
الأبعاد التي حملتها زيارة خالد بن سلمان لطهران
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي...
نظر بعض المحللين والخبراء الى زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الأخيرة (في 17/4/2025) الى طهران، بأنها تطور مهم ومؤشر على تحسن العلاقات بين السعودية وطهران، بل ذهب البعض منهم الى اعتبار الزيارة وما تضمنته من لقاءات ابن سلمان مع المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً اللقاء الذي حصل مع المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي، بالإضافة الى إشادة المسؤولين من كلا الطرفين بهذه الزيارة...
نقول: ذهب البعض من هؤلاء المحللين الى اعتبار الزيارة بأنها تحول استراتيجي في علاقات السلطات السعودية مع دول الإقليم... فالمحلل السياسي علوي عبد الجبار، نقل عنه موقع الخليج أون لاين رؤيته "بأن زيارة ابن سلمان الى طهران تمثل تحولاً لافتاً في العلاقات الإقليمية، وتأتي ضمن مسار استراتيجي للتقارب بين السعودية وطهران، لا يمكن فصله عن التصعيد الأمريكي الأخير في اليمن والزيارات المتبادلة بين العواصم المؤثرة".
وفي الحقيقة نتفق نظرياً مع هؤلاء المحللين في الكثير مما ذهبوا إليه حول هذه الزيارة ومعانيها، فهي كانت مهمة من حيث التوقيت ومن حيث الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة والعالم، ومن حيث التحولات الاستراتيجية التي شهدتها المنطقة وما زالت تتفاعل تداعياتها وآثارها سلباً وإيجاباً، فمن ناحية التوقيت، جاءت الزيارة في الوقت الذي يواصل فيه العدو الصهيوني ارتكاب المجازر بحق أبناء غزة وحرب الإبادة من أجل إجبارهم على تركها والرحيل الى مصر أو الأردن او حتى الى دول أفريقيا كما اقترحت دويلة الإمارات ذلك، وجاءت الزيارة في الوقت الذي وصلت فيه المواجهة العسكرية بين اليمن من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى ذروتها مما ينذر باتساع نيران المواجهة فتحرق المنطقة برمتها، ذلك فضلا عن المفاوضات النووية حول البرنامج النووي الإيراني بين أمريكا وإيران والتي تتخوف السعودية والمنطقة من أن يكون مصيرها الفشل وبالتالي فتح كل الاحتمالات على مصاريعها خصوصاً المواجهة العسكرية بين طهران وأمريكا وإسرائيل، والتي يمكن ان تمتد لكل أرجاء المنطقة... كل ذلك وغيره مما يتطلب التنسيق والتعاون بين أكبر دولتين في منطقة غرب آسيا... أما من ناحية الظروف الاستثنائية، فالزيارة جاءت في الوقت الذي تشهد فيه المواجهة بين أوروبا وروسيا على خلفية الحرب الأوكرانية تصعيداً ملحوظاً، وكذلك التصعيد الأمريكي الصيني على خلفية الحرب الاقتصادية المحتدمة الآن بين الطرفين وكل هذه التوترات تركت في نفس الوقت تداعيات كثيرة على الوضع في منطقة غرب آسيا!!
