
ماذا وراء الترويج لزيارة ترامب المرتقبة للسعودية
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
منذ انتهاك العدو الصهيوني لاتفاق وقف اطلاق النار في غزة، واستئنافه حرب وعدوان الإبادة الجماعية بحق أهلها، ووسائل الإعلام الأمريكية والإعلام الاصفر العربي، مشغول بالحديث عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتوجه لزيارة مملكة آل سعود في أول زيارة خارجية يقوم بها، بعد فوزه بالانتخابات للمرة الثانية رئيسا للولايات المتحدة، وذهبت وسائل الاعلام تلك بعيداً في الاهتمام بكل ما يتعلق بهذه الزيارة من معلومات... ففي هذا السياق نشر موقع (اكسيوس) الأمريكي تقريراً أعده باراك دافيد وأليكس اسينستاد، قالا فيه: "إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيزور السعودية في أيار/ مايو، وذلك في أول زيارة خارجية له منذ توليه الرئاسة في يناير وبحسب التقرير، قال مسؤولان على معرفة بخطة الرئيس، إن قرار ترامب بالذهاب الى السعودية في أول زيارة له، يؤشر الى العلاقة الوثيقة بينه وبين الدول الخليجية خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعاون الاقتصادي والاستثمار".
وأبرز التقرير في إشارة الى الدافع الأساسي لزيارة ترامب الى السعودية، أبرز قول ترامب حول تلك الزيارة: "سأذهب الى السعودية، عادة ما اذهب الى بريطانيا، ففي آخر زيارة لي الى السعودية ضخوا 450 مليار دولار"! وأضاف: "هذه المرة قلت إنني سأذهب لو ضخختم تريليون دولاراً للشركات الأمريكية، أي تريليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وقد وافقوا، لذا سأذهب الى هناك"!!
من جهتها السلطات السعودية تفاعلت الى حد الحماس عندما أعلن ترامب إنه سيبدأ زيارته الخارجية بالسعودية، ورأى اتباع محمد بن سلمان في داخل البلاد "إن اختيار ترامب السعودية كمركز لنشاطاته الخارجية هو تأكيد لرؤية ابن سلمان التحديثية للبلد وتأكيد موقعها الخارجي"... ونقلت صحيفة الواشنطن بوست عن محرر (عرب نيوز) فيصل عباس في هذا السياق قوله: "هذه مكافأة وجني ثمار إعادة ترتيب سياستنا الخارجية"، على حد قوله وأضاف "أنه بمجرد انتخاب ترامب، إعتقد الكثيرون في السعودية أن الأمور قد تبدلت لصالح المملكة".
وقال عباس: "الآن تستطيع السعودية لعب دورها الذي تستحقه كدولة إسلامية وعربية قائدة في المنطقة، ونظراً لوجود الأماكن الإسلامية المقدسة وكونها مهد الإسلام، فهي في وضع يجعلها تلعب دوراً مهماً في العالم الإسلامي"!!
إذن اعتبر النظام السعودي اهتمام ترامب بالسعودية، تطوراً مهماً لصالح النظام، كما عكس ويعكس ذلك، وسائل أعلامه ومحللوه وخبراؤه الذين ذهبوا الى أبعد مما اعتقده النظام السعودي، الى أن ترامب يريد إعداد محمد بن سلمان لقيادة المنطقة!! ومن الجدير الإشارة الى أن ترامب كان قد اهتم بابن سلمان في فترة رئاسته الأولى وكان دائماً يتفاخر بأنه جلب أو حلب من النظام السعودي أكثر من 450 مليار دولار كاستثمارات سعودية في أمريكا، ساهمت في خفض البطالة هناك وفي تشغيل المصانع التي كانت متوقفة بسبب قلة الأموال وعدم قدرتها على تغطية رواتب العمال والموظفين!! ولذلك، قبال هذه الهبات السعودية وقبال هبات ابن سلمان للصهيوني (جاريد كوشنر) صهر ترامب، حيث استثمر أكثر من ملياري دولار أخذها من ابن سلمان في الكيان الصهيوني معظمها ذهب الى مجالات انعاش المصانع العسكرية الصهيونية...
