
استعدادات عسكرية أمريكية وعربية في اليمن
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
منذ توقف العدوان الصهيوني على غزة، وقبل ذلك على جنوب لبنان، والمشهد اليمني يشهد تصعيداً عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً على صعيد التحرك الأمريكي السعودي الاماراتي وعلى صعيد التحرك والنشاط الذي تواصله المرتزقة اليمنية، في تطور أوحى الى ان هذه الأطراف مجتمعة تستعد لشن حرب برية وجوية وبحرية ضد صنعاء، خصوصاً إن هذا التحرك تضاعف بعد هزيمة حاملة الطائرات الأمريكية (ترومان) بعد اصابتها مباشرة من قبل اليمنيين بصواريخهم المجنحة وبمسيراتهم الفتاكة، حيث أضطر الأمريكان الى سحب (ترومان) وإخراجها من ميدان المعركة قبل غرقها وإلحاق أكبر نكبة عسكرية بأمريكا وحاملات طائراتها العملاقة، والتي كلها أصيبت وانهزمت من الميدان!
فأمريكا بالذات سربت العديد من الأخبار حول نيتها التحشيد والاستعداد لشن حرب على صنعاء واحتلالها او على الأقل أضعافها بحسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين وزعمهم!
وبموازاة هذا التحشيد الأمريكي قرب اليمن وحتى في المناطق الواقعة تحت سيطرة مرتزقة التحالف السعودي، تحركت أمريكا على عدة أصعدة أخرى منها، تخريب اتفاق السلام بين صنعاء والسعودية، وهو الاتفاق الذي كان من المقرر إمضاءه والمصادقة عليه في مراسم خاصة، وعملية التخريب الأمريكي وتعطيل الاتفاق اعترف به ممثل الأمم المتحدة في اليمن صراحة، مؤكداً إن الإدارة الأمريكية أضافت شرطاً جديداً للاتفاق، وهو وقف هجمات صنعاء على السفن التجارية المبحرة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب نحو الكيان الصهيوني، وعلى السفن الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية، وهو ما رفضته صنعاء رفضاً قاطعاً... هذا من جهة ومن جهة ثانية، ضم الأمريكان حركة أنصار الله الى قائمة الإرهاب الأمر الذي ضاعف من تداعيات الحصار الاقتصادي المفروض على صنعاء. والى ذلك تحرك الأمريكان على مرتزقة السعودية في اليمن وجرى حشدهم وتحريضهم على مهاجمة صنعاء بالاشتراك مع واشنطن وتل أبيب، وانبرى من بين قيادات المرتزقة طارق عفاش قائد ميليشيا حراس الجمهورية وابن أخ الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ليكون رأس الحربة في الحملة البرية الأمريكية العربية على صنعاء!! وما يزال المرتزقة هؤلاء يبدون استعدادهم وانخراطهم في الحملة العسكرية البرية اذا قررت أمريكا وإسرائيل بدء الحملة، بل أكثر من ذلك ان هؤلاء المرتزقة يطالبون أمريكا بالتدخل وبدء الحملة العسكرية!! فقد دعا رشاد العليمي رئيس مجلس الرياض، في جلسة حوارية حول أمن البحر الأحمر، على هامش أعمال مؤتمر ميونخ للأمن الدولي، في 15/2/2025... دعا الى تدخل عسكري دولي لمساعدة سلطته للسيطرة على كامل تراب اليمن!! أي دعوة غير مباشرة للتدخل العسكري الأمريكي!! لأن التهديد بنظر العليمي للملاحة في البحر الأحمر سيظل قائماً ما دام الحكم مستتب في صنعاء، زاعماً إن الشرعية لا تدافع عن اليمن بل عن العالم أجمع!! أكثر من ذلك كشف هؤلاء المرتزقة ارتباطهم بالصهاينة والامريكان وتواجدهم في اليمن منذ عام 2003، أي منذ أن كان علي عبدالله صالح موجوداً ونظامه قائماً، حيث قال العليمي في نفس المؤتمر أنه سلم أمريكا في عام 2003 ملفات حول الحوثيين وارتباطهم بإيران، داعياً إياهم الى اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم!! مشيراً الى أنهم أي الأمريكان لم يكترثوا به ولا بوثائقه!!
