الأنظمة العربية المطبعة... وحرب غزة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
لعلنا لا نجانب الحقيقة، اذا قلنا معظم الأنظمة العربية، التي تولت الأمور في أكثر الدول العربية بعد مرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي للعالمين العربي والإسلامي، إنما جاءت بدعم المستعمرين الغربيين.. وجاءت لتكون ركيزة وقاعدة أساسية الى جانب الدعم الغربي بداية ثم الأمريكي للغدة الصهيونية التي زرعها المستعمرون في جسم الأمة الإسلامية، والعرب بشكل خاص في فلسطين المحتلة، ولذلك فالكثير من المحللين والخبراء التاريخيين المعاصرين والقدماء من البريطانيين خاصة يعتبرون النظام السعودي مثلا، الأخ الشقيق والتوأم السيامي للكيان الصهيوني، فالإنجليز دعمو عبدالعزيز بن سعود، لتأسيس الكيان السعودي في الجزيرة العربية من أجل دعم وليكون رافعة للمشروع الصهيوني وفعلاً اذا رجعنا الى الوراء أي منذ التأسيس نجد أن النظام السعودي وبقية الأنظمة العميلة، ومنذ نشؤها وحتى اليوم تؤدي دوراً أساسياً في دعم الكيان الصهيوني، وفي تمرير وتمويل وتبني كل المشاريع الرامية تقوية هذا الكيان واستمرار وجوده واستمرار مأساة الشعب الفلسطيني، والمحطات كثيرة في هذا المجال لا تسع لها مئات الكتب!! واذا كانت هذه الأنظمة تقوم بهذه الأدوار الداعمة للعدو ووقوفها في خندق المستعمرين، بشكل خفي خوفاً من ردة فعل الأمة، ولكن بعد عمليات التدجين لهذه الأمة، بدأت تلك الأنظمة تعمل وتؤدي أدوارها على المكشوف، كما سنرى بعد قليل...
على أي حال، المؤرخون والمحللون، دونوا لنا بعض مما قامت به هذه الأنظمة العربية العميلة من أدوار في دعم المستعمر الإنجليزي في تسهيل عملية تسليم فلسطين للصهاينة، من خلال دعم المستعمر ومن خلال التواطئي العسكري والخيانة، وذلك طبقاً لما سربته بريطانيا وأمريكا من وثائق ومراسلات وتفاصيل حول أحداث الفترة الماضية وحول ظروف قيام هذا العدو المشؤوم!! وطبقاً لما سربته المخابرات الدولية بعضها حول تأمر هذه الأنظمة... ولكن رغم أن هذا التآمر، كما سبق وأشرنا، يجري معظمة وراء الكواليس، فأن المحاور العامة التي تتحرك عليها سياسات وتوجهات هذه الأنظمة يمكن رصدها بسهولة، وهي بالمناسبة ما زالت تتحرك في إطارها الى الآن! ومنها ما يلي:
1ـ السماح للمستعمر البريطاني والمسؤول الأساسي وبدعم هذه الأنظمة عن قيام كيان الاحتلال في فلسطين... بإقامة القواعد العسكرية له في تلك الدول العربية كالسعودية والبحرين والامارات وقطر والكويت وحتى مصر والعراق، واستمر وجود هذه القواعد الى اليوم بعد أفول بريطانيا لكن حلت محلها الولايات المتحدة، فأصبحت القواعد العسكرية، قواعد أمريكية، بل وزادت هذه القواعد في عهد أمريكا، وتحتضن قطر أكبر القواعد العسكرية الأمريكية اليوم في المنطقة هي قاعدة العديد، بينما تحتضن البحرين الاسطول البحري الأمريكي الخامس، أكثر من ذلك ظل الجيش البحريني حتى عقد التسعينات يقوده جنرال بريطاني!! ومعروف للقاصي والداني إن وظيفة هذه القواعد العسكرية بالدرجة الأساسية هي حماية الصهاينة وحماية المصالح الاستعمارية في تلك الدول، وضرب أي حركة شعبية في أي من الدول العربية في المنطقة تتطلع الى التحرر من الاستعمارين البريطاني والأمريكي، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى وتكفي الإشارة الى أن الطائرات الأمريكية الاستراتيجية والبريطانية والصهيونية، تقلع من هذه القواعد في السعودية وقطر والامارات لضرب المدن اليمنية، أما قيادة القوة البحرية التي تخوض العدوان ضد القوات اليمنية المدافعة عن غزة، فمقرها، أي هذه القيادة، في البحرين، والتي يطلق عليها القيادة المركزية!!
