بعد ظهورها للعلن.. هل تتزايد الخلافات بين السعودية والإمارات؟
التغيير
يُنظر إلى العلاقات بين المملكة ودولة الإمارات على أنها قائمة على تحالف قوي، باعتبار أن بينهما بعض الملفات المُتفق عليها، مثل حرب اليمن وأزمة الخليج، وغيرها من القضايا المختلفة.
لكن بين الحين والآخر تخرج معلومات عن تأزم داخل التحالف الاستراتيجي بين المملكة بقيادة محمد بن سلمان، والإمارات بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بسبب قضايا مختلفة، وأن ذلك التحالف يُخفي وراءه العديد من الملفات الشائكة بين البلدين.
وتشير بعض المعلومات إلى أن الخلافات ربما تتصاعد بشكل كبير، ما سيؤدي بالتأكيد إلى حدوث تغييرات جوهرية في التحالف بينهما، ليُطرح سؤال عما إن كان الخلاف مجرد تبادل أدوار أو اختلافاً مؤقتاً في الرؤى؟
خلافات اقتصادية
دائماً ما تكشف وسائل إعلامٍ عن خلافات بين الرياض وأبوظبي، كان آخرها ما نشرته وكالة "رويترز" عن شعور المملكة بالإحباط من الإمارات بسبب رفضها تخفيض إمدادات النفط؛ وهو ما أدى إلى تأجيل اجتماع المنظمة يومين للبت في استراتيجية "أوبك" وحلفائها "أوبك بلس".
ونقلت الوكالة، مطلع ديسمبر 2020، عن مصادرها في المنظمة أن الإمارات خرجت هذا الأسبوع من تحت جناح نفوذ آل سعود في "أوبك"، مشيرة إلى أنه بسبب هذا الإحباط عرض وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان التنحي عن منصب نائب رئيس لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في "أوبك".
وعُرض منصب نائب الرئيس على الإمارات لكنها لم ترغب فيه، فيما أفاد أحد المصادر بأن الوزير مستاء للغاية، لكنه لن يخرج عن التوافق.
كما نقلت الوكالة عن مصادر أخرى قولها: إن "الإمارات ترى ضرورة أن تلتزم الدول ذات الإنتاج الزائد بالتخفيضات المحددة لها، والتعويض عن الإنتاج الزائد من قبل".
وأضافت المصادر أن موقف الإمارات زاد التعقيدات بعدما اشترطت أبوظبي التزام الدول الأعضاء بتعهداتها بشأن تخفيضات الإنتاج لكي تؤيد التمديد.
خلافات استخبارية باليمن
في أواخر نوفمبر 2020، حصل "التغيير" على معلومات تتحدث عن رفع قيادة القوات التابعة لآل سعود المنضوية ضمن التحالف في اليمن تقارير تدعو لإعادة "ترتيب صلاحيات المراكز الاستخبارية التابعة للدول المشاركة في التحالف وبشكل رئيس مع دولة الإمارات".
وكشفت التقارير التي رفعت في شهر أكتوبر الماضي، من قبل ضباط من المملكة، عن خلافات واسعة وتضارب في التنسيق بين جهاز الاستخبارات التابع للمملكة ونظيره الإماراتي "أدى الى تراجع دقة العمليات العسكرية التي تستهدف أنصار الله في اليمن".
ومن بين تلك المعلومات "طلب العميد في الجيش عبد الرحمن مسعودي، بشكل رسمي من قيادة وزارة الدفاع التي يرأسها محمد بن سلمان، "ضرورة البدء بفصل النشاط الاستخباري للمملكة عن النشاط الاستخباري الإماراتي".
وأشارت المعلومات التي حصل عليها "التغيير" إلى أن الضابط أوضح في أحد تقاريره المرفوعة إلى المكتب الخاص لبن سلمان أن جهاز الاستخبارات الإماراتي "بدأ يتعمد تمرير معلومات للتحالف العربي تفيد بوجود مواقع لتنظيمات إرهابية".
وأضافت: "عقب تعامل التحالف مع هذه المواقع وفقاً للمعلومات والإحداثيات الواردة من قبل الطرف الإماراتي تبيّن أنها مواقع تابعة للجيش اليمني".
تباين ملحوظ
يرى المحلل السياسي اليمني كمال السلامي أن التباين بين الموقفين الإماراتي وموقف آل سعود في اليمن "كان ملحوظاً في كثير من الملفات والمراحل خلال السنوات الست الماضية"، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية كانت في "رفض وتجاهل المملكة ولو حتى الإشارة لذلك التباين".
ويؤكد لـ"التغيير" أن الإمارات عملت من البداية ضد أهداف المملكة ، "وأنشأت مليشيات جنوبية مناطقية، واستهدفت الجيش اليمني أكثر من مرة، ويبدو أنها قدمت معلومات مغلوطة لغرفة عمليات التحالف نتج عنها ضرب الجيش اليمني".
