
هل انتصر الصهاينة.. كما تسوق الأنظمة العربية البائسة ذلك
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
ما أن وضعت حرب الإبادة الصهيونية على أهالي غزة أوزارها... حتى سارع سياسيو الأنظمة العربية، ليرسخ فكرة (هزيمة مشروع المقاومة والتحرير) في فلسطين، وفي المنطقة، والذي يروج لها الجزار نتنياهو ومعه الأمريكان طيلة الفترة الماضية، أي منذ بدء العدوان على غزة، وحتى اليوم! وفي هذا السياق استوقفني تصريح عبدالخالق عبدالله أحد كبار مستشاري محمد بن زايد، حيث كتب في تدوينة له على منصة (أكس)، مهدداً.. يجب التأكد أن حماس لن تحكم غزة بعد اليوم، ولا يوجد عاقل في غزة المنكوبة يزعم بأنها انتصرت"!! داعياً الى "محاسبة حماس حساباً عسيراً"!! وأضاف مدعياً أن "حرب غزة كشفت بأن حماس والمقاومة الإسلامية فاشلة"!! وزعم بأن حماس... "قدمت لإسرائيل فرصة لارتكاب جرائم حرب استمرت 467 يوم وحولت غزة الى جحيم".
هذه المقولة هي جزء من حملة تصريحات وتحليلات ومقولات في ذات الاتجاه لرموز سياسية ومحللين محسوبين على هذه الأمة، وهم في ذلك يساهمون عن قصد في تسويق فكرة العدو الآنفة!! والتي تشير بوضوح إن حرباً جديدة بدأت الدوائر الصهيونية الغربية تشنها على الأمة وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة المرئية والمسموعة من أجل تمريرها على الأمة، وللأسف لاحظت أكثر من محلل سياسي محسوب على تيار إسلامي يروج لمثل هذه الفكرة التي تتمحور حول المحاور التالية:
1ـ يصور هؤلاء المسوقون للمشروع الصهيوني، وانطلاقاً من الدمار والقتل والإبادة والمجازر التي ارتكبها العدو وبالدعم الأمريكي له بآخر ما توصل إليه الأمريكي من آلات وأسلحة الدمار والإبادة!! يصور هؤلاء إن العدو أنتصر في غزة وفي لبنان!! فيما هُزمت المقاومة وأفشلت، وبالتالي لا مناص إلا الإذعان لهذه الحقيقة، لأننا لا نمتلك الأسلحة التي يمتلكونها ـ أي العدو وأمريكا ودول الغرب ـ، فهذا هو مقصد مقولة مستشار ابن زايد السابقة!!
نعم هؤلاء يريدون أن يكرسوا مفهوم الهزيمة لدى الأمة، وصولا الى زرع الإحباط واليأس لديها!!
2ـ لم يكتف هؤلاء المسوقون للمشروع الصهيوني الأمريكي، بتكريس مفهوم الهزيمة عن الأمة وحسب بل ويحاولون فصل المقاومين عن هذه الأمة وتحميلهم مسؤولية ما لحق بها من إبادة وقتل وتدمير بواسطة الآلة الحربية الصهيونية والأمريكية الفتاكة!! بدلاً من تحميل العدو المسؤولية عن تلك المذابح المروعة وما لحق بأهالي غزة وجنوب لبنان!! باعتبار إن المسؤولين الأمريكان والصهاينة هم المسؤولون الحقيقيون عن تلك الجرائم... ولذلك نجد مستشار ابن زايد يدعو الى معاقبة حماس!! بدل اسرائيل وكذلك نجد المحللين ومن يدعي الخبرة والتفكير ينظر لهزيمة المشروع الإسلامي المقاوم.
3ـ على هذه الخلفية، يريد هؤلاء المسوقون من الأنظمة العربية البائسة أن يكرسوا مفهوم آخر، وهو إن المقاومة (عبث لا طائل منه) ولا يعود على أصحابه إلا بالقتل والاغتيالات والتصفيات وتدمير الحواضن... نعم المقاومة اختارت طريق (ذات الشوكة) وهذا الطريق محفوف بالمخاطر والتضحيات ونزف الدماء وهذه سنة من سنن الصراع مع المستكبرين، فلا بد من تقديم التضحيات ولا بد من المعاناة والحرمان ما دام يتفوق علينا في كل شيء ولكن ذلك ليس مدعاة للاستسلام، وإلا لاستسلم (الحسين بن علي بن أبي طالب لكن الحسين لم يستسلم وقرر المواجهة مهما كانت التضحيات ما دام المعسكر يمثل الظلم والانحراف والاستهتار بالقيم الإسلامية والإنسانية.
