الاتفاق الخليجي المحتمل.. مصالحة كاملة أم هدنة مؤقتة؟
التغيير
زادت خلال الأيام الماضية مؤشرات التوصل إلى اتفاق خليجي ينهي قطيعة دامت قرابة العامين والنصف، بين المملكة والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى.
صحيفة "فايننشال تايمز"، نقلت عن مستشار للمملكة والإمارات، قوله إن محمد بن سلمان يتجه نحو التصالح مع قطر، كهدية يقدمها للرئيس الأمريكي القادم جو بايدن.
فسر المستشار هذه الخطوة من ابن سلمان، بأنها محاولة من الأمير الشاب لكسب ود الإدارة الديمقراطية الجديدة، التي دانت مرارا سلوك الرياض الحقوقي، قبل فوز بايدن رسميا.
التطور المفاجئ الذي قد يؤثر إما سلبا أو إيجابا على جهود المصالحة الخليجية، هو الزيارة التي أعلن عنها مستشار الرئيس الخاسر دونالد ترامب، وصهره، جاريد كوشنر إلى كل من المملكة وقطر خلال الأيام المقبلة.
مكسب أخير
الخبير في الشؤون الأمريكية، الأكاديمي الكويتي عبد الله الشايجي، قال إن ترامب في وضع مهزوم داخليا، مع تبقي أقل من شهرين على مغادرته البيت الأبيض رسميا.
وأوضح في تصريحات لقناة "الجزيرة"، أن ترامب يسعى خلال مدته المتبقية إلى تحقيق أي إنجاز بأي ملف، ليحرم بايدن منه، ومن هذه الملفات، الأزمة الخليجية.
قال الشايجي؛ إنه غير متفائل بإتمام المصالحة قبيل وصول بايدن، إذ إن المملكة والإمارات ستحاولان منح بطاقة هذا الاتفاق إلى الإدارة الجديدة بقيادن بايدن، ومن ثم لن تثمر جهود كوشنر عن شيء، بحسب ما توقّع.
وذكر الشايجي أن ترامب كان جزءا من المشكلة الخليجية، ولم تتبن إدارته بشكل جاد أي مبادرة كويتية قدمها الأمير الراحل صباح الأحمد الصباح لإنهاء الخلاف بين الأشقاء الخليجيين طيلة الفترة الماضية.
تصحيح مسار
الأكاديمي محمد العمري، مدير مركز "الجزيرة العربية للإعلام" في لندن، قال لـ"التغيير"؛إن السياسة المملكة ستشهد خلال الشهرين القادمين تصحيح مسار بما يتناسب مع بايدن.
وألمح العمري إلى أن الرياض قد توقف حرب اليمن، وتحسن من وضع الملف الحقوقي الداخلي، إضافة إلى إنهاء حصار قطر، وهي الأمور الثلاثة التي أوردها بايدن خلال حملته الانتخابية.
وذكر العمري أن "وصول بايدن سيفكك التحالف الرباعي (الدول الثلاث إضافة لمصر)، والمتابع للإعلام في المملكة يلحظ أنه بدأ من الآن في نقد السياسات الإماراتية في عدة ملفات، ومتوقع أن يصل لدرجة التوتر، خاصة مع تمتع الإمارات بعلاقات طبيعية مع إيران".
وبحسب العمري، فإن "الملفات العبثية التي افتعلتها المملكة خلال الخمسة سنوات الماضية، ممكن حلحلتها والتنازل وحتى الاعتذار عنها، باستثناء الملف الإيراني الذي يعدّ قضية وجود للكيان والدولة في المملكة، فهي مقابله ستغلق الكثير من الملفات المزعجة التي لم تستفد منها المملكة".
وتوقع العمري أن فترة تصحيح المسار هذه تحتاج لشهرين مقبلين، إلا أنه أوضح أن هذا التصحيح لن يحدث دون الاعتذار لتركيا، وتشكيل لجان تحقيق ومحكمة مشتركة، وتقاسم سجن المدانين في مقتل جمال خاشقجي، وحلول متطابقة مع القضاء التركي".
حاجة للمملكة
قال العمري؛ إن المملكة هي التي تحتاج المصالحة مع قطر الآن، وذلك جراء سقوط منظومتها الإعلامية، التي لم تعد تؤثر على المشاهد في المملكة والعربي.