وعلى هذه الخلفية والحماس الذي يبديه المرتزقة في الانخراط بأي عملية عسكرية، رفع إعلامهم من وتيرة الحرب النفسية وراح يعطي حتى توقيتات لبدء المعركة ولسقوط صنعاء واستردادها للشرعية وما الى ذلك!!
في الوقت ذاته، واصلت الإدارة الامريكية بحزبيها الديمقراطي والجمهوري الحالي ممارسة ضغوطها على القيادة السعودية من أجل الانخراط والتنسيق في هذا الاتجاه أي شن الحرب مع صنعاء، وقد توجت هذه التحركات والضغوط بلقاء وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان ونظيره الأمريكي بيت هيغسيث في واشنطن قبل أيام وبحضور السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، وحينها روج المحللون، إن قضية اليمن وشن الحرب على صنعاء باتت تمثل أولوية لدى المخطط الأمريكي سيما وأن العدو الصهيوني يدفع بهذا الاتجاه بقوة نظراً للضربات التي تلقاها خلال فترة عدوانه على غزة.
والى جانب الدفع الصهيوني بضرورة إنهاء تهديد صنعاء فأن الأمريكان يريدون من هذه الحرب تحقيق عدة أهداف منها:
1ــ الثأر لهزيمتهم في معركة البحر الأحمر مع صنعاء، وتمرغ كرامتهم بضرب سفنهم الحربية وحاملات طائراتهم، فكل الحاملات التي جلبها الأمريكان الى البحر الأحمر للمشاركة في المعركة البحرية قد ضربت وهربت مثل حاملة ايزنهاور وحاملة ابراهام لينكون وحاملة روزفلت وحاملة هاري ترومان، ذلك الى جانب اعترافات القيادات العسكرية الأمريكية بتفوق صنعاء في تلك المعارك تقنياً وعسكرياً وأنهم تمكنوا من تحقيق نصر كبير وإفشال الحماية الأمريكية للسفن التجارية المبحرة نحو العدو الصهيوني، بل وإفشال حتى الحماية الامريكية للسفن الحربية الأمريكية!!
2ــ جعل النظام السعودي متشبثاً بالإدارة الأمريكية تحت ضغط الحاجة للحماية الأمريكية من جهة ومن جهة أخرى تحت ضغط الحاجة للتزود بالأسلحة الأمريكية لاستمرار المعركة مع صنعاء، وهذا من شأنه يعني استمرار تدفق أموال البقرة السعودية على أمريكا واستمرار مصانعها العسكرية بالإنتاج وبأعلى طاقاتها والقضاء على البطالة هناك!
3ــ محاولة الولايات المتحدة السيطرة على اليمن برمته، فالسيطرة عليه كما هو معروف تعطيها موقعاً استراتيجياً وتمنحها ميزات في غاية الأهمية، لعل منها السيطرة على الثروات الطبيعية البكر في هذا البلد مثل النفط والغاز وبقية المعادن الثمينة، وللإشارة إن أمريكا باشرت فعلاً بإرسال فرق استكشافية عن النفط والغاز والمعادن الى مأرب وحضرموت والمهرة وبقية المحافظات اليمنية... ذلك إضافة الى إن الموقع اليمني يشرف على الممرات والبحار المائية كمضيق باب المندب، والذي يسيطر على هذا الموقع يمنحه تحكماً وسيطرة علی التجارة العالمية وبالتالي التأثير بشكل وآخر على اقتصاديات العالم وفرض ضرائب وماليات على مرور السفن، خاصة التابعة للصين ولبقية الدول التي تعتبرها أمريكا منافساً تجارياً واقتصادياً لها!!
