
العدو الصهيوني يتحرك لتقسيم سوريا.. فهل ستتصدى الأنظمة العربية له
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
مشروع إقامة ما يسمى (إسرائيل الكبرى) مشروع قديم جديد منصوص عليه في توراتهم، حيث تأمر اليهود بقتل العرب!! وبقر بطون نسائهم الحوامل، وقتل الأجنة!! وإقامة "دولتهم التي تمتد من النيل الى الفرات".. ولذلك فأن هذه الأحلام والأوهام التوراتية ظلت تراود الصهاينة وقياداتهم منذ قيام كيانهم الغاصب على أرض فلسطين وحتى اليوم، فكلما وجدوا فرصة سانحة لهم لتحقيق هذه الأحلام، استجمعوا قوتهم وجندوا القوى العظمى للوصول الى هذا الحلم! فقد تمددوا في حرب الـ 67، حرب حزيران وسيطروا على الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى الجزء الشرقي من القدس بالإضافة الى أجزاء من الجولان السوري، وسيناء المصرية!! وحاولوا في حرب الـ 73 . كما بشروا بتغيير الشرق الأوسط في حرب 2006 مع حزب الله اللبناني، حيث جاء ذلك على لسان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية يومذاك.. لكنهم هزموا في تلك الحرب... وفي الحرب الحالية أعلن نتنياهو ولأكثر من مرة، عن إقامة (الشرق الأوسط الجديد)! وأطلّ علينا وزير ماليته بتسيئل سمورتيتش مبشراً بإقامة إسرائيل الكبرى"! محدداً ومشيراً الى خريطتها بحيث تضم لبنان والأردن وسوريا وجزء من تركيا والعراق والسعودية وتمتد لتضم مناطق واسعة من مصر حتى تصل العاصمة القاهرة!!
واللافت إن الجديد في هذا المشروع ليس التحرك الصهيوني الحالي العسكري والسياسي نحو تحقيقه، وإنما الجديد هو الحديث عنه بشكل علني وبنبرة تحدي ووقاحة يشيران الى أن المسؤولين الصهاينة لا يكترثون لأي ردة فعل لا من الأنظمة العربية ولا من الشعوب العربية!! وذلك ما شجع العدو على التحرك بدون حراجة ووجل، وبأريحية كاملة لإنجاز أو لمحاولة تحقيق أوهامه التوراتية في إقامة مشروع ما يسمونه (إسرائيل الكبرى)، ففي هذا السياق أكدت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية إن إسرائيل تبحث مقترح لجنة دولية تقسيم سوريا الى كانتونات وذكرت الصحيفة إن هذا الموضوع طرح في جلسة مقلّصة برئاسة وزير الدفاع الإسرائيلي (يسرائيل كاتس) وخلالها جرى بحث عدة أمور! وادعت تلك الصحيفة إن هذه المداولات.. "تأثرت بالخشية على سلامة الأقليات في المنطقة ومن تزايد التدخل التركي"!! وذكرت الصحيفة العبرية أن التحرك الصهيوني على هذا الصعيد يجري على قدم وساق، اذ سيشارك بنيامين نتنياهو في الاجتماعات والمناقشات. وزعمت أيضاً إن القيادات الصهيونية قلقة على سلامة الاقليتين الدرزية والكردية في المنطقة!! وقد اقترح وزير وعضو الكابينت إيلي كوهين، العمل على الدفع الى "مؤتمر دولي بشأن سوريا، حيث يتم بحث مشروع تقسيم سوريا الى كانتونات، بحسب اقتراحه الذي نقلته صحيفة إسرائيل هيوم!!
ورجحت مصادر أمنية للصحيفة، أن المؤتمر قد يكون إحدى الطرق لبقاء جيش الاحتلال الصهيوني في المناطق التي توغل بها، إضافة الى اعتبار إن المؤتمر من شأنه (إعادة تشكيل سوريا وحدودها).
وبدلاً من أن تكون هناك ردة فعل عارمة سواءً من الأنظمة العربية، أو من قبل الشعوب العربية، وجدنا إن بعض وسائل الإعلام العربية روجت للمشروع متماهية مع وسائل الإعلام الصهيونية!! الأمر الذي جعل نتنياهو يستشهد ويطري على هذا التماهي، ويعتبر دعماً وتأكيداً على تحقيق وعوده، لشذاذ الآفاق في الأرض المحتلة، وفي هذا السياق، أعاد نتنياهو نشر برنامج بثته القناة الـ 14 العبرية، تناولت فيه تقريراً للقناة الإماراتية (سكاي نيوز) يتحدث عن تمكن نتنياهو من تشكيل شرق أوسط جديد. وعلق نتنياهو على حسابه بمنصة أكس على التقرير بالقول "الانتصار الإسرائيلي في الإعلام العربي... لقطات جديدة يجب أن تشاهدها".
