
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه السعودية
[هادي الاحسائي]
ما ان قررت الولايات المتحدة الأمريكية سحب عدد من بطاريات الصواريخ "باتريوت" من السعودية، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة وعسكريين أميركيين، حتى بدأت التحليلات حول أسباب هذا الأمر وجميعها ربطت سحب هذه البطاريات بالحرب النفطية بين السعودية وروسيا والتي أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الأمريكي، ولكن قد يكون هناك أبعاد أخرى لما أقدمت عليه واشنطن.
أولاً: ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية لايبدو أنه سيغير من استراتيجيتها تجاه السعودية بشكل مطلق، لأن العلاقات بينهما معقدة أكثر من ذلك، صحيح أن الولايات المتحدة غاضبة من السعودية لما قامت به خلال حرب النفط لكن هذا لن يغيير من سياستها تجاه المملكة بشكل مطلق، فالولايات المتحدة لا تزال بحاجة السعودية في خططها الاستراتيجية التي تعمل عليها في الشرق الاوسط، ومنها سياسة الضغط الأقصى على ايران، وفي نفس الوقت تستطيع واشنطن تأمين مبالغ طائلة لشعبها من آل سعود عبر صفقات الأسلحة التي تعقدها معها.
مؤخرا مضت السعودية في هذا الاتجاه لامتصاص الغضب الأمريكي، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الأربعاء الماضي منح شركة بوينغ الأميركية عقدين بقيمة تزيد على ملياري دولار، لتوريد أكثر من ألف صاروخ جو أرض وصواريخ مضادة للسفن إلى السعودية. ثانياً: الولايات المتحدة أرادت فقط من خلال سحب بطاريتي الصواريخ تحذير السعودية واخبارها بأن واشنطن لها الكفة الأرجح في العلاقة وهي سيدة اللعبة، هذا من جهة ومن جهة اخرى تريد "حلب" المملكة والحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال للتعويض عن الخسارة التي اصابت الاقتصاد الامريكي، وكل هذا على حساب المواطن السعودي، لأن الضرائب والقيمة المضافة يتم تطبيقها على الشعب وليس على الامراء الذين ينعمون بقصورهم وتأتيهم آلاف الدولارات شهريا على طبق من ذهب دون أن يحركوا ساكنا.
النقطة الثانية أن استراتيجية واشنطن في المنطقة لا تزال نفسها، فهي لم تعيد الباتريوت الى واشنطن بل قامت بنقلها الى كل من "الاردن" و"اسرائيل" و"العراق".
ثالثاً: هيلاري كلينتون وضمن حملتها الانتخابية لرئاسة الجمهورية في العام 2008، قالت : "إن على الولايات المتحدة أن تقلل اعتمادها على النفط من السعودية فيما يتعلق بواردات النفط من الخارج"، في ذلك الوقت كانت السعودية تصدر 25% من نفطها الى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن انخفضت هذه النسبة الى 10% في العام 2019، ومن المتوقع ان تنخفض اكثر بكثير هذا العام، وهذا يأتي ضمن استراتيجية الولايات المتحدة لتنويع مصادر استيرادها للنفط وتقليل اعتمادها على السعودية، وقد زاد استيرادها للنفط بنسبة 40% من كندا و37% من المكسيك.
هذا الأمر دفع نحو تغيير العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض فيما يخص أسواق النفط، وبالتالي لم تعد السعودية شريكة استراتيجية للولايات المتحدة في اسواق النفط، ومن هنا انخفض ارتباط واشنطن بالرياض بينما زاد تعلق الأخيرة بالولايات المتحدة الامريكية، ومحاولات ارضاء ال سعود الأخيرة للرئيس الامريكي دونالد ترامب من خلال شراء صفقات اسلحة جديدة هي خير دليل على ذلك.
رابعاً: يجب ألا ننسى انه في العام 2016 أقر مجلس الشيوخ الأمريكي، اقتراح قانون يتيح لضحايا اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ملاحقة المملكة العربية السعودية قضائيا، لدورها المفترض في هذه الاعتداءات، وقبلها بعام وجه مجلس الشيوخ اتهامات استفزازية مباشرة للملك سلمان والامير تركي الفيصل بمساعدة منفذي الهجوم على برجي التجارة العالميين.
منذ هذا التاريخ وحتى اللحظة الولايات المتحدة تعمل على تغيير سياستها بشكل تدريجي تجاه السعودية، ولكنها لن تتخلى عنها في القريب العاجل نظرا للمصالح الامريكية المتوخاة من هذه العلاقات، ولطالما ان الولايات المتحدة الامريكية متواجدة في الشرق الاوسط لحماية ما تسميه مصالحها الاقتصادية وامدادات النفط ستبقي على علاقتها مع المملكة، على اعتبار انها لاتزال دولة غنية بإمكانها "حلب" اموالها، والاهم انه بامكانها استخدام اراضيها لشن حملات عسكرية على هذه الدولة او تلك دون ان تدفع دولارا واحدا، ولكن في نفس الوقت واشنطن تعلم ان الامور لن تبقى هكذا وان هناك سياسة عالمية جديدة تعيش مخاض الولادة ولن يكون للسعودية دور كبير فيها، لذلك بدأت الولايات المتحدة الامريكية بالانسحاب رويدا رويدا من علاقتها الاستراتيجية مع السعودية مع الحفاظ على شعرة معاوية.
ارسال التعليق