
تجدد العدوان الثلاثي على اليمن... هل سينجح ترامب في تثبيت استباحة المنطقة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
حماية للكيان الصهيوني، ورداً على إحياء الحوثيين لمعادلة الحصار بالحصار على العدو الصهيوني، شنت أسراب من الطائرات الأمريكية والبريطانية وكذلك الطائرات الصهيونية في عدوانا واسع النطاق، استهدف بحسب البيان الأمريكي (مراكز حوثية حساسة) و(مواقع قيادية)، ومنصات إطلاق صواريخ ومسيرات، على حد ما جاء في البيان الأمريكي، والذي كذبه اليمن، وقالوا إن الاعتداءات تستهدف مناطق مدنية في صنعاء وعدة محافظات أخرى، وسقط فيها المئات بين شهيد وجريح، جلهم من النساء والأطفال... وبالتزامن مع هذا العدوان صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه قرر "سحق الحوثيين" والقضاء عليهم قضاءاً تاماً!! معلنا إن ما أسماه (الجحيم) الذي فتحه عليهم سوف لا ينتهي إلا بالقضاء عليهم!! وطال تهديده حتى إيران حيث اعتبر ان كل رصاصة يطلقها الحوثيون على القوات الأمريكية، او على قوات حلفاء أمريكا سوف تحمل إيران المسؤولية عنها!!
واللافت إن هذا العدوان، الذي يتكرر ويتواصل وما يزال مستمراً، وبشكل يكاد يكون يومياً، تقصد المسؤولون الأمريكيون ووسائل إعلامهم، وكذلك إعلام حلفاءهم الغربيين ومرتزقتهم العرب والمسلمين، تضخيمه وتهويله ونسج هالة مرعبة حوله!! لدرجة إن إعلام المرتزقة بدأ يعد العد التنازلي لما اسماها (نهاية الحوثيين)!! وواضح إن الهدف من هذا التهويل والتضخيم للعدوان الثلاثي على اليمن، هو إرعاب اليمنيين وإخافتهم وإرباكهم في إطار خطة لحرب نفسية ضارية، دأبت عليها أمريكا في كل حروبها مع دول وشعوب العالم!!
الأمور لم تقف عند الحرب النفسية فحسب، بل سارع المرتزقة مثل طارق عفاش الى إبداء استعداده لتنفيذ ما تملي عليه أمريكا، اذا قررت إدارتها شن الحرب البرية على الحوثيين، وهو ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية في حينها الى نفي احتمالات الذهاب الى حرب برية مع الحوثيين! وعلى عكس توقعات المسؤولين الأمريكيين بأن هذه الحملات الجوية العنيفة، ثم المبالغة في تضخيم آثارها وتهويل تداعياتها، سوف (تردع) الحوثيين وتدفعهم نحو التراجع عن تجديد محاصرتهم للعدو الصهيوني تجارياً، بسبب الحصار الذي فرضه على أهالي غزة، وكذلك استئنافه عدوان (الإبادة) عليهم... على عكس تلك التوقعات، جاءت ردود الأفعال للحوثيين صارمة وقاطعة وشجاعة، وجاء الرد العسكري على هذا العدوان سريعاً جداً وغير متوقع بإجماع أغلب الخبراء العسكريين، فخلال 24 ساعة استهدفوا حاملة الطائرات هاري ترومان بهجوم بالصواريخ البالستية والمجنحة وبالمسيرات المتطورة، حيث أصابوها إصابات مباشرة باعتراف المسؤولين الأمريكيين او بعضهم اذ توالت على استهدافها والسفن الحربية الأمريكية الأخرى هجمات الحوثيين، الأمر الذي حمل القيادة الأمريكية على أبعاد هذه الحاملة الى مسافات بعيدة جداً في البحر الأحمر عن مسرح العمليات الحربية خوفاً من غرقها بإصابة مدمرة، وفي حينها أطل زعيم الحوثيين (عبدالملك الحوثي) على شاشة التلفزيون اليمني مهدداً الأمريكان ومؤكداً أنهم سوف يدفعون الثمن غالياً وباهضاً بعد عدوانهم، وأن هذا العدوان سيزيد الحوثيين تصميماً وحزماً في مواصلة المواجهة مع العدو الأصيل أمريكا بدلاً من مرتزقها وعملائها السعوديين وادواتهم، ومتوعداً، بمعادلة التصعيد مقابل التصعيد والتدرج في إيلام العدو وتشديد الضربات له بحسب ما تقتضيه معطيات الميدان.
