
بين أحلام المطبعين والنوايا الإسرائيلية تجاه هذه الدول
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
لعل المتابعين والمحليين يتذكرون الى ما قبل تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الأخيرة بشأن السعودية، كيف إن محمد بن سلمان واعلامه وبقية المطبعين في الخليج يرسمون لنا مستقبلاً للمنطقة في ظل التطبيع واندماج العدو في نسيج المنطقة، صوراً وردية حول ما يسمونه "الرضا والتقدم الاقتصادي" وحول الاستقرار السياسي، والتخلص من الأزمات في المنطقة!! وقد شكلت هذه الآمال وهذه الوعود دافعاً ومبرراً قوياً لابن سلمان وللبقية أيضا لإنجاز عملية التطبيع مع الصهاينة.. فابن سلمان صرح مراراً وتكراراً إنه جاهز للتطبيع مع العدو حتى بعد توقف حرب غزة واعتراف العدو ولو شكلياً بإقامة دولة فلسطينية، بل وذهب ابن سلمان الى أبعد من ذلك عندما بدأت وسائل اعلامه تروج الى مقولة إنه تجاوز معضلة قيام (دولة فلسطينية)!! إنه بمجرد توقف الحرب العدوانية على غزة سيكون النظام السعودي بقيادته جاهزاً لإنجاز صفقة التطبيع، بتبرير إن هذا التطبيع يحقق للسعودية مزايا وفوائد جمة!! وإنه سوف يصب في مصلحة السعودية!! ولاحظتم حماس الذباب الأخضر السعودي عندما طالب ترامب بتقديم (خاوة) بمقدار 500 مليار دولار، كاستثمار في الولايات المتحدة، أبدى استعداده بتقديم 600 مليار دولار!! الأمر الذي رفع طمع ترامب الى ترليون دولار!! ذلك في إطار صفقة تطبيع واسعة النطاق، مع الترويج الصهيوني الأمريكي والسعودي لوعود الحماية الأمريكية الصهيونية للنظام السعودي، تحت سقف تحالف أمريكي صهيوني سعودي!!
أكثر من ذلك، كان الذباب الأخضر من محللي واعلامي النظام السعودي يدافعون دفاعا مستميتاً عن التطبيع والتحالف السعودي مع العدو الصهيوني، ويعتبرون إن فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية فرصة استثنائية لتحقيق (الوعود والاحلام الوردية) المشار إليها على أرض الواقع!! بل ويهاجمون بعبارات قاسية جداً، وبنعوت مشينة كل من يقول لهم إن هذه الوعود والأحلام مجرد أوهام وإن العدو لا يتخلى عن عدوانيته لان تركيبته وتكوينه التاريخي والفكري وحتى الديني قائمة على العدوان (وقتل الاغيار) والاستيلاء على أرضهم وثرواتهم وما الى ذلك كثير!! ورغم إن العدو الصهيوني قدم بعض الأدلة على نواياه في التخريب الثقافي والاقتصادي لكل من مصر والأردن، من خلال تجربتي التطبيع المصري والأردني معه، إلا إن المحللين السياسيين والإعلاميين السعوديين ظلوا يكابرون وينكرون هذه الحقائق بالرغم من إن النظام المصري في عهد حسني مبارك أعلن صراحة أنه اكتشف اكثر من 20 شبكة تجسس وتخريب ثقافي وافساد زرعها الموساد الإسرائيلي في المجتمع المصري، عبر واجهات التطبيع الثقافي لان كامب ديفيد تنص صراحة في أحد بنودها على (التطبيع الثقافي بين الطرفين)... وهناك الكثير والكثير الذي يمكن أن يقال في هذا السياق... ومع ذلك ظل المطبلون للتطبيع من فريق ابن سلمان من الذباب الأخضر وحتى من المسؤولين السعوديين السابقين يتغنون بالتطبيع مع العدو ويبشرون بمستقبل زاهر للنظام السعودي في ظل التطبيع، فحتى تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق والسفير الأسبق للسعودية في واشنطن، وأيضا مهندس التطبيع مع الصهاينة كان يقول: ما معناه "أنه لفرصة ابتهاج وانشراح الصدر أن استقبل أخي الإسرائيلي ـ قاتل الفلسطيني العربي والمسلم!! ـ في الرياض او في أي مدينة سعودية واحتسي معه القهوة العربية"!!