واللافت، والمثير أيضاً، إن هؤلاء سارعوا الى فتح مدافعهم الفكرية والإعلامية ضد المقاومة ومشروعها، بينما ما زال اسيادهم الصهاينة تحت الصدمة، ويعترفون بهزيمتهم أمام المقاومة، في خطاب لمخاطبيهم يكشف ارتباكهم وعمق هزيمتهم التي المت بهم!! فعلى سبيل المثال قال وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، إنه في حال انتهت الحرب بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فهذا "إنجاز استراتيجي لحماس وهزيمة مروعة وهائلة لنا". جاء ذلك في مقابلة مع صحيفة معاريف العبرية في 19/1/2025، عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ... وأضاف سموتريتش: "هذه الصفقة هي خطأ خطير للغاية ترتكبه دولة إسرائيل ودفعة لحماس، وهي نوع من الاستسلام للإرهاب" في إشارة لحركة حماس.
أما وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر فقد اعترف في تصريحات له بعيد اتفاق غزة بأن العدو فشل في تفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحركة حماس، خلال حربه في غزة وقال ساعر في هذا السياق: "للأسف لم نحقق هدف تفكيك قدرات حماس"، وأضاف "إن إسرائيل تمكنت من تحويل حماس من جيش إرهابي الى مجموعة حرب عصابات، لكننا نعترف بحقيقة أننا لم نحقق بعد أهدافنا فيما يتعلق بهذه القضية، لكننا ملتزمون بذلك".
من جهته اعترف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند في حديث للقناة السابعة العبرية مساء 18/1/2025، بأن الحرب انتهت بفشل كبير لإسرائيل، بينما حققت حماس انتصاراً واضحاً، وأقر آيلاند بأن الاحتلال لم يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، مشيراً الى إن حماس تعافت من الضربات التي تعرضت لها، وأن إسرائيل فشلت في القضاء عليها، أو استعادة جميع الأسرى!!
أما رئيس أركان الجيش الصهيوني هيرتسي هاليفي فقد أعلن استقالته من منصبه، معترفاً بتحمله مسؤولية الفشل الذريع في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر عام 2023.. وأقر هاليفي الذي سيترك الجيش في 6 آذار المقبل في خطاب الاستقالة الموجه الى وزير الحرب (يسرائيل كاتس)، بأن إسرائيل دفعت ثمناً باهضاً ومؤلماً في الأرواح البشرية، ولم يكن بمقدور الكثيرين من أفراد قوات الأمن، وجنود وقادة الجيش... أن يمنعوا وقوع الكارثة الثقيلة"... وبعد استقالة هاليفي استقال قائد المنطقة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، وقبلهم استقال وزير الداخلية إيتمار بن غفير مع وزراء حزبه (حزب العظمة اليهودية)!! بعد اتفاق غزة...
على أن الاعتراف بالفشل والمرارة أخذ مداه بشكل لافت داخل الأوساط الإعلامية والصحفية، وداخل أوساط المحللين والمعلقين الصهاينة بعد توقيع نتنياهو وطاقمه الوزاري على اتفاق غزة... فالمراسل العسكري الصهيوني للقناة 14 المقربة من نتنياهو، هليل بيتون روزين قال: "من كان يصدق في الأيام التي تلت أحداث السابع من أكتوبر، أنه بعد أقل من عام ونصف من الحرب سوف ننحني أمام حماس ونستسلم لها ونسلمها ما أرادت لتعيد إلينا جزءاً مما أخذته منا بالقوة والعنف"!!