وفعلاً جرت المواجهة على هذا النحو وبدأت الاعترافات الأمريكية بالفشل في هذه الجولة من المواجهة مع الحوثيين، سيما بعدما نجح الحوثيون في إسقاط طائرة مقاتلة أف 18 أمريكية متطورة وأخرى طائرة قاذفة من نوع بـي 52 الاستراتيجية وإلحاق أضرار جسيمة بحاملة الطائرات (هاري ترومان) وبعدد من القطع البحرية الحربية الأمريكية الأخرى في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن وباب المندب! وبالتالي فأن أمريكا لم تفشل في فك الحصار الحوثي التجاري البحري عن العدو الصهيوني وحسب، وإنما ما زالت سفنها التجارية تضطر الى قطع مسافات طويلة تجنباً لضربها من قبل الحوثيين...
وفي السياق صرح مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز لشبكة (سي بي أس): "بأن 75% من شحناتنا البحرية التي ترفع العلم الأمريكي تضطر الى المرور عبر الساحل الجنوبي لأفريقيا بدلاً من قناة السويس" متجنبة المرور عبر البحر الأحمر، بسبب ضربات الحوثيين وتعرضها لهجمات القوات اليمنية...
أما المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية شون بارنيل فقد قال: "إن الحوثيين هاجموا سفناً حربية أمريكية 174 مرة وسفناً تجارية 145 مرة منذ عام 2023"...
وإلى ذلك أضاف والتز في تصريحه السابق معترفاً بفاعلية وإيلام ضربات الحوثيين، حيث قال: "إن الحوثيين يملكون صواريخ متطورة وصواريخ بالستية وبعض أكثر الدفاعات الجوية تطوراً وكلها قدمتها إيران" وأضاف والتز "ليفهم الجميع التأثير، في المرة الأخيرة التي عبرت فيها إحدى مدمراتنا مضيق باب المندب هناك تعرضت للهجوم 23 مرة"...
وبنفس الاتجاه والسياق تعرضت بعض وسائل الإعلام الأمريكية الى الموضوع، فصحيفة الواشنطن بوست قالت: "لقد أثبت الحوثيون قدرتهم على الصمود بوجه حملة عسكرية استمرت عدة أشهر خلال إدارة جو بايدن، فالصحيفة هنا استحضرت فشل بايدن لتؤكد وأن الفشل والإخفاق سيكون مصير الحملة العدوانية الحالية لترامب على اليمن... بدورها صحيفة النيويورك تايمز علقت على صمود الحوثيين بعد الحملة الأمريكية الأخيرة، قائلة ومحاولة تبرير إخفاق إدارة ترامب: "إن قوات صنعاء ربما اكتسبت تقنيات جديدة تصعّب اكتشاف طائراتها المسيرة وتساعدها على التحليق لمسافات أبعد من خلال نظام خلية وقود الهيدروجين، وتنتج خلال وقود الهيدروجين الكهرباء من خلال تفاعل الاوكسجين في الهواء مع الهيدروجين المضغوط عبر سلسلة من الصفائح المعدنية المشحونة، وتطلق هذه الخلايا بخار الماء...".
وكشفت صحيفة النيويورك بوست عن حجم الإرباك الذي تعيشه الإدارة الأمريكية وحلفاؤها بعد فشلهم في وقف الضربات اليمنية التي تستهدف السفن الداعمة للعدوان على غزة... وبحسب التقرير الذي ترجمته منصة رادار 360 فأن الكاتب سيث ماندل في مجلة عبر عن مخاوفه من "أن النموذج الذي فرضه الجيش اليمني قد يصبح قاعدة جديدة في المواجهة مع القوى الكبرى" مؤكداً "إن الولايات المتحدة تواجه نفس المعضلة التي واجهتها إدارة بادين" في إشارة الى فشلهم في التعامل مع تنامي القدرات العسكرية اليمنية...
