هل يحقق حكام العرب ما عجز عنه نتنياهو وترامب
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
ما أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروعه قبل أكثر من شهر، بإخلاء قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين بتهجيرهم طوعاً او قسراً الى مصر والأردن، حتى تداعت الدول العربية المطبعة الى التحرك الدبلوماسي والسياسي تحت عنوان مواجهة (المشروع الترامبي)! خصوصاً مصر والأردن والسعودية التي ابتزها نتنياهو بقوله ان بالامكان تهجير سكان غزة إليها والسماح لهم هناك بإقامة دولتهم الفلسطينية على الأراضي السعودية، لأن المملكة تملك أراضي واسعة يمكن أن تحتضن دولة فلسطينية فيها!! وما رفع من مناسيب الضجة وكذلك التحرك الدبلوماسي المشار إليه، هو إن ترامب استدعى عبدالفتاح السيسي، وملك الأردن عبدالله لزيارة واشنطن وللقائه هناك لفرض الاملاءات عليهما والقبول بها!! وفيما تهرب السيسي عن تلبية الطلب لبى عبدالله وذهب الى واشنطن حيث ادعى أنه رفض الطلب باستقبال الفلسطينيين في الأردن، او بالأحرى ما قالته وسائل أعلامه في الأردن، بينما هو أشار الى أنه قال لترامب لننتظر ما يحضره السيسي من خطة لطرحها على ترامب، لأن الجيش المصري والمنظمات الشعبية في مصر عارضت تهجير فلسطيني غزة الى سيناء لأن ذلك يهدد الأمن القومي! وفي الحقيقة إن السيسي وعبدالله، كلاهما متبرمان وغير راضيين بالسيناريو الذي طرحه ترامب، وإن لم يعلنا ذلك صراحة، لكن هذا السيناريو ووجه بمعارضة داخلية شديدة في كلا البلدين مصر والأردن، انعكس صداها في وسائل الاعلام المصرية والاردنية، وفي تصريحات بعض الشخصيات والرموز السياسية والثقافية وحتى بعض الشخصيات الدينية..
وما تجدر الإشارة إليه هنا هو إن القلق المصري والأردني من مشروع ترامب في محله، لأن هذا المشروع ليس مجرد اقتراح فحسب، وإنما هو مشروع قديم أشار إليه بن غوريون، كما انه عبرت عنه وثيقة (كينونيم) الإسرائيلية التي انتشرت في عام 1982م، والتي دعت الى تفكيك الدول العربية الى كانتونات عرقية وطائفية ودينية وحتى مناطقية، يتسّيد عليها الصهاينة وتكون تحت هيمنتهم وسطوتهم!! وبالتالي فأن دعوة ترامب تستبطن أخطاراً جمة سيما على مصر والأردن وحتى السعودية، اذا أخذنا بنظر الاعتبار الخلفيات التاريخية والاستراتيجية لمشروع ترامب، ولذلك رحب الكثير من أبناء الأمة برفض السيسي للقاء ترامب في واشنطن وبالتحرك الدبلوماسي لمصر وللسعودية لمواجهة هذا المشروع، خصوصاً بعدما أعلنت القاهرة دعوتها للزعماء العرب لعقد قمة عربية في القاهرة في 27 شباط 2025 لبحث تداعيات مقترح او مشروع ترامب بإخلاء قطاع غزة من ساكنيه... وبعدما أعلن ابن سلمان دعوته لعقد قمة خماسية مصغرة في الرياض تشمل مصر والأردن بالإضافة الى قطر والبحرين والسعودية البلد المضيف... تسبق القمة التي من المقرر أن تنعقد في القاهرة، وحينها ذهب الاعلام العربي يمينا وشمالاً في تغطية وإثارة الجدل وإطلاق التحليلات حول الموقف الذي سيتخذه الزعماء العرب في تلك القمم، وكذلك القرارات التي من الممكن أن يتخذها هؤلاء الحكام في مواجهة التحدي الذي مثله طلب ترامب! وحينها انشغل الإعلام بأن حكام العرب سيناقشون المقترح المصري، او البديل المصري لمقترح ترامب، وكان هذا الإعلام يروج لمقولات إن هؤلاء الحكام سيتخذون قرارات صلبة ورافضة للمقترح الترامبي وراح هذا الاعلام يفصل بخطورة هذا المقترح ويقول: أنه يستهدف المنطقة برمتها لأن قطاع غزة يشكل موقعاً مركزياً في الاستراتيجية الامريكية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، فأمريكا تريده قاعدة عسكرية أمريكية تهيمن على منطقة الشام برمتها، وعلى منطقة شمال أفريقيا خصوصاً مصر، حيث سترصد هذه القاعدة كل شاردة وواردة في مصر، وستشكل بدون شك، تهديداً قومياً للأمن المصري! أما بالنسبة للأردن فأن سياسييه وخبرائه وإعلاميه استحضروا مشروع الوطن البديل واعتبروا أن تهجير أهالي غزة وبدون شك سيشمل هذا التهجير أهالي الضفة الغربية، وحينها كما يقول هؤلاء سيختفي الأردن من الخارطة السياسية، وستتحول الى الوطن الفلسطيني البديل، وعلى خلفية هذا المخاوف ما تزال الضجة الإعلامية والجدل داخل الأردن محتدماً حول الموقف المناسب، الذي من اللازم أنه يقف الأردنيون مقابل هذا التحدي، ولذلك كانوا يعولون كثيراً على تلك القمم، أي قمتي الرياض والقاهرة على التوالي...