وأشار أيضاً إلى أن الإمارات "مصدر عبور للسلاح وقطع غيار الطائرات المسيرة، وكذا تحويل أموال أنصار الله عبر شركات إيرانية، وفقاً لتقارير أممية"، موضحاً أن العلاقات الإماراتية الإيرانية "غير عادية على الرغم من أن طهران حليفة أنصار الله".
وأضاف: "كل هذا كان ملحوظاً من البداية، لكن الرياض رفضت الإشارة إليه رسمياً؛ باستثناء بعض الأصوات لمحللين وأكاديميين وبعض النشطاء في المملكة الذين لطالما حذروا من خطورة دور الإمارات".
وتابع: "لو أضفنا ما حدث أمس في منظمة أوبك، وخذلان الإمارات الرياض، وشعور الأخيرة بالخذلان، يتضح أن التباين لم يعد يمكن إخفاؤه، وبات من الواضح أن أجندة أبوظبي مختلفة عن أجندة الرياض، وأن الأخيرة على وشك أن تفقد نفوذها في اليمن في الوقت الذي تعمل فيه الإمارات على تثبيته بقوة المليشيات".
أما أسباب إصرار المملكة على تجاهل دور الإمارات السلبي فيعتقد السلامي أن ذلك يعد "انعكاساً لحالة التيه الذي تعيشه الرياض".
مهاجمة الرياض
ولعل الخلافات لم تكن وليدة اللحظة؛ بل بدأت خلال العامين الأخيرين، وكان أبرز ما فجرها منتصف 2019 إعلان أبوظبي انسحاباً جزئياً لقواتها من اليمن، وهو ما أجج الخلافات الداخلية بينهما، بعدما شعرت الرياض بأن الإمارات تنوي ترك المملكة وحيدة في ساحة المعركة، وتواجه الانتقادات الدولية للانتهاكات الكبيرة بحق المدنيين هناك.
ولم تتوقف الخلافات عند ذلك الحد، بل وصلت إلى حد دفاع الإمارات عن أنصار الله وإيران، ومهاجمة الجهات الرسمية في المملكة، واتهامها بالتسرع في اتخاذ قراراتها.
وفي 21 أغسطس الجاري، سرب موقع بريطاني تقريراً رسمياً لدولة الإمارات ينتقد رد المملكة على هجوم طائرات أنصار الله المسيرة، في إشارة جديدة إلى حجم الخلافات الحاصلة بين أبوظبي والرياض.
وذكر موقع "ميدل إيست آي" أنه اطلع على وثيقة أعدتها المخابرات الإماراتية تنتقد فيها ردة فعل المملكة على الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط في منطقة الخليج.
وتعتبر الوثيقة الإماراتية أن الإعلام في المملكة كان متسرعاً في الإشارة بأصابع الاتهام إلى أنصار الله، وهو ما اعتبر "دليلاً على عدم حرفية هذا الإعلام"، كما اتهمت الإمارات في الوقت ذاته وزير الطاقة في المملكة، خالد الفالح، بأنه الذي قدم تفاصيل ووصفاً للهجمات إلى الإعلام.
الصراع على الزعامة
يشير المحلل السياسي المصري قطب العربي، إلى أن هناك تقارباً كبيراً بين الإمارات و المملكة في معظم الملفات الإقليمية والدولية، ولا سيما في التعامل مع القضية الفلسطينية و"إسرائيل" والإرهاب وجماعات الإخوان والجماعات الجهادية الأخرى وحرب اليمن.
وأوضح في حديثه لـ"التغيير" أن المملكة تتعامل باعتبارها الكبير في منطقة الخليج، وأن الجميع يجب أن يكونوا تابعين لها، لافتاً إلى أن هذا الدور "لا تقبله الإمارات، التي أصبحت تنافس المملكة نفسها على الزعامة في المنطقة"، معتقداً في الوقت ذاته أن ما تقوم به الإمارات "يزعج المملكة حتى ولو لم تعلن ذلك بشكل واضح".
وأضاف: "ربما استفاد الأمير محمد بن سلمان من الإمارات خلال الفترة الماضية في تسويقه دولياً، واستطاعت الإمارات أن تقوم فعلياً بتقديم هذه الخدمة الجليلة، وبالمقابل استطاعت أن تسيطر عليه نسبياً وعلى تحركاته وسياساته".
ويعتقد أن هذه السياسات "قد تزعج بعض الأطراف حتى داخل المملكة؛ لأنها تقزم من دور المملكة".
ويرى أن ثمة خلافات بين المملكة والإمارات؛ سواء في حرب اليمن، أو فيما يخص الملفات الإقليمية، موضحاً: "هناك قدر من التمايز بين الدولتين، وهو نتيجة حول الدور والريادة، حيث تريد الرياض أن يكون لها الدور، في حين تريد الإمارات أن تكون الرائدة بكل شيء؛ مثل التطبيع ومحاربة الإرهاب وملفات أخرى".
ويؤكد أيضاً أن ما تقوم به أبوظبي "يضر سياسة المملكة ، وهو ما يشعر به كثير من النخب والمسؤولين في المملكة، وبالتأكيد سيعمق الخلافات بينهم مستقبلاً".
ارسال التعليق