4ــ ولأن اليمن يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، فأن السيطرة عليه تمنح الإدارة الامريكية فرصة ثمينة لإقامة القواعد العسكرية على أراضيه وعلى جزره المنتشرة على البحر الأحمر والمشرفة على أفريقيا وللإشارة فأن دويلة الأمارات قطعت شوطاً كبيراً في تأسيس المنشآت العسكرية ومطارات في الجزر اليمنية التي تسيطر عليها مثل جزيرة سقطري وعبد الكوري وحنيش، حيث استقرت في بعضها قوات بحرية وبرية عسكرية أمريكية وصهيونية ، ما يعني إن إقامة مثل هذه القواعد على الأراضي اليمنية تفوقاً عسكرياً وهيمنة عالمية، ومنح أمريكا قوة إضافية في مواجهة روسيا والصين وايران والهند، وسيطرة وهيمنة تشمل منطقة الشرق الأوسط او ما يطلق عليه منطقة غرب آسيا، بالإضافة الى أفريقيا!!
5ــ ترى واشطن، إن الحاجة الى دفع السعودية والامارات ومرتزقتهما لاستئناف العمليات العسكرية براً وجواً وبحراً ضد صنعاء، ضرورة ملحة لأنها بنظر الاستراتيجيين الأمريكان والصهاينة تحقق لهم أمرين في غاية الأهمية:
الأول: ويتمثل بانشغال صنعاء في معركة داخلية عن مناصرة أهالي غزة الذين خذلهم كافة العرب والمسلمين، في حال استأنف العدو الصهيوني عدوانه عليهم، اذ أعلنت صنعاء أكثر من مرة وعلى لسان كبار قياداتها إن أيديهم على الزناد سوف يستأنفون قصفهم واستهدافهم لمواقع ومراكز العدو الصهيوني حال عودته الى عدوانه على القطاع...
الثاني: فهو يتمثل في استنزاف قوة صنعاء وبالتالي إضعافها، مما يحد ذلك بنظر الأمريكان من تحديهم لأمريكا وللصهاينة ويمنعهم او يردعهم عن الاستمرار في معاركهم البحرية مع أمريكا وفي استهدافهم لمراكز الصهاينة في عمقهم الجغرافي والاستراتيجي!!
على إن أمريكا ورغم أنها عطلت اتفاق السلام بين السعودية وصنعاء! ورغم أنه تمارس الضغوط تلو الضغوط على النظام السعودي لزجه في عدوان جديد على صنعاء... فإن السعودية ما زالت تتردد في الانخراط في هذا السيناريو... لأنها باتت تدرك إن استئناف الحرب مع صنعاء يمكن أن يؤدي الى نتائج عدة:
1ــ يمكن أن تؤدي الى تدمير منشآت النفط والغاز وبالتالي توقف الإنتاج النفطي ودخول الاقتصاد السعودي المعتمد أساساً على المردود النفطي والغازي دورة ركود او حتى انهيار يؤثر على كل مفاصل النظام السعودي، ما يجعله بحسب الخبراء عرضة للهزات الاقتصادية والأمنية وحتى السياسية، سيما وأن صنعاء سوف تزلزل بكل ثقلها العسكري والأمني في هذه المعركة كما وعد كبارها وجاء في تصريحاتهم التحذيرية والتهديدية للسعودية وضجيعتها الامارات إن هما انساقوا في المخطط الأمريكي الصهيوني... فهذه المعركة تعتبرها صنعاء معركة فاصلة ومصيرية وسوف تحدد طبيعة وتركيبة النظام القادم في اليمن، ولذلك هددت صنعاء مؤخراً إن مواجهتها للمرتزقة وللمنخرطين في العدوان الأمريكي الصهيوني أن حصل لا يقف عند دحر العدوان فحسب بل سيشمل تحرير كل اليمن من شماله الى جنوبه.
