
تفاقم المأزق الأمريكي بدلاً من القضاء على الحوثيين
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
لعلّ أغلب المتابعين والمحللين يتذكرون تصريحات الرئيس الأمريكي التي أدلى بها عندما قرر شن عدوان واسع النطاق على الحوثيين في الخامس عشر من مارس الماضي، والتي قال فيها، أنه سيقضي نهائياً على الحوثيين، وستكون ضرباته لهم مختلفة عما كان يقوم به سلفه جو بايدن على مدى عام كامل، وفعلاً فأن ترامب استدعى حاملات طائراته، وقاذفات بلاده الاستراتيجية مثل ب 2 وب 52 بالإضافة الى طائرات أف 18 وأف 35 وأنواع الطائرات الأخرى مثل طائرة أف 22، كما استخدمت القوات الأمريكية الذخائر والصواريخ الاستراتيجية الفتاكة والقنابل الارتجاجية والعابرة للموانع والخارقة للحواجز السمنتية والنافذة نحو الأعماق، بالإضافة الى تجنيد مرتزقة التحالف السعودي من اليمنيين لتزويد أمريكا بالمعلومات الاستخبارية حول مواقع ومراكز الحوثيين، فضلاً عن الدعم اللوجستي السعودي والاماراتي للقوات الأمريكية، خصوصاً الدعم الاماراتي الذي اعترف به الأمريكان صراحة! فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤول أمريكي قوله: "إن الإمارات العربية المتحدة تقدم دعماً لوجستياً واستشارياً للجيش الأمريكي في حربه على اليمن، وكان موقع ميدل ايست آي البريطاني قد كشف في تقرير له نهاية شهر مارس المنصرم عن مشاركة دول الخليج في العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، ونقل الموقع البريطاني عن مسؤول دفاعي أمريكي قوله: "إن إدارة ترامب تمكنت من الحصول على إذن من دول الخليج لاستخدام قواعدها لضرب اليمن خلال هجماتها الأخيرة..
وبعد أقل من أسبوع من الغارات الجوية المتواصلة على اليمن أعلن ترامب أنه قضى على 60% من قوات الحوثيين وصواريخهم وقادتهم ومسيراتهم، وأنه سيواصل تلك الحملات حتى القضاء عليهم نهائياً، مكرراً أوهامه التي أطلقها في بداية العدوان، ولا ننكر إن حملات القصف تركت العشرات من الضحايا والمئات من الجرحى، أغلبهم أن لم يكن كلهم من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء خصوصاً، مع دمار هائل للمساكن والبيوت والأسواق!! وفيما تواصل أمريكا قتل الأبرياء في اليمن بطائراتها وصواريخها الاستراتيجية يواصل الحوثيين الرد على هذه الجرائم باستهداف القوات الأمريكية وحاملة الطائرات العملاقة هاري ترومان بالصواريخ البالستية والمجنحة وبالطائرات المسيرة، وبشكل تصاعدي لم يضعف همتهم ولم تتوقف مقاومتهم، بل العكس هو الصحيح، حيث إتسعت دوائر استهدفهم للقوات الأمريكية في البحر الأحمر، وباستخدام أسلحة جديدة ومتطورة حتى إن ضربات الحوثيين أحرجت تلك القوات وقياداتها البحرية في أكثر من مشهد ميداني... واجهضت العديد من الهجمات بهجمات استباقية واسقطت طائرات مسيرة من نوع MQ9 التي تكلف الواحدة الولايات المتحدة 30 مليون دولار، ولحد الآن أسقط الحوثيين من هذه الطائرات 18 طائرة بأسلحة مصنعة يمينيا والحبل على الجرار، بل كادوا يسقطون إحدى الطائرات الاستراتيجية B 2، إذ أصيبت إصابة بالغة رغم أنها مسلحة بالدرع ما يؤشر الى التطور المستمر في صناعة الأسلحة اليمنية... ليس هذا وحسب بل بات استهداف عاصمة العدو تل أبيب بالصواريخ والمسيرات بشكل يكاد يكون يومياً، ويشهد حالة تصاعدية... فلم تمضِ أكثر من عشرة أيام حتى أصبح العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني على اليمن وصمود الحوثيين وكيلهم الصاع صاعين ضد أمريكا وأتباعها... حديث المحللين والخبراء الأمريكان والغربيين والصهاينة، وحتى العسكريين، والذين أقرّوا بأن ترامب ورط أمريكا في اليمن وأنها تعيش الآن مأزقاً قائلاً... وقد تبدئ هذا الحديث في عدة صور نذكر منها ما يلي:
1ـــ الفشل الأمريكي في القضاء على الحوثيين، حيث تبين إن ترامب كان يعيش أوهاماً... وهذا ما أكدته التقارير التي أعدتها السي آي أي والبنتاغون عن العدوان معترفة بالفشل الأمريكي الذريع، بعد ثلاثة أسابيع من العدوان على اليمن. وفي هذا السياق ينقل تقرير شبكة السي أن أن الأمريكية عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين تأكيدهم على "إن الهجمات الأمريكية على اليمن لم تؤدِ الى تدمير القدرات العسكرية اليمنية وهو ما يشكل مؤشراً صريحاً على فشل الحملة من الناحية التكتكية رغم توظيف ترسانة واسعة من الأسلحة الدقيقة والمتطورة".