2ـــ محاربة الأفكار والمشاريع، والبيئات السياسية والاجتماعية والثقافية الرامية الى توحيد جهود الشعوب العربية والأمة الإسلامية في إطار مواجهة الاستعمار وغدته السرطانية (الكيان الصهيوني) فعندما طرحت مصر (المشروع القومي) في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في حقبة الستينات من القرن الماضي لتحرير فلسطين تصدت له السعودية بـ (الفكرة الإسلامية) ومارست دوراً ضخماً في إسقاط هذا المشروع فكراً وتحركاً عمليا على أرض الواقع حتى تلاشى وانتهى، وعندما انتصرت ثورة إيران في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وانبرى الكثير من المفكرين والمنظرين الى إحياء المشروع الإسلامي وتحشيد الأمة على أساس هذا المشروع، ووجهت هذه الفكرة بضراوة، وانبرت السعودية أيضا لاحياء فكرة القومية لعزل الدول العربية عن تأثير المشروع الإسلامي الناهض في ايران، ولما لم تنجح في محاصرة هذا المشروع عمدت الى إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية، لتكون هذه الفتن حاجزاً ومانعاً من تأثيرات واشعاعات هذا المشروع على الأمة في المنطقة العربية والإسلامية، ذلك الى جانب تشويه هذا المشروع واعتباره فارسيا ويستهدف السنة والعرب وما الى ذلك، بل وترجم هذا التشويه عملياً عبر إطلاق قطعان السلفية، مسلحة بفتاوى علماء دين السعودية، للفتك بالمسلمين الشيعة، وكل من يخالفهم، قتلا وذبحاً وتمثيلاً لتشويه الإسلام وإعطاء صورة دموية مغايرة عن صورته المحمدية النيرة... كما لاحظنا في العراق ولبنان وسوريا وليبيا وباكستان وغيرها...
وبموازاة ذلك تثار بين الحين والآخر الخلافات الحدودية، وإثارة التوتر بين العراق والكويت، بين الكويت والسعودية، بين السعودية وقطر، بين السعودية والامارات، بين السعودية واليمن، بين مصر والسودان، بين المغرب والجزائر، بين سوريا ولبنان، وهكذا وضع الاستعمار البريطاني صواعق تفجير بين هذه الكيانات يفجرها عبر هذه الأنظمة كلما دعت الحاجة لاستنزاف الأمة ولأشغالها عن قضاياها المصيرية ومستقبلها ومنها القضية الفلسطينية.
ذلك الى جانب إجهاض هذه الأنظمة كل حركة تحرر والمسارعة الى القضاء عليها وعدم السماح لها بالنمو بكل الوسائل الإعلامية والعسكرية وما إليها!! وهذا ينطبق أيضا على أي دولة عربية تبرز كقوة عسكرية في المنطقة، حتى لو كانت تحت سلطة نظام عميل فأغلب هذه الأنظمة سرعان ما تتمرس مع القوى الاستعمارية لإجهاض هذه القوة العسكرية، فمثلاً وقفت السعودية ودول الخليج الى جانب العدوان الثلاثي على مصر، بل وكان لهذه الدول دور المشاركة في تدمير الجيش العراقي، كما أن حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق، أعترف صراحة بأن قطر والسعودية مولتا وقادتا المجاميع الإرهابية التي هاجمت سوريا وتدميرها في عام 2011 وعلى مدى عقد من الزمان وهكذا وحتى الحروب اللاحقة كالحرب على لبنان عام 2006، حيث اعترف ايهود أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك بأن السعودية كانت تقف في خندق العدو دعما ومساندة وتحريضاً للقضاء على المقاومة... والأمثلة كثيرة!! من مثل حرب العدو على المقاومة الفلسطينية في غزة عامي 2012 و2014!!