واذا رجعنا الى كتابات ومقالات تركي الحمد وطارق الحميد وعبد الرحمن الراشد وغيرهم كثير، تجدون هذه المقالات تعج بالثناء على التطبيع مع العدو، وتزينه وتسويقه على الأمة لتمهيد الطريق لابن سلمان، وحتى هذه الأخير لم يتردد في الإعلان ولأكثر من مرة بأنه على استعداد لإعلان التطبيع مع العدو في اليوم التالي لتوقف العدوان الصهيوني على غزة رغم كل هذا الدمار الهائل والقتل الفظيع والتشريد، وكل المذابح والمآسي التي ارتكبها العدو بحق الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة!!
وظل الأمر على هذا المنوال كما هو معروف لكل المتابعين حتى الصفعة الأخيرة التي وجهها نتنياهو لابن سلمان ولكل فريقه المطبل لتسويق التطبيع، في لحظة غضب واستعلاء وزهو واستكبار بقوله وبلغة التحدي إن النظام السعودي سيطبع بدون أي شرط ـ وشرط إقامة الدولة الفلسطينية تعلنه القيادة السعودية ولو في حدود الكلام والوعود، لتسويق إعلان التطبيع مع العدو أمام الجماهير العربية في داخل المملكة السعودية وخارجها الرافضة لهذا التطبيع.
نتنياهو قال: ستطبع السعودية بدون أي شرط، أي إنها ستطبع بالقوة! نتنياهو لم يتوقف عند هذا المستوى من التحدي الخطير، وإنما صرح بما هو أخطر من ذلك، بدعوة النظام السعودي الى استقبال أهالي غزة ومنحهم الأرض لإقامة دولتهم الفلسطينية معتبراً إن السعودية تمتلك أراضي شاسعة وبإمكانها إقامة مثل هذه الدولة على أراضيها... وجاءت هذه التصريحات في الوقت الذي يضغط فيه دونالد ترامب الرئيس الأمريكي لتهجير أهالي غزة الى كل من مصر والأردن، وإخلاء القطاع من أهله ضمن مخطط يهدف بحسب ترامب الى توسيع (إسرائيل) لأنها بحسب رأيه تبدو صغيرة على الخارطة!! ولذلك فأن تصريح نتنياهو لا يعبر عن لحظة غضب، وحسب، وإنما يكشف بما لا يقبل الشك، وهذا ما أقر به بعض المحللين السعوديين أنفسهم، وهو إن السعودية في قلب المخطط الأمريكي الصهيوني الرامي الى تجزئة وتقسيم المنطقة الى دويلات على أسس طائفية وعرقية ودينية وجغرافية متصارعة من أجل السيطرة عليها واستغلال ثرواتها، وهذا ما كنا قد حذرنا منه، وهو من أهداف عملية التطبيع مع العدو، والتي كان المطبعون ودعاة التطبيع ينكرونها ويعتبرونها عملية تخويف وتهويل من هذا الأمر!! وإليكم بعض مما قاله الخبراء والباحثون السعوديون الذين كما قلنا، كان أغلبهم يطبل للعدو وللتطبيع معه، بعدما كشف نتنياهو حقيقة المخططات الصهيونية الأمريكية للمنطقة وللسعودية تحديداً... ففي هذا السياق وصف الكاتب والمحلل السياسي مبارك العاتي، تصريحات نتنياهو بأنها "متهورة وعدوانية وغير مدروسة..." وبعد أن أوضح إن هذه التصريحات عرت وكشفت نهج اليمين الصهيوني، وتجاهله لحقائق التاريخ والجغرافيا، قال: "إنها أي تلك التصريحات كشفت، التوجهات الإسرائيلية، وداعميها من القوى الكبرى تجاه الدول العربية الفاعلة وتحديداً المملكة".. أما الكاتب والباحث في العلاقات الدولية محمد الحبابي فقد قال: "إن تصريحات نتنياهو تأتي في سياق محاولة لصرف الأنظار عن فشله في إعادة كامل المحتجزين الإسرائيليين – أي الأسرى الصهاينة – وفشله في إقناع الشارع الإسرائيلي بقدرته على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"... وهنا من الجدير الإشارة الى إن وسائل الاعلام السعودية وعلى رأسها قناتا العربية والحدث، كانتا تتباهيان بالنصر الذي حققه نتنياهو في غزة، وتتشمتان باستشهاد قادة المقاومة لدرجة إن هاتين القناتين استحقتا تسمية بجدارة من قبل رواد التواصل الاجتماعي والمتابعين بأنهما قناتان عبريتان لخدمتهما الإعلامية الجمة لمشروع العدو الصهيوني ولتبريرهما عمليات القتل والتدمير البشعة التي ارتكبها العدو الصهيوني في غزة وفي لبنان وحتى في الضفة الغربية!!