وكانت مذيعة قناة سكاي نيوز قد زعمت في مطلع التقرير قائلة "إن إسرائيل فجرت الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر، وأعادت خلط الأوراق ورسم التوازنات انطلاقاً من غزة الى لبنان وسوريا، والآن إيران هدف إسرائيل التالي"!! وأضافت زاعمه "نتنياهو عازم على تنفيذ خريطته التي حملها في مجلس الأمن للشرق الأوسط الجديد"!! ما يعني هذا النوع من الخطاب الإعلامي العربي بل وحتى السياسي هو عملية تسويق مجانية للمشروع الصهيوني الآنف، فالعدو يريد أن يثبت قناعة لدى الشعوب العربية والإسلامية، ورغم هزيمته النكراء أمام المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، مفادها إن العدو "انتصر" في هذه المعركة، وأن مشروع (إسرائيل الكبرى) بات واقعاً يتحرك على الأرض!! وإن العدو بدلاً من هزيمته في طوفان الأقصى، أصبح قريباً من تحقيق حلم إسرائيل الكبرى وهذا النوع من الخطاب تعكسه وسائل الاعلام الصهيونية وكذلك الأوساط السياسية يكاد يكون بشكل يومي تقريباً، حيث يمكن للمتابع أن يرصد ذلك بوضوح، فحتى نتنياهو في مقابلته مع صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية يصر على أنه حقق (الشرق الأوسط الجديد) الذي وعد به. ويقول كنت ادافع عن (النصر الكامل)، فقالوا إنه لا يوجد شيء اسمه النصر"!!
ويبدو أن الأنظمة العربية وإعلامها وخصوصاً المطبعة منها مع العدو صدقت بمقولة العدو الأنظمة!! هذا أولاً..
وثانياً: أن تصديق تلك الأنظمة بهذه المقولة وانعكاس ذلك في وسائل إعلامها، ثم سكوتها عن تحركات العدو الصهيوني في هذا الاتجاه، وفرّ للأسف فرصة مهمة للعدو في تسويق مقولته ومحاولته زرع اليأس والإحباط والهزيمة النفسية في نفوس الشعوب العربية والإسلامية، ومحاولة لحملها على الاستسلام والتسليم لما يريده الكيان الصهيوني!! ولتعزيز هذه الهزيمة سارع العدو الى تدمير القوة العسكرية السورية، بل تدمير كل البنية العسكرية من قوة صاروخية ومن دبابات وأسلحة ثقيلة وخفيفة ومن مراكز أبحاث عسكرية ومصانع عسكرية، ومن مضادات للطائرات والصواريخ، ومنظومات أيضاً متطورة استوردها النظام السوري السابق من روسيا، وأعترف المسؤولون الصهاينة أنه لم يبق في سوريا سوى الأسلحة الخفيفة!! أما باقي مرتكزات القوة التي بنيت على مدار عقود من الزمن فقد دُمرت كاملاً على يد العدو، وفضلاً عن ذلك فأن العدو أحتل وأشغل مساحة من الأراضي والمناطق السورية، تعادل مساحة لبنان، وكل ذلك يحصل على مرأى ومسمع من الأنظمة العربية وشعوبها الخانعة دون أن يكون هناك ولو احتجاج أو رفض أو تهديد للعدو، على العكس من ذلك، أن نتنياهو كان قد صرح بأن بعض الدول العربية وعلى رأسها النظام السعودي ساعدت الكيان الصهيوني في ما أسماه مساعي هذا الكيان لإقامة ما يسميه (إسرائيل الكبرى)!! وشرح نتنياهو بعض أشكال هذه المساعدات السرية والعلنية، منها المساعدات الاقتصادية والعسكرية وأهمها المساعدات الاستخبارية حيث اعترف نتنياهو بماهية المعلومات الاستخبارية التي قدمتها هذه الدول الخليجية، ومنها معلومات عن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وعن أنفاق المقاومة وعن قياداتها ومعلومات استراتيجية أخرى، ومن الجدير الإشارة في هذا السياق وتأكيداً لتصريحات نتنياهو قالت الصحفية الأمريكية كاثرين إن نظام السيسي يزود العدو بالمعدات العسكرية والاعتدة التي استخدمها في عدوانه على لبنان وقطاع غزة!! فيما فضح البروفسور الإسرائيلي الكسندر بلاي المتخصص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية، عمق