3ـــ وعندما فشلت أمريكا وبريطانيا في القضاء على المشروع الإسلامي في المنطقة الذي شكل القاعدة الأساسية لمشروع المقاومة في المنطقة، عبر التشويه وعبر الحصار والاجهاض كما مر بنا في الحديث عن إطلاق القطعان التكفيرية... وأيضا عندما سجل مشروع المقاومة محطات مشرقة في تاريخ الأمة من جولات وجولات مواجهة مع المشاريع الأمريكية الصهيونية ومشاريع الأنظمة العملية، وسجل فيها انتصارات ساحقة في جنوب لبنان وفي غزة وفي العراق وفي سوريا، قامت أمريكا والانجليز بتحشيد هذه الأنظمة وتوظيف قطعانها المجرمة القطعان التكفيرية الى جانب الكيان الصهيوني، وبدأ التحرك على محاور مختلفة فكرية، حيث لأول مرة طرحت فكرة (الخطر الإيراني) على الدول العربية! وحاولوا تعزيز وزرع فكرة إن (يران) أخطر من (العدو الصهيوني) على العرب، حتى إن عدداً كبيراً من الكتاب والمحللين العرب المأجورين تبنى هذه الفكرة فضلا عن مفكري ومحللي الأنظمة العملية، ثم انتقلوا بهذه الفكرة الى إن ما يسمونه الخطر الإيراني هو أكبر من الخطر الصهيوني على العرب ولذلك لا بدّ من التحالف مع الصهاينة ضد المشروع الإسلامي!! وعلى أساس الترويج لهذه الفكرة انطلقت مشاريع التطبيع الإبراهيمية، وأصبح التحالف ومفرداته تجري على المكشوف وذلك ما تجلى بوضوح في العدوان الصهيوني على غزة حالياً! لنتوقف بصورة سريعة مع تخندق الدول العربية مع العدو في هذه المواجهة الضارية مع مشروع الأمة مشروع المقاومة...
الأنظمة العربية وتخندقها مع العدو في مواجهة المقاومة في غزة والمنطقة:أكدت المعطيات الميدانية الموثقة صهيونياً الدور الداعم لأنظمة الخليج للكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يواصلها على أهل فلسطين، وعلى أهل لبنان واليمن وسوريا والعراق وخصوصاً الإمارات فقد تميزت الإمارات بشكل لافت في تقديم الدعم بكل أشكاله للعدو في هذه المحرقة التي يواصلها بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة!! لدرجة إن الكاتب الاماراتي طارق العتيبة، أشاد وبكل وقاحة وتحد لمشاعر الأمة، بهذا المستوى المتقدم من العلاقات بين بلده وبين الصهاينة وقال ومعلقاً على تهنئة الامارات للعدو بمناسبة عيد الفصح اليهودي "لدى العالم العربي الكثير ليتعلمه من الامارات، السلام الدافئ مع إسرائيل هو نموذج يحتذى به في المنطقة" فهذا الكاتب متأسرل الى حد العظم ويطالب بقية الدول العربية بالاحتذاء بالأمارات من ناحية هذه (الاسرلة)!! أنه فعلاً نموذج الذي باع شرفه وشرف بلاده بثمن بخس!! وأضاف هذا المتأسرل قائلاً: "إن الاماراتيين والإسرائيليين أصبحوا أصدقاء بنية صادقة وليس بدافع المصلحة وهكذا ينبغي أن يكون الأمر"!! وكمصداق على تلك الحميمية الإماراتية تجاه العدو التي يتحدث ويتفاخر بها العتيبة، استقبلت الأمارات وزير الخارجية الصهيوني غدعون ساعر في الوقت الذي يواصل فيه العدو المجازر وحرب الإبادة بوحشية سافرة بحق الشعب الفلسطيني في غزة... كما إن الامارات تحولت الى مكان ترفيهي لمجرمي العدو من الجيش والضباط!! كما بات ذلك معروفاً... فضلا عن إن العدو جعل من الامارات منصة للتمدد المخابراتي والعسكري والأمني نحو المنطقة وأفريقيا أيضاّ!! إجمالاً يتوزع الدعم العربي للعدو على محاور ومستويات كثيرة نشير الى أهمها:
1ـــ الدعم الإعلامي للعدو، وذلك بتجاهل المذابح التي يقترفها في غزة والتعتيم على بشاعتها ودمويتها خوفاً من إثارة الرأي العام، بل أكثر من ذلك تبريرها، وتحميل حركة حماس مسؤولية وقوعها!! وتبرئة العدو منها!! ثم توظيف هذه المجازر في تشديد الحرب النفسية ضد الأمة، من خلال إخافتها وإرعابها، وأيضا تبني المصطلحات الصهيونية في الخطاب الإعلامي في توصيف هذه المجازر...