2ـ تتخوف السعودية من أن يؤدي الصراع الى اندحار وحتى انهيار المرتزقة والقوات السعودية وبالتالي السيطرة على أجزاء واسعة من السعودية سيما وأن اليمنيين يعتبرون جيزان ونجران وعسير هذه المحافظات الغنية بالنفط والثروات الطبيعية محافظات يمنية وأهلها يمنيون أقحاح، واذا كانت قوات صنعاء قد وصلت الى مشارف نجران في الحرب السابقة واسلحتهم لم تكن من الوفرة والتطور كما هو عليه الحال اليوم فبالتأكيد سوف تتقدم في عمق الجغرافيا السعودية اذا نشبت الحرب مجدداً...
3ــ النظام السعودي يدرك جيداً من خلال حضوره العسكري في حضرموت والمهرة وحتى عدن ومن خلال استخباراته ومن خلال سفيره في اليمن آل جابر، إن جبهة المرتزقة التي يراهن عليها الأمريكان والصهاينة جبهة ضعيفة ومفككة، تعصف بها الخلافات الداخلية بسبب اختلاف أجندات وطموحات كل فصيل، فهذا الاختلاف وصل الى حد الاقتتال البيني على المناصب والمراتب، ومحاولة الاستحواذ على المناطق التي يسيطرون عليها، والأخطر من ذلك كله هو الصراع السعودي الإماراتي على اليمن، فكل طرف يريد الهيمنة والريادة في السيطرة على المناطق الجنوبية وعلى مواردها النفطية والمعدنية وما اليها، وقد انعكس هذا الخلاف وهذا التنافس على مرتزقتهما فإلى الآن نشهد بين الحين والآخر مواجهات عسكرية دامية بينهما يسقط فيها العشرات من القتلى والجرحى... فكل هذه الخلافات والاختلافات في الاجندات جعلت الجبهة العسكرية للمرتزقة أضعف مما كان سابقاً بعكس جبهة صنعاء التي تشهد قوة وتماسكاً وتطوراً على صعيد تقنية الأسلحة وصناعة الصواريخ، باعتراف الأمريكيين والغربيين أنفسهم، الأمر الذي ضاعف من مخاوف السعودية من أن اندحار الجبهة المناوئة لصنعاء حتمي...
4ــ النظام السعودي لا يتوفر لديه الاطمئنان الكامل للحماية الأمريكية في ضوء التجارب السابقة واللاحقة، فقد خذلته واشنطن عندما تعرض لضربة موجعة لشركة أرامكو في أكبر حقولها أي حقلي خريص وبقيق، حيث توقف نصف إنتاج النفط السعودي، وذلك في كان في عهد الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترامب نفسه، ثم تجربة الخذلان الترامبي لأوكرانيا وتركها فريسة للدب الروسي بوتين!! وإذلال رئيسها زيلنسكي أشر ذلة في البيت الأبيض الأمريكي! ولذلك ليس ببعيد اذا تعرضت السعودية الى ضربات تؤدي الى انهيارها، إن أمريكا والصهاينة سيكونان أول الطامعين في تقسيم وتجزئة الأراضي السعودية، سيما وأنهما لوحا باحتلال الجزء الجنوبي من السعودية!!
5ــ يضاف الى ذلك، إن السعودية تتخوف من أن تتحول الحرب الى حرب استنزاف تؤدي في النهاية الى سقوط النظام السعودي ولذلك وعلى خلفية هذه المخاوف من تلك النتائج المحتملة، سارع السفير السعودي محمد آل جابر العائد من واشنطن بعد أن شارك في لقاء وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان مع نظيره الأمريكي... سارع الى الذهاب الى مسقط حيث يتواجد وفد صنعاء لطمأنة حكام صنعاء ولأحياء خطة السلام بين الطرفين، وإعطاء إشارة بأن السعودية ترفض الزج بها في حرب جديدة ضد صنعاء، وكان آل جابر قبل ذلك قد التقى السفير العراقي في اليمن قيس العامري لنفس الغرض، حيث قيل إن السعودية توسط العراق لدى صنعاء أولاً لتهدئة التوتر مع السعودية، وثانياً لإحياء عملية السلام بين الطرفين تلك التي جمدتها أمريكا خلال المدة الماضية.
ارسال التعليق