نهم، ظلّ التحالف يردد باستمرار أن قواته باتت على بُعد 35 كيلومتراً من مطار صنعاء الدولي، واستمرت تلك المنطقة أبرز جبهات الاستنزاف للحوثيين لأكثر من 3 أعوام، حتى انقلبت المعادلة، وبدلاً من التوجّه نحو مطار صنعاء، تراجعت حكومة هادي إلى صحراء خُب والشعف، آخر معاقلها في محافظة الجوف.

ووفقاً لمصادر عسكرية متطابقة فقد ترك التحالف عشرات المدافع ومخازن الأسلحة والمدرعات الحديثة في جبال نهم كغنائم سهلة لأنصار الله، إضافة إلى كميات كبيرة من الذخائر، لكنه تنبّه للأمر عند سقوط محافظة الجوف، وأخلى مقرّ قواته في مدينة الحزم قبل سيطرة أنصار الله عليها.

وأعلن أنصار الله، في منتصف مارس/ آذار الحالي، السيطرة شبه الكاملة على محافظة الجوف، باستثناء مناطق في مديرية خُب والشعف، ومناطق أخرى في صحراء الحزم، ومنذ أسابيع باتت الصحراء مسرحاً للمعارك بين أنصار الله والقوات التابعة لحكومة هادي.

وبعد خسارة نهم كآخر وجود لها في محافظة صنعاء وغالبية محافظة الجوف، يبدو أن حكومة هادي، المدعومة من التحالف، في طريقها لخسارة محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز.

وتواصل جماعة أنصار الله حشد آلاف المقاتلين عند تخوم مأرب، وخلال الأيام الماضية نفذت هجمات من محاور عدة في صرواح ومجزر وقانية التي تربط مأرب بالبيضاء، لكنها لم تحقق اختراقاً نوعياً بعد، جراء الضربات الجوية للتحالف.

ويخشى مراقبون أن تفرّط حكومة هادي بمحافظتي الجوف وتعز، وهي آخر المعاقل البارزة لها في محافظات الشمال اليمني، خصوصاً أن كل المحافظات الجنوبية والشرقية لا تخضع عملياً لسيطرتها بل تديرها قوات انفصالية موالية للإمارات.

وحاولت المملكة خلال العام الماضي سحب آلاف الجنود اليمنيين للدفاع عن حدودها الجنوبية المحاذية لمعاقل أنصار الله في صعدة، لكنها فشلت بعد استعادة أنصار الله مناطق واسعة في كتاف والبقع قبالة نجران وجازان. وخلال هذا العام سيكون عليها الدفاع عن حدودها من جهة محافظة الجوف بعد توغّل أنصار الله إليها.

لا تغييرات جذرية

باستثناء سيطرة أنصار الله على نهم والجوف، ومديريات في معاقلهم بمحافظة صعدة وكذلك مناطق في شمال الضالع وتخوم مأرب، لم تتغيّر خارطة السيطرة والنفوذ بشكل جذري خلال العام الأخير من الحرب، في ظل تراجع التأييد الداخلي للتحالف الذي يتزعّمه آل سعود واتهامه بالفشل، وفقاً لمراقبين.

وبعد مرور خمس سنوات من الحرب، يمكن القول إن آل سعود والتحالف الذي أنشأه فشلا بشكل كبير في تحقيق الأهداف التي تشكّل التحالف من أجلها، وأهم مظاهر ذلك الفشل تتجلى في إطالة أمد الحرب.

وروج آل سعود غداة الحرب بأنها لن تستغرق أكثر من بضعة أسابيع، لكن النظام فشل في ذلك، وهو ما تسبّب بتراجع التأييد الداخلي بعد أن طالت العمليات العسكرية وتشتتت أهدافها وأصبحت غير مفهومة لدى الغالبية العظمى ممن أيّدها.

ومظاهر فشل التحالف التفكك الذي ضربه، ولم يعد هناك سوى مملكة آل سعود فيه، بعد أن سحبت الإمارات قواتها من محافظات مختلفة، وسط ترجيحات أن أبو ظبي قامت بذلك عبر تفاهمات مع طهران، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية.

خيبات سياسية

تكرست الخيبات حصاد المعارك السياسية التي خاضها التحالف ضد أنصار الله خلال الفترة القليلة الماضية، ومع كل بادرة انفراجة يستبشر بها الشارع اليمني ويقول إنها مفتاح لإنهاء الصراع الدامي، تكون الصدمة بعودة الأمور إلى مربعها الأول أو مراوحتها في نقطة اللاحرب واللاسلم، كما هو حاصل في اتفاق استوكهولم الذي رعته الأمم المتحدة، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وبعد مرور نحو 15 شهراً على توقيعه، يبدو اتفاق الحديدة مهدداً بالانهيار أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً بعد سحب القوات الحكومية ممثليها من لجنة التهدئة ولجان مراقبة الحديدة، بعد اتهامات للحوثيين بقنص ضابط رفيع موالٍ للشرعية، مطلع مارس الحالي.