وفي ذات الإطار نشر موقع (ذا ناشنال انترست) الأمريكي المتخصص في الدفاع والأمن تقريراً مطولاً للباحث الأمريكي رامون ماركس، كشف فيه عن إخفاق الولايات المتحدة في مواجهة الحوثيين في البحر الأحمر، واصفاً ما حدث بأنه تفوق تكتيكي واستراتيجي للحوثيين على أكبر قوة بحرية في العالم... وبعد أن أشار رامون الى الورطة الأمريكية في اليمن واقترح على القيادة الأمريكية الانسحاب من البحر الأحمر وترك الغربيين يدافعون عن الملاحة هناك باعتبارهم المستفيدون من طريق الملاحة هذا، قال: "إن الوضع الراهن يضع واشنطن أمام خيارين أحلاهما مر: إما التصعيد العسكري الشامل ـ وربما المواجهة البرية ـ أو الانسحاب وتلقي ضربة جديدة لمكانتها العالمية"! وقد أقر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجيت في تصريحات لقناة الجزيرة القطرية بأن الحوثيين يحتفظون بقدراتهم مؤكداً أنه من المبكر الحديث عن فاعلية الضربات التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية على اليمن وقال: "إن الحوثيين لا يزالون يحتفظون بقدرات لشن هجمات على البحرية الأمريكية وسفن الشحن بالمنطقة" ويقصد السفن المتجهة نحو العدو! مجلة الإيكونوميست البريطانية من جهتها قالت: "إن الغارات رغم كثافتها تفتقر الى استراتيجية متماسكة ولم تحقق تغييراً جوهرياً في قدرات الحوثيين أو تهديداتهم للملاحة" ونقلت المجلة البريطانية: "إن القصف الأمريكي طال مواقع في صعدة ومأرب والجوف، واستهدف قيادات متوسطة، لكنه فشل في تقليص التهديد الحوثي على أمن البحر الأحمر" على حد قول المجلة... وهذا ما أكده مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض مايك والتز حيث قال: "إن نحو 75% من الشحنات البحرية الأمريكية لم تعد تمر من البحر الأحمر خوفاً من صواريخ الحوثي" مشيراً الى تحويل تلك السفن عبر الساحل الجنوبي لأفريقيا... على أن موقع (ماري تايم) المتخصص في الشحن البحري، ذهب الى أبعد من ذلك حيث قال إن العدوان الأمريكي على اليمن، ليس فقط أنه فشل فشلاً ذريعاً في حماية الملاحة وحسب، وإنما حمل نتائج عكسية... وأكد الموقع أن القوات المسلحة اليمنية تبدو كقوة إقليمية مستقلة مشيراً الى إن الغارات الأمريكية الأخيرة على اليمن تبدو أقرب الى استعراض للقوة وليس لها أي فاعلية...
2ـــ الاعتراف المتواتر من أوساط أمريكية عن إن العدوان الأمريكي على اليمن بدأ يستنزف قدرات القوات الأمريكية عتاداً وصواريخ استراتيجية وأسلحة وطائرات دون فائدة تذكر... وفي هذا السياق قالت شبكة السي أن أن الأمريكية، إن التكلفة الاجمالية للعملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن تقترب من مليار دولار في أقل من ثلاثة أسابيع!