وأوضح أن الشروط الثلاثة عشر التي كانت المملكة ودول الحصار قد وضعتها عقبة أمام المصالحة مع قطر، ستختزل قريبا إلى شرط واحد فقط، هو "إيقاف مدفع قناة الجزيرة".
وقال العمري؛ إن المملكة في وضع ضعيف، "والدليل على ذلك تسريب متعمد لمقطع للملك أفقده الهيبة، ولقاء محمد بن سلمان مع نتنياهو؛ التسريبات تقول إن الملك لا يعلم عنه، ويوجد خلل كبير في رأس القيادة، فكل شيء متوقع مع قيادة تفتقر للخبرة".
فيما ذكر الشايجي بتغريدات عبر "تويتر" أن الحديث عن المصالحة يأتي بالتزامن مع التقارب بين الرياض وأنقرة، الذي تمثل في تلقي الأخيرة مساعدات من المملكة لضحايا الزلزال. "مصالحة باردة"
لم يستبعد الشايجي أن تقتصر المصالحة الخليجية في المستقبل القريب على حلحلة بعض الأمور، مثل رفع دول الحصار الحظر عن الطيران القادم، والمغادر إلى قطر.
"التغيير" بدورها رصدت أبرز الحسابات في المملكة والقطرية التي نشطت في الأزمة بين البلدين، إذ لم تخفف من لهجتها تجاه الطرف الآخر.
واصلت الحسابات التابعة لآل سعود رمي قطر بتهم منها دعم الإرهاب، والعمالة لإيران وتركيا، مع توجيه سيل من الشتائم لأميرها وعائلته، زاعمين أن الدوحة هي من طلبت الوساطة الأمريكية لإنهاء مقاطتها.
فيما تقول حسابات قطرية؛ إن الرياض باتت في خطر مع وصول بايدن إلى السلطة، ومن ثم تنازلت عن شروطها الـ13 للدوحة، وستجبر على المصالحة دون أي شرط، مع احتمالية وجود اتفاق شفوي لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي بين الجانبين.
العمري قال إن المصالحة ستكون "هدنة للمعركة الفضائية، وقد يتبعها هدنة لإيقاف الذباب الإلكتروني".
ولفت إلى أن "فتح الحدود والمجال الجوي يحتاج إلى وقت، حتى ينسى الشعب أكاذيب الديوان الملكي لمشاريع مكب النفايات وقناة سلوى ومشاريع الترفية، على ضفتيها بحسب الخرائط والمجسمات المنشورة".
وكانت أحدث الجدالات بين آل سعود والقطريين عبر "تويتر" تمحورت حول كتاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إذ ذكر مغردون أنه وجه انتقادات لاذعة لأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فيما الحقيقة كانت أنه لم ينتقد قطر، بل انتقد المملكة في الكتاب عدة مرات، بحسب ناشطين.
يشار إلى أن جهود المصالحة الخليجية وصلت إلى أعلى مستوياتها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، بوساطة كويتية وعمانية (قبل رحيل صباح الأحمد والسلطان قابوس)، إذ شاركت دول الحصار بكأس الخليج في قطر بعد قرار مسبق بمقاطعتها، وخفت حدة التراشق الإعلامي، مقارنة بتزايد حضور الطرفين لاجتماعات مشتركة.
إلا أن تلك الجهود سرعان ما تبددت مع مطلع العام الحالي 2020، وعاد التراشق الإعلامي بين الطرفين إلى ما كان عليه بالسابق.
وكان رئيس "البيت الخليجي للدراسات والنشر"، عادل مرزوق، رأى أن الحديث عن مصالحة خليجية شاملة يبدو "ضربا من الخيال"، مضيفا أنه لا يعتقد أن إعادة بناء الثقة بين الدوحة والرياض وأبوظبي ستحدث بضغطة "زر"، على حد قوله.
وقال مرزوق في تصريحات سابقة لـ"التغيير"؛ إن الوساطة الكويتية وحتى العواصم الخليجية المتصارعة تسعى إلى "تبريد الأزمة" والحد من توحشها على المنصات الإعلامية، مضيفا أن "مثل هذا الإنجاز يمكن أن يبنى عليه لاحقا".
ورأى عادل مرزوق أن حد تعقيدات الأزمة في محور "الدوحة-أبوظبي"، أثّر سلبا على "الهدنة الإعلامية"، وترشيد الخطاب وضبطه بين الدوحة والرياض، خلال الفترة الماضية.
ارسال التعليق