2ـــ الدعم الاقتصادي، وأشار إليه الإعلام الصهيوني بالأرقام، وقبل فترة صرحت وزيرة الاتصالات الصهيونية بأن السعودية والامارات والأردن، ساهمت هذه الدول في كسر الحصار الحوثي الذي فرضه على الكيان الصهيوني عبر تحويل البضائع الى الموانئ الإماراتية ونقلها عبر شاحنات سعودية وإمارتية واردنية عبر طرق برية لتلك الدول الثلاث ومن ثم الى فلسطين المحتلة... وللإشارة قدرت المصادر الصهيونية هذا النوع من الدعم بالمليارات من الدولارات!!
3ـــ دعم العدو في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وإجباره على ترك غزة، بهدف تنفيذ مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامي الى إخلاء قطاع غزة من أهلها... وفي هذا السياق كشفت صحيفة ميدل إيست آي البريطانية إن الأردن اقترح المشروع الذي كان المسؤول الأمني الصهيوني (غال هيرش) قد طرحه سابقاً، ويقضي بترحيل قيادة حماس مقابل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة دفعة واحدة وتسليم القطاع لجماعة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية!!
وهذا المشروع يعني تصفية المقاومة نهائياً والقضاء عليها! أما الأمارات فتحركت على ما يسمى بدولة أرض الصومال لإقناعها باستقبال فلسطيني غزة، وهو ما كشفه الإعلامي المصري إسامة جاويش حيث أكد أن الإمارات تعمل على خطة لتهجير سكان غزة الى جمهورية أرض الصومال!
4ـــ الدعم العسكري الذي تقدمه بعض الدول العربية للقوات الأمريكية البحرية في البحر الأحمر وللقوات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً السعودية والأمارات ويبدأ هذا الدعم من اعتراض الصواريخ اليمنية الذاهبة نحو العدو وصواريخ المقاومة الى تقديم المعلومات الاستخبارية عن فصائل وساحات المقاومة لأمريكا وللعدو كما تفعل الأمارات والأردن والسعودية ومصر، فضلاً عن البحرين... الى المشاركة في ذبح الفلسطينيين في غزة كما اعترف الصهاينة صراحة بمشاركة طيارين إماراتيين وبحرينيين في قصف الأهالي العزل في غزة!!
5ـــ والى جانب الدعم العسكري والدعم الاقتصادي الذي قال العدو وبالإحصاءات الرقمية أنه تضاعف خلال عدوان العدو على غزة، لا سيما من الأمارات والبحرين ومصر والسعودية وقطر... نقول بالإضافة الى كل هذا الأنواع من الدعم للعدو تمارس هذه الأنظمة الضغوط تلو الضغوط على حركة حماس وبقية الفصائل المقاومة من أجل القبول بنزع سلاحها مقابل وقف العدوان على غزة، أي الاستسلام للعدو، ذلك بدلاً من أن تتبنى هذه الأنظمة استراتيجية مواجهة للعدو لإنقاذ الفلسطينيين ومعاقبة العدو!! وفي هذا السياق كشفت مصادر خاصة لصحيفة رأي اليوم الإلكترونية إن دولاً عربية، لم تسمها قدمت مقترحاً سريا لحركة حماس للموافقة على نزع سلاحها او مغادرة قطاع غزة حتى لو كان بشكل مؤقت، ومقابل ذلك ستوقف إسرائيل عدوانها الدامي على القطاع وسكانه، الذي شهد تصعيداً خطيراً ومجازر كبيرة ما زالت متواصلة في الآونة الأخيرة!! وكل ما تقدم يؤكد ما بدأنا به وهو إن هذا الأنظمة بعمالتها وانحيازها للعدو تعتبر ركنا أساسياً الى جانب الدعم الغربي الأمريكي لإسرائيل، في مأساة الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة!!
ارسال التعليق