وبخصوص التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، فمنها الاحتلال الصهيوني بجنوب سوريا والمذابح التي تقوم بها عصابات الجولاني بحق الطائفة الشيعية في سوريا، وكذلك التهديد الصهيوني بالتمدد الى العراق وكل سوريا في الوقت الذي أمتنع عن تطبيق القرار 1701 مع لبنان وظل يحتل خمس مناطق استراتيجية في الجنوب، ثم محاولة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو المحمومة لتوريط أمريكا في حرب مع إيران... كل ذلك وغيره مما يهدد الاستقرار والأمن في المنطقة مما يتطلب التنسيق والتفاهم بين السعودية وطهران من جهة ومن جهة أخرى يؤشر الى القلق المتزايد لدى القيادة السعودية على خلفية التطورات الأمنية والعسكرية التي شهدتها وتشهدها المنطقة، والتي جعلت ، النظام السعودي لا يطمئن للمستقبل في ضوء انكشاف الكثير من الأمور له، ومنها:
1ـــ السعودية رأت أو اتضح لها أن الهم الأمريكي الأول والأساسي هو حماية الكيان الصهيوني، بل وسعي الإدارة الأمريكية توظيف إمكانات الدولة السعودية لحماية وتمكين هذا الكيان من أن يكون القوة الأولى والمهيمنة في المنطقة، حتى لو أدى ذلك الى تدمير السعودية واستنزاف مواردها المالية والنفطية والعمرانية وكل شيء! وعلى أساس هذا التصور رفضت الحكومة السعودية تلبية الطلب الأمريكي الانخراط في حرب جديدة ضد الحوثيين لأقصائهم من المشهد اليمني باحتلال العاصمة صنعاء بحملة برية تشترك فيها السعودية والامارات إضافة الى مرتزقة اليمنيين بدعم جوي ولوجستي أمريكي غربي صهيوني!! وفي هذا السياق يقول بعض الخبراء إن "تقارب السعودية مع طهران، مدعوماً بتفاهمات أمنية واقتصادية، يقرأ أيضا في سياق تحييد الجبهات المشتعلة مثل اليمن، والانتقال نحو توازنات جديدة قائمة على الشراكة بدلاً من المواجهة، وأي انفجار عسكري في اليمن لن يكون بعيداً عن حسابات المواجهة الإقليمية الشاملة".
وهذا ما تسعى السلطات السعودية الى تجنبه بكل ما لديها من نفوذ وتأثير في المنطقة لأن اشتعال الحرب الإقليمية سوف يجرها الى المشهد وبالتالي تدمير مواردها الاقتصادية وبنياتها التحتية...
2ـــ اقتناع السلطات السعودية بسقوط مقولة (التحالف العربي العبري) لحماية الأنظمة العربية الحليفة مما يسمونه ويروجون له (الخطر الإيراني)! وجاء تعزيز هذه القناعة على خلفية تطورين مهمين، هما انكشاف هشاشة العدو الصهيوني وضعفه، بعد الضربات التي تلقاها من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومن الجيش اليمني ومن إيران في عمليات الوعد الصادق، ولو لا الحماية الأمريكية ونزول واشنطن بكل ثقلها العسكري في ميدان المواجهة والدعم لانتهى هذا العدو من الوجود وما زالت أمريكا تدافع عنه وتحميه وتحافظ عليه من السقوط والتلاشي والاقتلاع من الجذور! أما التطور الثاني فهو المبادرة الصينية عام 2023 التي أدت الى التقارب والتصالح بين طهران والسعودية، فمنذ هذه المبادرة وحتى اليوم تتطور العلاقات بين البلدين، بدليل تواصل وتبادل الوفود السياسية والعسكرية بين طهران والسعودية، فزيارة وزير الدفاع السعودي لطهران وهي زيارة لأرفع مسؤول سعودي لطهران سبقتها زيارات واتصالات بين مسؤولي البلدين، ففي الوقت الذي كان خالد بن سلمان في طهران كان مساعد الشؤون القنصلية في الخارجية الإيرانية وحيد جلالي زادة في الرياض للقاء عدد من المسؤولين هناك، وسبق هذه اللقاءات، زيارة رئيس هيئة الأركان السعودية الفريق أول فياض بن حامد الرويلي الى طهران، ثم التواصل الهاتفي بين وزيري الخارجية، عباس