هذا أولاً: وثانياً: أقرت الأوساط الإعلامية والسياسية في السعودية بأن تصريحات نتنياهو تعبر عن توجه وتفكير متطرف، وهو ما كنا نحذر منه وما كان يؤكده الباحثون والمحللون في المنطقة، إن العدو يمثل نمطاً من التكوين التاريخي والفكري والديني قائم على أساس القتل وإبادة الأغيار واغتصاب ارضهم والسيطرة على ممتلكاتهم واستغلال ثرواتهم، ويستخدم هذه العدو ما يسميه (السلام) والتطبيع لتحقيق هذه الأهداف، فيما يرد الاعلاميون والسياسيون السعوديون على هذه التحذيرات بأنها (خرافية) وغير حقيقة، وما الى ذلك من التوصيفات غير اللائقة!! ففي هذا السياق شن مهندس التطبيع السعودي تركي الفيصل... هجوماً عنيفاً وغير مسبوق وصل لحد الهجوم الشخصي على نتنياهو حيث وصفه بالشخص العنجهي وأسلوبه المقزز!! وقال الفيصل: "إن نتنياهو يفتقر الى كل مبادئ اللياقة" وإن فكرته لتهجير الفلسطيني الى السعودية غير مقبولة ومستحيلة... ولم يقصر هجوم الفيصل على نتنياهو فقط بل طالب ترامب واعتبر تصريحاته بشأن تهجير أهالي غزة نوعاً من الغطرسة والاستعلاء... داعياً الدول العربية الى الوقوف صفاً واحداً لأفشال هذه المخططات... من جانبها وزارة الخارجية السعودية ردت على تصريحات نتنياهو مؤكدة تطرف العقلية الصهيونية المتمثلة بنتنياهو، ومما جاء في بيان الخارجية بهذا الخصوص هذه العقلية المتطرفة المحتلة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين وارتباطه الوجداني والتاريخي والقانوني بها" وتابع البيان إن "هذه العقلية المتطرفة المحتلة دمرت غزة بالكامل وقتلت وأصابت 160 ألف فلسطيني، أكثرهم أطفال ونساء، دون أدنى شعور إنساني او مسؤولية أخلاقية".