وقالت أحد المصادر للشبكة أن من المرجح إن يحتاج البنتاغون الى طلب تمويل إضافي من الكونغرس لمواصلة العملية لكنه قد لا يحصل عليه ـ فقد تعرضت العملية بالفعل لانتقادات من كل الجانبين، وحتى نائب الرئيس جيه دي فانس قال إنه يعتقد أن العملية كانت خطأ..
المصادر الأمريكية المشار إليها أيضا نقلت للشبكة السي أن أن قولها: " لقد دمرنا بعض المواقع لكن ذلك لم يؤثر على قدرة الحوثيين على مواصلة قصف السفن في البحر الأحمر أو إسقاط الطائرات الأمريكية المسيرة... في هذه الأثناء نستنفذ كل طاقتنا ــ الذخائر والوقود ووقت الانتشار"..
شبكة السي أن أن أضافت: "إن المسؤولين الأمريكيين مستائين من استخدام أسلحة معينة ضد الحوثيين لأهميتها عند الحرب مع الصين، وأنهم يخشون من تأثير ضربات اليمن سلباً على جاهزية الجيش بالمحيطين الهندي والهادئ، وذلك ما أكدته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية... نختتم هذه الفقرة باعتراف قائد عمليات البحرية الأمريكية الأدميرال جيمس كيلبي القائم بأعمال رئيس عمليات البحرية الجديد، بأن الولايات المتحدة تواجه عجزاً في إياد حلول أقل تكلفة للتعامل مع قوات صنعاء في معركة البحر الأحمر، كما أعترف بأن البحرية تواجه نقصا في الذخائر باهظة الثمن التي تعتمد عليها بشكل أساسي...
3ــ الخلاف بين الولايات المتحدة والدول الغربية حول العدوان الأمريكي الأخير على اليمن، لأن أغلب هذه الدول غير مقتنع بالخيار العسكري الترامبي ـــ اذا جاز التعبير ـــ للتعامل مع التصعيد في البحر الأحمر، بل أن بعضهم يرى أن الحل في غزة، أي بوقف حرب الإبادة التي يواصلها العدو ضد أهالي غزة... وفي هذا السياق أعلن الاتحاد الأوروبي أبرز حلفاء أمريكيا انسحابه من المواجهات في البحر الأحمر، وفي هذا الإطار أكد قائد قوات الاتحاد الأوروبي (اسبيدس) الأدميرال فاسيليوس غريبريس، في تصريحات له مسجلة في فيديو مطلع شهر ابريل أكد فيها صعوبة المعركة في البحر الأحمر أمام القدرات العسكرية اليمنية واصفاً الوضع بشديد الخطورة، وقال "نعمل في بيئة شديدة الخطورة وهجمات اليمنيين في البحر الأحمر ألحقت دماراً هائلاً بحركة الملاحة، لا استطيع ضمانة مرور أي سفينة بأمان والعمل العسكري لن يوقف اليمني ولا حل إلا بالدبلوماسية، نحن لا نحارب اليمنيين ولا ندعم هجمات أمريكا على اليمن. وجاءت تصريحات هذا الأدميرال بعد يومين على اعلان البعثة الأوروبية إنهاء بوارج إيطالية وفرنسية سلسلة من عمليات مرافقة السفن الأوروبية بالبحر الأحمر في تأكيد على إن البعثية الأوروبية هي التأمين السفن فقط وليس للحرب على اليمن... ما يؤكد اتساع الخلافات بين الأمريكيين والأوربيين هو شكاية وتبرم وزير الخارجي الأمريكي ماركو روبيو خلال ل مؤتمر صحفي عقده بعد لقاءاته مع بعض نظرائه الأوروبيين في العاصمة البلجيكية بروكسل، نقول هو شكايته وتبرمه من تخلي الاتحاد الأوروبي عن دعم العملية الأمريكية على اليمن... وما زاد من هذا التبرم الأمريكي هو تصريحات أمين عام حلف شمال الأطلسي، التي قال فيها، إن الحلف غير مهتم بمساعي أمريكا لتعزيز نفوذها في منطقتي المحيطين الهادي والهندي... وإنما يتطلع الحلف لتأمين جناحه الشرقي في إشارة الى الحرب الروسية ــ الأوكرانية وتداعياتها على أوروبا!! تلك التصريحات التي أزعجت على ما يبدو وزير الخارجية الأمريكي كثيراً!!