عراقچي وفيصل بن فرحان، ما يعني ذلك إمكانية التعاون بين الطرفين الإيراني والسعودي في كل المجالات، حتى على الصعيد العسكري، ولعل في الطابع العسكري للوفد السعودي برئاسة وزير الدفاع ما يؤكد هذا الأمر ويضاعف من أهمية الزيارة، وللإشارة أعلن ابن سلمان بعد لقاءه بالقيادات الإيرانية، طبقاً لما نقلته عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا) إنه جاء الى طهران "بجدول أعمال ينطوي على توسيع العلاقات مع طهران والتعاون في جميع المجالات"، معرباً عن أمله بأن تسهم الحوارات البناءة التي أنجزت في إرساء علاقات أقوى من الماضي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية" وإلى ذلك جاءت تصريحات المرشد الإيراني خلال لقاءه وزير الدفاع السعودي لتعزز القناعة السعودية بزيف وعدم واقعية مقولة (الخطر الإيراني) التي يرفعها ويرددها الصهيوني والأمريكي لابتزاز السعودية وبقية دول الخليج العربية ودفعها نحو الاستجابة لمشاريعها في المنطقة، وفي هذا الإطار قال المسؤول في مكتب المرشد الإيراني، مهدي فضائلي، إن قائد الثورة خاطب الوزير السعودي الضيف قائلاً: "قبل سنوات جلس عمك الملك عبد الله في هذا المكان نفسه، قلت له حينها إننا نرى العلاقة الودية مع السعودية تصب في مصلحتنا فاذا كنتم ترون إن ذلك يصب في مصلحتكم أيضا فيمكن للعلاقات ان تصبح راسخة ومتماسكة"... وأشار المرشد للضيف السعودي إن العدو وأمريكا هما اللذان يخلقان الأكاذيب والخلافات بين الطرفين، وقال: "لقد أشرتم بدقة الى ان الكيان الصهيوني يستفيد من الخلافات بين دول المنطقة، وعلينا أن نتغلب على هذه الدوافع العدائية" مؤكداً على أن تعزيز العلاقات بين البلدين يزعج ولا يروق للصهاينة والأمريكان، ولذلك يحاولان ويسعيان بكل الطرق الى إثارة الخلافات بين دول المنطقة، مبدياً استعداد إيران للتغلب على تلك الدوافع العدائية التي يثيرها الأعداء من أجل منع دول المنطقة من الاتحاد والتعاون فيما بينها!! أكثر من ذلك أكد المرشد استعداد إيران نقل تجاربها وتقدمها العلمي في كل المجالات الى السعودية، قائلا: "إن الجمهورية الإسلامية على استعداد لتقديم الدعم للمملكة العربية السعودية في المجالات التي حققت فيها التقدم" موضحاً إن تعاون الأشقاء واعتمادهم على بعضهم البعض الآخر أفضل من الاعتماد على الآخرين، قائلا: "إن تعاون الأشقاء في منطقة غربي آسيا أفضل بكثير من الاعتماد على الآخرين".
طمأنة الجانب الإيراني للسعوديين، ثم نسفهم للمقولات الزائفة للعدو ولأمريكا، عزز من القناعة السعودية او هكذا يفترض بأن الرهان على أمريكا والصهاينة رهان خاسر لأنهما يدفعانا للانخراط في حروب خاسرة ومدمرة، كما سيظلان يبتزان السعودية ماليا واقتصاديا وسمعة، ما يشكل تهديداً لمكانتها الإسلامية والعربية.
3ـ إن الحكومة السعودية وجدت أن تحسين علاقاتها مع إيران من شأنه أن يعزز فرص حل مشاكل المنطقة وازماتها من خلال تعاون الطرفين ونفوذهما في المنطقة ومن خلال الابتعاد عن المؤثرات والتدخلات الأمريكية والصهيونية، وأن حضور السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر مع الوزير السعودي يؤشر الى أزمة اليمن والخلاف مع الحوثيين، تشكل أولوية لدى القيادة السعودية فثمة مخاوف سعودية من احتمالات توسع المواجهة بين الحوثيين والولايات المتحدة الأمريكية التي اشتدت منذ أكثر من شهر على خلفية انتهاك العدو لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وفرض الحصار على أهلها وارتكاب المجازر اليومية بحقهم.