أما عوديد شالوم الكاتب في صحيفة يدعوت احرونوت فقد قال معلقاً على الاتفاق: "إن المخطوفين الصهاينة لدى حماس وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى ـ الذين سيتم إطلاق سراحهم على مراحل ، كان بإمكانهم أن يكونوا في بيوتهم منذ أكثر من نصف عام، لكن كثير منهم انتهى بهم الأمر مقتولين... هؤلاء كانوا ضحية الإخفاق الأكبر في تأريخ إسرائيل منذ إنشائها، إخفاق مسجل بحروف سوداء كبيرة باسم هذه الحكومة ورئيسها وكل فرد فيها"!! محملاً نتنياهو المسؤولية عن هذا الإخفاق، وداعياً الى محاكمته، ويضيف قائلاً: "نتنياهو من خلال ابواقه في الكنيست والإعلام نجح في زعزعة ثقة الجمهور بنزاهة قضاة المحكمة العليا، مما يعيق تشكيل لجنة تحقيق في الإخفاق بالحرب، لكن يجب أن يدرك نتنياهو أن شريحة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي لن تسمح له بالإفلات من المساءلة والمثول أمام لجنة تحقيق مستقلة... وحتى لو لم يحدث ذلك قريباً، فأنه سيحدث في النهاية". ويقول شالوم: "إن المجتمع الإسرائيلي باسره دفع ثمناً لا يحتمل في هذه المواجهة. وقد حان الوقت لنبدأ بالتعافي، لكن أمراً واحداً يجب الا ينسى، وهو القيادة الخسيسة التي قادتنا الى هذه الكارثة ورفضت بعد اندلاعها تحمل المسؤولية"! والى ذلك فأن صحيفة يدعوت احرونوت قالت "إن اتفاق وقف إطلاق النار أثبت فشل إسرائيل، وأن حجم الفشل وثمنه لا يقل عن ثمن فشل 7 أكتوبر" وأشارت الى أنه على الرغم من أن الاتفاق لا يحظى بتأييد واسع إلا أن السلطات الإسرائيلية عاجزة عن رفضه أو الاستغناء عنه"!!
لاحظ عزيزي القارئ، أن ثمة إجماع لدى بعض الأوساط السياسية والصحفية والإعلامية الصهيونية المتبرمة من الاتفاق، على أن هذا الاتفاق رغم أنه سيء وكارثي للصهاينة بحسب توصيفها إلا أن السلطات الإسرائيلية غير قادرة على رفضه ليس لأن ترامب طلب وقف إطلاق النار، وإنما هناك أسباب خطيرة جعلت نتنياهو وحكومته يقبلون بهذا الاتفاق الذي رفضوه قبل ستة أو سبعة أشهر منها ما يلي:
1ـ إن الجيش الصهيوني هو الذي فرض على نتنياهو القبول بالاتفاق، لأن هذا الجيش وصل الى درجة الانهيار الكامل؛ لأن ضحاياه وقتلاه في تصاعد مستمر بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية حيث بلغ عدد القتلى عشرة آلاف عسكري من مختلف الرتب، فضلا عن الجرحى والمعوقين الذين تجاوزت أعدادهم عشرات الآلاف، والأنكى من ذلك أن ظاهرة التمرد والخروج من الجيش تتسع وتزداد يوماً بعد آخر، لدرجة إن قيادات الجيش أعلنت إن هذا الجيش بات يعاني من النقص الحاد في الاعداد المطلوبة لاستمرار المعركة!! ولذلك لجأوا الى تجنيد المتدينين من الحريديم، وذلك يعني أن استمرار هذا الوضع سوف يؤدي الى انهيار الجيش لا محالة والى انهيار الكيان الصهيوني برمته.
2ـ تفاقم الوضع الاقتصادي للعدو، وباتت أمريكا وحتى الدول الغربية غير قادرة على رفد هذا الوضع بسبب حرب أوكرانيا وبسبب الكوارث الطبيعية وعوامل أخرى، كما توقفت الموانئ الصهيونية تقريباً بسبب حصار اليمنيين للتجارة البحرية مع العدو، وهناك دراسات وبحوث مستفيضة حول تدهور الوضع الاقتصادي للعدو بحيث بات لا يتحمل او غير قادر على الاستمرار في تحمل عبئي استمرار الحرب.
3ـ شلل كل القطاعات الصناعية والزراعية والاجتماعية وغيرها بسبب إطالة هذه الحرب، فالعدو غير قادر على تحمل حرب طويلة ولذلك هو دائماً يتبنى الحرب الخاطفة السريعة، أما الحرب الطويلة التي تشل قطاعاته الحياتية فسوف تصل الى درجة او مستوى يؤدي الى الانهيار التام، وهذا ما أجبر نتنياهو على القبول بهذا الاتفاق وابتلاع وعوده وأهدافه التي كان قد أعلنها وأجزم بأنه لا يوقف الحرب حتى تحقيقها ومنها ما يلي:
1ـ القضاء على حماس خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة، ونزع أسلحتها!
2ـ تهجير أهالي غزة من غزة وإعادة الاستيطان فيها..
3ـ تحرير الاسرى الصهاينة لدى حماس وبقية الفصائل الفلسطينية بالقوة!
وكل هذه الأهداف وغيرها لم تتحقق، وبالتالي فهو في المفهوم العسكري فشل وهُزم، لا بل إن المقاومة والجولة الأخيرة التي خاضتها مع العدو اقتلعت أساساً من أساسيات وجود هذا العدو واستمراره.
ارسال التعليق