العلاقات غير المعلنة بين السعودية والعدو، وتحدث عن استثمارات إسرائيلية ضخمة في مشروع (نيوم) السعودي على سواحل البحر الأحمر، وأوضح بلاي ان التعاون بين السعودية والكيان يتعدى ما هو معلن، مؤكداً إن السعودية تعتمد سلاماً صامتاً مع إسرائيل، مشابهاً للتعاون الذي كان قائماً مع الأردن قبل توقيع اتفاق وادي عربة عام 1994. وأكد البروفسور إن "إسرائيل استثمرت حوالي 12 مليار دولار في مشروع نيوم الذي تسعى السعودية لتطويره، مما يعكس تنامي التعاون الاقتصادي بينهما خلف الكواليس"، وأشار الى إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يبدي انفتاحا غير مسبوق على العلاقات مع إسرائيل ويشجع على تبادل الزيارات التجارية والاقتصادية، مما يعكس تغيرً جذرياً في السياسة السعودية تجاه إسرائيل!! والى ذلك، أصدر الصحفي الأمريكي الاستقصائي، بوب وودورد، في 15 أكتوبر الماضي، كتابه الجديد، والذي أحدث ضجة واسعة واطلق عليه البعض كتاب الفضائح، ومن خلال مئات الساعات من المحادثات السرية التي أجراها وودورد مع عدد كبير من المسؤولين في البيت الأبيض الأمريكي، يكشف كتابه عن تورط قادة عرب في دعم الاحتلال الإسرائيلي بالحرب على غزة!! ونقل الكاتب عن أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي قوله بعد لقائه الملك الأردني بعد عملية طوفان الأقصى، عن الملك قوله "حذرنا إسرائيل) من حماس، حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل أن تهزم حماس، لكني لا استطيع قول ذلك علناً" كما نقل بلينكن، بحسب وودورد، عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قوله: "كان على إسرائيل أن لا تأمن لحماس، وقد حذرنا نتنياهو من ذلك مراراً، فحماس هي جماعة الإخوان المسلمين.. الجماعات الإرهابية لا تحاول القضاء على إسرائيل فقط بل تريد الإطاحة بزعماء عرب آخرين، ونحن قلقون من تداعيات ما تقوم به إسرائيل في غزة على أمننا جميعاً، وما سيأتي بعد حماس قد يكون أسوأ، فداعش جاءت بعد القاعدة وهي أسوأ منها"... وما نقله بلينكن عن محمد بن زايد يتطابق مع قول الملك الأردني عبدالله الثاني بمطالبته بضرورة القضاء على حماس، لكن أخطر ما نقله وزير الخارجية الأمريكي هي نصائح وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس المخابرات عباس كامل لنتنياهو، والتي قال فيها شكري، يجب على إسرائيل أن لا تدخل غزة برياً دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها يقطعوا رقابهم" وبالفعل نقل بلينكن نصائح شكري وكامل لنتنياهو! وحينها قال بلينكن للصهاينة "الشيء الوحيد الذي سمعته من اصدقائكم العرب مراراً وتكراراً هو أنهم يدعمون ما تقومون به لكنهم لا يستطيعون قول ذلك علناً".
ثالثاً: مما تقدم يتضح إن الأنظمة العربية، ما هي إلا أدوات من خلالها يحاول القادة الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو تحقيق أوهامهم وأحلامهم التوراتية الى وقائع على الأرض!! ولكن رغم الإخفاقات والانكسارات التي تعرضت لها الشعوب العربية والإسلامية، فسوف تبقى هذه الشعوب سداً منيعاً أمام هذه التحركات والعقبة بوجهه، حتى وأن بدأ العدو قد حقق بعض النقاط على هذا الصعيد، وأكبر دليل على انكفاء وفشل المساعي الصهيونية في الاتجاه المشار اليه، هو هزيمة العدو في لبنان أمام المقاومة أولاً، ثم هزيمته ثانياً في غزة، حيث اعترف الصهاينة صراحة بفشلهم واخفاقهم، وتبخر وعود نتنياهو بإقامة مشروعه (إسرائيل الكبرى) الى ثبات، فيما افتضحت خيانة الأنظمة العربية والإسلامية الذليلة.
ارسال التعليق