من جهتها اعترفت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، بأن القصف الجوي الأمريكي البريطاني الأخير على مواقع الحوثيين سوف لا يؤدي الى نتيجة لأن صنعاء تعرضت الى القصف الجوي على مدى عقد من الزمن تقريباً، ولم يؤثر، بل خرجت صنعاء قوة صاروخية مهابة ومهددة للقوات البحرية الأمريكية والغربية فضلاً عن نجاحها بفرض الحصار البحري على العدو وتكبيده وأمريكا والدول الغربية خسائر اقتصادية فادحة بسبب ارتفاع الأسعار، بسبب لجوء السفن التجارية الأمريكية والغربية والصهيونية الى طرق التفافية طويلة المسافة وعالية الكلفة...
وهناك العشرات من الاعترافات والتعليقات لخبراء ولصحفيين أمريكيين، تؤكد ذات الحقيقة لا مجال لذكرها، بل حتى بعض الخبراء العسكريين العرب يقرون بهذه الحقيقة فعلى سبيل المثال، قال نائب رئيس هيئة الأركان الأردني الأسبق محمود نائب: "إن الحوثيين يمتلكون صواريخ فرط صوتية لا تمتلكها العديد من الدول المتقدمة، وإن تكنولوجيا الهيدروجين موجودة لدى الحوثيين ولا نتفاجأ ولا يمتلكها الكثيرون" وذكر نائب: "إن الحوثيين لديهم مفاجآت عملياتية واستراتيجية وتعبويه وتكنولوجية متطورة" في إشارة الى العمليات البحرية والأسلحة التي استخدمتها صنعاء في مواجهة القوات البحرية الأمريكية خلال الفترات المالية...
وأكد المسؤول الأردني السابق إن ترامب وضع نفسه وبلاده في مأزق حقيقي!! وقال إن ترامب يضحي بالمصالح الأمريكية، ويعرضها لأعلى درجات الخطر!!
اللواء فايز الدويري الخبير العسكري هو الآخر أكد الفشل الأمريكي والصهيوني في مواجهة الحوثيين... وقال لقناة الجزيرة القطرية: "إن الصواريخ القادمة من اليمن باتجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي تؤكد فشل الغارات الأمريكية في تدمير قدرات الحوثيين، وتظهر تناقض للتصريحات (الإسرائيلية) بشأن اعتراض هذه الصواريخ" وشرح الدويري كذب رواية الاعتراض الصهيونية للصواريخ اليمنية بالأدلة القاطعة مستنتجاً إن فشل الاعتراض يؤكد امتلاك اليمن تقنية الصواريخ الفرط صوتية التي لا تمتلكها الكثير من الدول، كما قال الدويري إن إطلاق صفارات الإنذار في القدس وتل أبيب الكبرى فقط دون بقية مناطق فلسطين المحتلة يعزز الفرضية القائلة بأن الصاروخ لم يكتشف إلا بعد وصوله الى هذه المنطقة!
على أي حال، في ضوء ما تقدم وغيره كثير، وفي ضوء تجربة بايدن الفاشلة، بات السؤال المطروح داخل بعض الأوساط الأمريكية وفي خارجها، بل وأيضاً الجدل هو حول لماذا يعيد ترامب تلك التجربة الفاشلة، سيما وأنه رفع السقوف عالياً ومنها "القضاء التام على الحوثيين" في حين إن كل المعطيات تؤكد استحالة تحقيق مثل هذه الأهداف!؟ المراقبون والخبراء وبعضهم يرى إن إقدام ترامب على هذه المجازفة الخطيرة جاء بدوافع عديدة نذكر بعضاً منها:
1ـــ العدوان الأمريكي على اليمن هو عملية استعراض أمام الصين وايران وأمام المعترضين على سياسة ترامب داخل الولايات المتحدة، سيما من تيار الحزب الديمقراطي ومن الدولة العميقة، من مجتمع الاستخبارات والبنتاغون وغيرهم، ظناً من ترامب إن اليمن (الحلقة الأضعف) في المنطقة التي ستمكنه من إنجاز هذا الاستعراض بالشكل الذي يريده ترامب لكنه فوجئ بأن هذه الحلقة الأضعف ستلحق به الهزيمة النكراء مثلما ألحقت بمن سبقه على الرغم من تشكيله لحلف دولي تحت اسم التحالف من أجل الرخاء، وعلى الرغم من المواجهة مع الحوثيين على مدى سنة كاملة أو أكثر.