4ــ والأهم من ذلك يعتبر محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إن استقبال إيران لوزير الدفاع خالد بن سلمان، وقبل ذلك الوفود السعودية العسكرية والسياسية، كل ذلك من شأنه أن يعزز موقع محمد بن سلمان في السلطة ويمنحه المشروعية الإقليمية...
على أن هذه الرؤية المتفائلة، هل تجسد الحقيقة في سياسة النظام السعودي؟ وهل تعبر عن تغير في السياسة والاستراتيجية للنظام، كما ذهب الى ذلك الكثير من الخبراء والمحللين!؟ نحن نتمنى أن يكون هذا التوجه السعودي حقيقياً كما يرى هؤلاء الخبراء، لكن هناك ملاحظات تجعلنا نشكك في مصداقية هذا التوجه او على الأقل تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام!! ومنها أي من تلك الملاحظات:
1ـ لم تقرن السعودية هذا التحول المزعوم ، بتغيّر واضح في سياستها إزاء اليمن، بل على العكس تتعاون سراً مع أمريكا في تمكين الأخيرة من نهب ثروات الشعب اليمن، وفي تجزئة أو محاولة تشظية البلد وتمزيقه كما يتمثل ذلك في اقتطاع محافظة حضرموت تمهيداً لإلحاقها بالسعودية!! وهناك الكثير من الأمور التي يمكن الحديث عنها، لكن لا مجال لذكرها وكلها تثير الشكوك حول جدية النظام السعودي في هذا التغيير في سياساته!
2ــ أيضا لم يقرن النظام السعودي تحوله في سياساته باتخاذ مواقف متوازنة تجاه قضايا المنطقة فعلى سبيل المثال، ما زال يتبنى سياسة ورؤية منحازة بشكل فاقع لواشنطن وتل أبيب وضد مصالح الأكثرية في الشعب اللبناني، باعتبارها الحاضنة للمقاومة اللبنانية للاحتلال، وذلك ما يعترف به ويصرح عنه اللبنانيون او بعضهم صراحة، فالمفروض أن تقف السعودية على مسافة واحدة من كل الأطراف والا تنساق مع التوجهات الأمريكية والصهيونية إزاء لبنان، اذا كانت السعودية فعلاً تريد تغييراً حقيقياً في سياساتها الإقليمية والدولية!
3ـــ من الطبيعي، إن الأولى للنظام السعودي قبل أن يقرر التصالح مع محيطه الإقليمي لا بدّ أن يتصالح مع شعبه او على الأقل أن يقدم على مبادرات في هذا الاتجاه من مثل إطلاق سراح السجناء، خصوصاً سجناء الرأي وتقليل أحكام الإعدام، وإطلاق الحريات، وبينما الذي لاحظنا وحسب إحصاءات مراكز الإحصاء الأمريكية والغربية، إن ملاحقة المعارضة، وأحكام الإعدام، وتضييق الحريات زادت بشكل ملحوظ مما يتناقض ذلك مع سياسة الانفتاح السياسي التي يحاول النظام تقمصها في الآونة الأخيرة!!
4ـــ اذا كان النظام السعودي صادقاً في التحول نحو استراتيجية جديدة تبتعد عن أمريكا والصهاينة وتضع مصلحة شعب المملكة في المقام الأول، اذا كان صادقاً في ذلك، فمن المفروض أن يقوم بأبسط خطوة في هذا المجال وهي تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي، أو التي سميت مؤخراً منظمة التعاون الإسلامي وحشد مجموعة كبيرة من الدول الإسلامية والعربية تنتصر للشعب الفلسطيني ولو على الصعيد الإعلامي وممارسة الضغط على أمريكا والصهاينة، لردعهم عن مواصلة المجازر بحق الشعب الفلسطيني وبحق الشعب اليمني، وبغير ذلك فأن الحديث عن التحول الاستراتيجي للنظام يبقى بنظري ترفاً فكرياً وترويجاً إعلامياً لا يخدم إلا النظام نفسه.
ارسال التعليق