وفي عدن، يمرّ اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمني والانفصاليين المدعومين من الإمارات في امتحان صعب، فالاختبار السياسي الأبرز للمملكة بات هو الآخر مهدداً بالفشل، مع تصعيد القوات الانفصالية المدعومة من الإمارات وإعادة تموضعها مجدداً في عدد من مناطق محافظة أبين، كانت قد انسحبت منها في الشهرين الماضيين، فضلاً عن رفض قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” تمكين قوات دربتها المملكة من تولي مهامها بتأمين مطار عدن.

وتحاول الرياض إرضاء الانفصاليين عبر الرضوخ لمطالبهم، وفي الأيام الماضية اتهم سفيرها في اليمن، محمد آل جابر، القوات الحكومية بخرق اتفاق الرياض والإعلان عن ساعة الصفر لاجتياح عدن، ودعاها للتوجّه إلى مأرب والجوف، في تبنٍّ ضمني للخطاب الذي ينادي به القادة الانفصاليون بانسحاب قوات حكومة هادي من محافظات الجنوب حتى يكون باستطاعتهم بسط السيطرة الكاملة عليها.

وحالة التشظّي الحاصلة داخل التحالف وحكومة هادي مكّنت أنصار الله والمليشيات الأخرى من فرض كلمتها.

وتمكّن أنصار الله من تطوير قدراتهم الصاروخية بالكشف عن صواريخ بالستية بعيدة المدى وطائرات مسيّرة من دون طيار، على الرغم من اتهامات متكررة من حكومة هادي وتحالف العدوان لإيران بتزويدهم بالسلاح، وهو ما نفته طهران مراراً.

وكشف المتحدث العسكري للحوثيين، الإثنين الماضي، عن إطلاق 1067 صاروخاً بالستياً خلال 5 سنوات من الحرب، منها 410 صواريخ زعم أنها استهدفت أهدافاً عسكرية حيوية ومنشآت في العمقين السعودي والإمارات، فضلاً عن إسقاط 53 مقاتلة ومروحية أباتشي للتحالف خلال ذات الفترة.

طائرات الدرونز كانت أحد أبرز أسلحة أنصار الله التي غيّرت معادلة الحرب نظراً لصعوبة التصدي لها بمنظومة الباتريوت، ووفقاً للمتحدث العسكري باسم الجماعة، فقد تم تنفيذ 669 عملية هجومية بهذا النوع من الطائرات، غالبيتها في أراضي آل سعود.

مستنقع اليمن

أبرزت وكالة الأنباء الفرنسية أنه بعد مرور خمس سنوات على بدء عمليات التحالف تبدو المملكة عالقة في مستنقع مكلف دون أن تلوح أي استراتيجية خروج في الأفق، بينما تواجه المملكة عدة أزمات داخلية.

وتوقعت الرياض انتصارا سريعا عندما قررت التدخل في اليمن على رأس التحالف في 2015 لقتال أنصار الله، في إطار سياسة خارجية حازمة بقيادة محمد بن سلمان.

ولكن الحرب كشفت عن حدود قدرات نظام آل سعود العسكرية، إذ عجزت الرياض حتى الآن عن هزيمة أنصار الله في من مراكز قوتهم في شمال البلاد، وسعت دون جدوى إلى وقف الاقتتال الداخلي المميت بين حلفائها في الجنوب.

وتبدو المملكة وحيدة إلى حد كبير الآن بعدما قامت حليفتها الإقليمية الرئيسية الإمارات في 2019 بخفض تواجدها العسكري في اليمن، في خطوة قال مراقبون إنها تهدف إلى الحد من خسائرها.

ولكن ليس أمام المملكة طريق سهلة للخروج من هناك. وقال مسؤول غربي مطلع على سياسة الرياض في اليمن على غرار الإمارات، يرغب السعوديون في أن يقولوا (هذه الحرب انتهت بالنسبة لنا)”. واضاف “لكن الوضع على الأرض صعب للغاية”.

واندلعت مؤخرا المعارك مجددا بين أنصار الله والقوات الموالية لحكومة هادي المدعومة من الرياض في محافظة الجوف الاستراتيجية وفي محافظة مأرب شمالا، بعد أشهر من التوقف.

وكانت الأطراف المتنازعة أبدت في السابق اهتمامها بخفض التصعيد، مع إعلان مسؤول سعوديّ في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أنّ المملكة تقيم “قناة اتصال” مع المتمردين المدعومين من طهران من أجل انهاء الحرب.

وعرض أنصار الله أيضا وقف كافة الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة ضد المملكة.

ويبدو أن هذه الجهود لم تسفر عن شيء بينما يرى مراقبون إن أنصار الله ربما قاموا باستغلال فترة الهدوء من أجل تعزيز قدراتهم العسكرية.

وحتى الآن، لا تلوح أي بوادر في الأفق لإنهاء الحرب في اليمن، التي أكد مسؤولون سعوديون إنها رئيسية لمواجهة ما وصفوه بخطر التوسع الإيراني.

وكتب الاستاذ المساعد في جامعة اوتاوا الكندية توماس جونو في تحليل لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية “تعتقد الرياض – وهي محقة في ذلك – أن انسحابها المفاجئ سيضعف التحالف أو يؤدي إلى تفككه، ما يخدم أنصار الله.”

واضاف “في الوقت نفسه، تريد الرياض خفض تكاليف تدخلها في اليمن، فقد أدركت أنه ليس بمقدورها تحمل التكاليف المالية والعسكرية على المدى الطويل”.