على إن الهجوم الأعنف على نتنياهو جاء من الأوساط الإعلامية السعودية فعلى سبيل المثال إن القناة الإخبارية السعودية الرسمية وصفت نتنياهو بأنه الوجه القبيح للاحتلال! وقالت "الاحتلال ليس له وجه طيب وآخر قبيح بل هو وجه واحد يتمثل في نتنياهو..." ووصفت القناة نتنياهو بأنه "صهيوني بن صهيوني" مشيرة الى إن التطرف جزء من تراثه العائلي. وقالت "بنيامين نتنياهو ورث التطرف جينياً، حيث كان جده حاخاماً متطرفاً، ووالده كاتباً صهيونياً أكثر تطرفاً"! وفيما أقرت القناة بأن جرائم نتنياهو ازدادت كماً وقسوة على مدى العقود الثلاثة الماضية فأنه شخص "لا يعي للسلام معنى ولا قيمة ولا يرى سوى الدم ولا يخاطب الآخرين إلا بالألة العسكرية"! مؤكدة إن سياساته تعكس عقلية متطرفة ترفض الحلول السلمية وتعتمد على العنف كأداة وحيدة للتعامل مع الخلافات"! وثالثاً: إن الإعلام السعودي لم يكتف بالهجوم على نتنياهو ووصفه بالمتطرف والدموي فحسب، إنما طال هذا الهجوم الرئيس الأمريكي وسياسة أمريكا الاستعمارية فالكاتبة السعودية وفاء الرشيد كتبت في صحيفة المدينة مقالاً، أوضحت فيه إن "تصريحات ترامب الأخيرة كشفت لنا الوجه الحقيقي للسياسات الاستعمارية الأمريكية، حيث اقترح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة الى الدول المجاورة، متجاهلاً كل القوانين والأعراف الدولية وساعياً لتنفيذ نكبة جديدة تحت غطاء مشاريع التجميل الاستيطانية"... ورددت الكاتبة وفاء ما كان يقوله المعارضون للتطبيع والتحالف مع أمريكا والصهاينة حيث قالت "نحن أبناء المملكة نؤمن بأن هذه الأمة قادرة على استعادة عزتها اذا امتلكت الإرادة، واذا تصدت لمشاريع التفريط والخيانة، واذا تمسكت بثوابتها التي لا تشترى ولا تباع"... من جهته الكاتب زيد الفضيل كتب في صحيفة مكة مقالاً أشار فيه الى أنه: "في اللحظة التي ينتظر فيها الشعب الفلسطيني في غزة أن تقود الولايات المتحدة قافلة البناء تكفيراً عن صمتها المخزي بل وتأييدها لجرائم الحكومة الإسرائيلية"، يأتي الرئيس دونالد ترامب ليعلن نيته بتهجير المضطهدين المقتولين الى مصر والأردن بحجة إعادة إعمار غزة"...
وهكذا جاءت ردود الفعل للذباب الأخضر وبقية الكتاب السعوديين حتى أنهم بدوا أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم!! ولكن السؤال يبقى هو هل الانقلاب في الموقف السعودي هو موقف أساسي يبنى عليه، أم أنه مجرد موقف عابر وردة فعل غاضبة، وسوف تعود الأمور الى طبيعتها السابقة!؟ ويبدو إن هذا الانقلاب ردة فعل عابرة ومؤقتة بدليل:
1ـ شخصنة التطرف والإجرام الصهيوني، أي اعتبار نتنياهو رجل متطرف وليس جزءاً وتمثيلاً لمؤسسة صهيونية كاملة من ألفها الى يائها، فنتنياهو هو تعبير عن هذه المؤسسة الإرهابية تكوينا وفكراً وتاريخاً، أما تجريم نتنياهو وتبرئة تلك المؤسسة فذلك يعني الشيء الكثير، ومن ذلك الاحتفاظ بخط التواصل مع هذه المؤسسة الإرهابية!!
2ـ ما زال النظام السعودي يراهن في حملته على ما سماه (السلام العادل) مع العدو رغم أنه دعا الى رص الصف العربي لمواجهة الغطرسة التي عبر عنها نتنياهو...
3ـ في حملته الإعلامية والسياسية لم نرَ أي اقتراح او دعوة سعودية لقطع العلاقات وإيقاف التطبيع مع العدو بل على العكس أكد الذباب الأخضر السعودي تمسك السلطات السعودية بالتطبيع، ولكن بشرط قيام دولة فلسطينية!!
4ـ رغم اعتراف الذباب بالبعد الاستعماري لتصريحات ترامب وغطرسته، وتأكيده أيضا على التأريخ الاستعماري والاجرامي لأمريكا بحق الشعوب الأخرى، إلا أنه أي تلك الذباب لم يدعو الى قطع التعامل مع هذا الكيان الاستعماري الداعم للعدو، بل أكد فقط على ضرورة التأثير على القيادة الأمريكية لتستمر العلاقة الاستراتيجية بين السعودية وواشنطن!! وكل ذلك هو ما جعل ترامب ونتنياهو يستخفان بالعرب وبالسعودية خصوصاً ولم يقيما لهم أي وزن!!
ارسال التعليق