نقول لذلك فأن ترامب قبال كل هذه الهبات وغيرها ومن الهدايا تغاضى عن جريمة ابن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 في إسطنبول، رغم إن السي آي أيه، اعدت تقريراً تحقيقيا استخبارياً وموثقاً يثبت مسؤولية ابن سلمان عن الجريمة!!
وإذ لم يخف ترامب ومنذ فوزه بفترة رئاسية ثانية جشعه في حلب البقرة السعودية وبقية الأبقار الخليجية فأنه يريد من النظام السعودي بالإضافة الى الأموال أن يكون أداة فعالة في تنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، التي تمر الآن في مرحلة حساسة وحرجة جداً بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها منذ السابع من أكتوبر عام 2023، أي منذ عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس الفلسطينية ووجهت فيها ضربة قاصمة للعدو الصهيوني... ولحد الآن، حيث التوتر على أشده وفي أقصى درجاته بظل الحرب النفسية التي تشنها الدوائر الأمريكية والصهيونية على الأمة وكل فصائل المقاومة!!
ومن الملاحظ بوضوح إن ترامب في هذه الفترة الرئاسيه الحالية يرى إن الثمن الذي يدفعه ابن سلمان لكي يقبل الأمريكي باعتلائه العرش غير كاف حتى ولو تجاوز الثمن أكثر من ترليون دولار كما قال ترامب، فهذا الأخير يريد من ابن سلمان ما يلي:
1ـــ ضخه بالأموال الطائلة، أما الترليون دولار فهو عنوان فقط، لامتصاص الثروات في السعودية وفي بقية الدول العربية الخليجية، لأن أمريكا كما قال ترامب تريد تشغيل المصانع، وتريد انعاش اقتصادها الذي يشهد تداعيات تنذر بقرب انهياره نتيجة الكساد الاقتصادي والديون المتراكمة (أكثر من 41 تريليون دولار)، ولأن أمريكا تحتاج الى الأموال لضمان دعم الكيان الصهيوني بالأسلحة الفتاكة والقنابل العملاقة الخارقة غالية الثمن التي يستخدمها ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفي جنوب لبنان وسوريا و... و... ثم إن أمريكا تحتاج أيضا لدعم عملياتها الحربية العدوانية ضد اليمن ضد، الحوثي تحديداً، وضد الشعبيين الفلسطيني واللبناني... فهذه الحروب المتواصلة والعدوان المستمر على شعوب المنطقة تسبب باعتراف المسؤولين العسكريين الأمريكيين في استنزاف المخزون الاستراتيجي الأمريكي من المعدات العسكرية والأسلحة، الذي يفترض أن تواجه به أمريكا الصين وروسيا فيما لو نشبت الحرب بينهما في ظل التوتر المتصاعد بين هذه القوى، ولذلك فأمريكا باتت اليوم بأمس الحاجة الى هذه الأموال السعودية والخليجية لتشغيل مصانعها العسكرية، ولخفض مستويات البطالة...