4ــ تفوق الحوثيين في معركة البحر الأحمر مع القوات البحرية الأمريكية، وهناك عشرات الاعترافات والتصريحات من جنرالات أمريكيين ومن خبراء عسكريين بأن الحوثيين، رغم أن أسلحتهم لا يمكن مقارنتها مع أسلحة الأمريكيين المتطورة والمتنوعة، ولكنهم تفوقوا عليهم حتى أن بعض الضباط الأمريكيين في البحرية الأمريكية أنهم بدأوا يستخدمون نفس التكتيكات الحربية التي يستخدمها المقاتلون الحوثيون... في هذا السياق حذرت مجلة ذا اتلانتيك من أن العدوان على اليمن قد يتحول الى فضيحة تاريخية بسبب غياب رؤية واضحة لدى إدارة ترامب... وتجاهلها الدروس السابقة التي أثبتت استحالة اخضاع اليمن بالقوة معتبرة أن الفشل الأمريكي الجديد سيكون له تداعيات عسكرية وسياسية كبيرة وسيشكل نصراً تاريخياً لصنعاء، كما أعتبر ترامب عن دهشته وتعجبه من الحوثيين وصناعتهم للأسلحة وقال: لم يخطر ببال أحد إنهم ـــ الحوثيون ــ يصنعون الصواريخ وهي متطورة للغاية ومتينة للغاية!! طبقاً كما نقلته عنه مجلة النيوزويك الأمريكية التي نقلت أيضا عن ترامب قوله وتأكيده بأن الحوثيين يصنعون الصواريخ بالفعل ... في السياق ذاته قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إن قوات صنعاء تمكنت من التفوق على الولايات المتحدة من خلال إنهاك البحرية الأمريكية، وخلق تحديات عملياتية كبيرة قللت من فعالية السفن الحربية وحاملات الطائرات، الأمر الذي وصع واشنطن في مأزق استراتيجي، وتحت عنوان "كيف تفوق الحوثيون على واشنطن" نشرت المجلة يوم 9/4/2025 تقريراً رصدته وترجمته بعض المواقع اليمنية، حيث فصلت المجلة في هذا التقرير الوضع العسكري واللوجستي المزري للقوات البحرية الأمريكية، مشيرة في هذا التقرير الى أن الحوثيين اليمنيين يرفضون التوقف برغم جهود البحرية الأمريكية وحلفائها" وأكدت أن واشنطن فشلت في الحفاظ على حركتها الملاحية في إحدى أهم نقاط الاختناق البحري في العالم وهي مضيق باب المندب... وتحدث تقرير المجلة مطولاً عن التطور الذي شهدته صناعات الحوثيين العسكرية وكيف أثرت على سير المعركة البحرية مع أمريكا في البحر الأحمر، حيث باتت القوات الأمريكية مرهقة وعاجزة عن حماية الملاحة هناك! واستطراداً، نقل موقع أخبار الأمن القومي السياسي الاقتصادي (نايف تن فورتي) عن الضابط والخبير العسكري الأمريكي الدكتور برنت م. ايستورد، تأكيده إن الحوثيين تسببوا في مشالك لمجموعة حاملة الطائرات ترومان في البحر الأحمر، داعياً وزارة الدفاع الى التدخل لجهود ترومان وحماية حاملة الطائرات الثانية كارل فينسون التي ستنضم قريباً الى ترومان... وحذر ايستوود من إن أي حرب مفتوحة في الشرق الأوسط مع الحوثيين ستكون كارثية، مضيفاً أنها محدودة النطاق الآن لكن استهداف حاملة الطائرات سيرفع مستوى المخاطر الى مستوى حرب فيتنام أو حتى الى مستوى الحرب في أفغانستان او العراق... وبعد أن تحدث ايستوود عن تفوق الحوثيين في هذه المعركة مع حاملات الطائرات حذر من احتمال اغراقهم إحداها في ضربة قاتلة مما يشكل هزيمة تاريخية للولايات المتحدة!! هذا وهناك الكثير من الاعترافات الأمريكية حول تفوق الحوثيين في هذه المعركة، بل هناك اعترافات صهيونية متواترة في ذات السياق لا مجال لذكرها، حول تفوق الحوثيين وحول قدرة صواريخهم في اختراقها منظومات المضادات الصهيونية للصواريخ والطائرات... نكتفي بهذا القدر... ونختتم الحديث بأن الأمريكيين سينسحبون من المعركة ويعترفون بالهزيمة أمام الحوثيين، كما هزموا من قبل في العراق وأفغانستان وفيتنام.
ارسال التعليق