2ـــ إن دخول الولايات المتحدة عسكرياً وبكل ثقلها في العدوان على اليمن دون أن تكتفي بالدعم اللوجستي والاستخباراتي للعدو يدل دلالة كبيرة على إن وضع العدو الغاصب يمرُّ في مرحلة حرجة وهو بات معرض للانهيار والتفكيك بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية خاصة، وبقية فصائل المقاومة الأخرى في الساحات القريبة والبعيدة من الساحة الفلسطينية، وفعلاً لقد اعترف أكثر من خبير أمريكي محايد وصهيوني بأن العدو بات يترنح تحت ضربات المقاومة ولولا الدعم الأمريكي العسكري ودعم الطابور الخامس العربي والإسلامي له مالياً وعسكرياً لأنهار منذ أمد بعيد، بعد كل هذه الضربات التي تعرض لها على أيدي أبطال المقاومة في فلسطين والمنطقة.
3ـــ إن دخول أمريكا ترامب المباشر في مواجهة الحوثيين، وقبل ذلك دخولها في عهد بايدن، يدل دلالة واضحة ان الحصار البحري الذي يفرضه الحوثيون على العدو ثم ضرباتهم لموانئه وعمقه الاستراتيجي بالصواريخ والمسيرات... كل ذلك بات مرهقاً للعدو، وهذا ما اعترف به الأخير صراحة على لسان وسائل إعلامه وحتى مسؤوليه وخبرائه، فهؤلاء المسؤولين قالوا إن الحصار اليمني أرهق كيانهم وتسبب لهم في خسائر فادحة، وأعطوا إحصاءات حول هذه الخسائر مذهلة... ولقد اعترف الصهاينة أيضا إن العدوان الأمريكي على اليمن لم يوقف حالة التدهور التي يعانيها الكيان المحتل على صعيد تداعيات الحصار والمواجهة التي يواصلها الحوثيين ضد هذا العدو.
4ـــ إن شن العدوان على اليمن رغم تحذيرات الخبراء الأمريكيين من الفشل المؤكد، هو عملية إرضاء لكارتل صناعة السلاح الأمريكي النافذ في السياسة الأمريكية والذي يشكل أحد أركان الدولة العميقة في أمريكا، فشن هذا العدوان من شأنه إن يشغل مصانع السلاح وينعش الاقتصاد الأمريكي، ما دامت أمريكا تأخذ أثمان هذه الأسلحة نقداً من أبقار الخليج وبقية أبقار العرب والمسلمين...
5ــــ كما يقول بعض الخبراء، إن إدارة ترامب أرادت أن تفرض بهذا العدوان قواعد اشتباك جديدة في المنطقة وبمعادلات جديدة تستند إلى ما يسمونه سطوة أمريكا والعدو الصهيوني، فأمريكا والكيان الصهيوني أرادوا وباستخدام القوة الكاسرة، إن يكونا صاحبا الكلمة العليا والآمر والناهي في المنطقة، وكل من يعترض فسوف يكون مصيره السحق والتدمير!! ولكن ليس لم ينجح الأمريكيين والصهاينة في فرض تلك المعادلات وحسب وإنما حصدوا العكس تماماً كما يتضح في النقاط التالية:
1ـ صمود الحوثيين كشف هشاشة القوة البحرية الأمريكية وضعف القوة العسكرية الأمريكية الأخرى أمام الصين وروسيا، وكشف إن اتحاد دولة أو دولتين عربيتين مع قوى المقاومة سوف يلحق الهزيمة المؤكدة بأمريكا وبالكيان الصهيوني...
2ـــ تعرض أمريكا وحاملات طائراتها الى الإهانة والاذلال لدرجة حتى إن ترامب نفسه اعترف بخسائر أمريكا نتيجة حصار وضربات الحوثيين للقوة البحرية الأمريكية!
3ــ إن العدوان الأمريكي على اليمن بدلاً من أن يخفف العبء على العدو وعلى أمريكا ضاعف من هذا العبء واعترف الأمريكيان أنفسهم بأن تكلفة النقل البحري الأمريكي والخاص بالعدو تضاعف مرات عديدة عما كان عليه قبل العدوان!! مضيفة عوامل إرهاق جديدة للاقتصاد الأمريكي والصهيوني أيضا!!
ارسال التعليق