2ـــ توظيف ترامب لمكانة السعودية وثقلها الإسلامي في العالم (السني)، ذلك بجعلها رأس الحربة في تسويق المشروع الصهيوني الأمريكي الحالي الذي يجري تنفيذ بعض مفاصله على أكثر من ساحة باستخدام (القوة المفرطة) بهدف إخضاع الأمة والسيطرة عليها، وواضح إن هذا المشروع يهدف الى شطر الأمة الى شطرين، الشطر السني، والشطر الشيعي، ويجري الآن العمل على التحشيد ضد الشيعة وضرورة القضاء عليهم، باعتبارهم الخطر الذي يهدد الكيان الصهيوني وجودياً وباعتبار إيران الشيعية هي الداعم الأساسي لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وهذا ما قاله رئيس الوزراء الصهيوني (بنيامين نتنياهو) صراحة: بأن الشيعة هم الخطر على وجود العدو" بينما السنة يقف أكثرهم في خندق العدو ضد الشعب الفلسطيني وضد كل فصائل المقاومة كما تفعل الإمارات التي لديها الآن عشرات المقاتلين الى جانب جيش العدو الذي يقتل العزل من النساء والأطفال من أبناء الشعب الفلسطيني... ولأدراك الأمريكان احترام السنة للسعودية للإبعاد المشار إليها، فهم يريدون أي الأمريكان أن تكون السعودية محور تكتل سني الى جانب أمريكا والكيان الصهيوني في هذه المعركة الفاصلة التي تستهدف أصل الإسلام وهوية الأمة، لأنه بغير ذلك، فأن اتحاد الأمة ووقوفها صفاً واحداً في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، يعني هزيمة هذا المشروع لا محالة، ولذلك تتحدث التقارير عن أن الأمريكان نجحوا في استدراج السعودية لمشاركتهم في محاربة الحوثيين، بعد أن انخرطت الإمارات في هذا العدوان، وهذا من شأنه أن يضفي مشروعية للأمريكان في محاربة الشيعة ويمكنهم من تجنيد شرائح كبيرة من السنة اليمنيين ومن غير اليمنيين في محاربة الشيعة الحوثيين، دون أن يعلموا إن مشاركتهم في العدوان تعني محاربة قيمهم وهويتهم وإسلامهم، وتعني استعبادهم والعبث الأمريكي الصهيوني بمقدراتهم وشؤونهم وثرواتهم!!
3ـــ إن انشغال النظام السعودي بزيارة ترامب ثم الحديث عن الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة بتريليونات الدولارات ومزاعم مردودات هذه الاستثمارات على الاقتصادين السعودي والأمريكي الهدف منه إشغال الأمة عن المشروع الأمريكي الصهيوني في غزة والذي يجري الآن بدعم إماراتي وأمريكي وحتى اردني، بعد استئناف العدو الصهيوني لعمليات الإبادة بحق أهالي غزة بهدف ترحيلهم بالقوة النارية وبارتكاب المجازر المروعة، وبالتالي التمكن من إخلاء القطاع من أهله، من دون أن تكون هناك مواجهة او حتى بيانات إدانة... بمعنى آخر إن انشغال النظام السعودي بهذه الزيارة سوف يؤدي الى التشويش على التحرك الشعبي في بعض الدول العربية لمواجهة هذه الإبادة الدموية من جهة ومن جهة ثانية يوفر للعدو غطاءًا إعلامياً وسياسياً وعسكرياً وفرصة زمنية لأزمة لاستكمال هذا المشروع المشؤوم دون مقاومة من الأمة، ومن جهة ثالثة فأن ذلك سوف يساهم في تسويق الكيان الصهيوني داخل أوساط الأمة ودمجة في نسيجها، من خلال مشروع التطبيع الذي قال ترامب أنه يمضي قدماً وسيكون أحد المحاور الرئيسية لزيارته الى السعودية... وفي الحقيقة إن انخراط السعودية في عملية التطبيع في إطار اتفاقيات ابراهام وتوسيعها لتشمل عدة دول عربية على رأسها السعودية، يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية نهائياً عبر تشريد الشعب الفلسطيني او ما تبقى منه بالحديد والنار، وتمكين العدو من الهيمنة على الدول العربية المطبعة! بعبارة أدق أن ترامب يريد من السعودية أن تتولى هي بالذات تهميش القضية الفلسطينية وتصفيتها نهائياً، ثم اسدال الستار على جرائم العدو الوحشية بحق أبناء الشعب الفلسطيني!! وتأهيل هذا العدو المجرم ليكون الإدارة الضاربة لكل من يريد التحرك ضد الهيمنة الأمريكية الصهيونية في المنطقة!!
ارسال التعليق