ولكن في ذروة حماس الجماهير العربية، الأردنية والمصرية خاصة لانعقاد هذه القمم، وفي ذروة انتظارها - أي تلك الجماهر - الاحر من الجمر، لاتخاذ هذه القمم القرارات المناسبة لأن التحديات جدية وتتطلب السرعة والحسم في اتخاذ مثل هذه القرارات...
نقول في ذروة كل هذا الحماس والانتظار صُدمت هذه الجماهير بتأجيل القمة الخماسية المصغرة السعودية يوما واحدا، وتحولت من قمة تتبنى قراراً عربيا رسمياً بشأن المشروع المصري لمواجهة مشروع ترامب ليصبح عربياً في القمة العربية... الى قمة لقاء أخوي، ما تبين فيما بعد فشل الاتفاق السعودي المصري على صيغة موحدة للمشروع المصري لحل الوضع في غزة... أما قمة القاهرة فقد أجلت الى 4 آذار!! بحجة إن بعض الزعماء العرب يتقاطع جدول التزاماته مع حضور هذه القمة، وهي حجة بدت غير مقنعة لأنها أعلنت قبل مدة بحيث يستطيع الزعماء العرب جدولة أعمالهم دون أن يعيق ذلك حضورهم لأن لديهم المتسع من الوقت الكافي لتلافي مشكلة عدم حضورهم ما يعني أنهم منقسمون على أنفسهم، أي أنهم لم يتفقوا على صيغة محددة للطرح العربي للحل!!
وفيما لم تشر لا السعودية ولا مصر الى أوجه الاختلاف ين الطرفين حول المشروع المصري الخاص بغزة، تبين من خلال التسريبات السياسية والإعلامية من أوساط كلا الطرفين ومن مصادر خبرية وغربية إن الخلاف الأساسي بين الطرفين يكمن فيما يلي:
1ــ من حيث المبدأ تتفق الأطراف العربية الفاعلة في هذا التحرك المشار إليه، وهي مصر والأردن والسعودية ودول الخليج الأخرى على حرصها في أن يكون البديل العربي لخطة ترامب ملبيا بشكل غير مباشر لما يريده كل من ترامب ونتنياهو فيما يخص قضية غزة، بل القضية الفلسطينية برمتها فالسعودية مثلاً تسعى الى إيجاد تسوية تحفظ ماء الوجه للحلفاء العرب، وتضمن استمرار العلاقات الجيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة!! ومن هنا بدأ الاختلاف بين مصر والسعودية، حول تفصيلات مقترح السيسي لحل الوضع في غزة، وهو الخلاف الذي أطاح بالقمة الخماسية السعودية وحولها الى لقاء أخوي دون اتخاذ قرارات وتبني وجهة نظر عربية موحدة ترضي ترامب ونتنياهو وتخلص الزعماء العرب من الإحراج أمام شعوبهم والشعب الفلسطيني خاصة!
2ــ تتمحور الخطة المصرية حول بعض النقاط أبرزها: تشكيل لجنة فلسطينية تحت إشراف السلطة الفلسطينية تتولى مسؤولية إعادة إعمار القطاع، علاوة على استبعاد حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية من أي دور في اليوم التالي للحرب، وتولي شركات مصرية الى جانب شركات أخرى، تنفيذ مشاريع إعادة الأعمار، مع إمكانية توفير قوات عربية او دولية لتأمين عمل تلك الشركات!! وترفض مصر التهجير القسري لسكان غزة وحتى الطوعي، وهذا ما يتعارض مع إجراءات العدو الصهيوني الرامية الى تنفيذ مشروع ترامب حيث أعلن وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس عن إنشاء العدو إدارة خاصة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة طواعية! على أن تكون مهمة هذه الإدارة او الهيئة تسهيل كافة الإجراءات أمام الغزيين الراغبين في الخروج الى بلد آخر، مع تقديم المغريات لحثهم على المغادرة!
3ــ أما النظام السعودي فهو قد اعترض على الكثير مما جاء في المقترح المصري، فهو اعترض على الهيئة او الإدارة التي اقترحتها الخطة المصرية، تحت اشراف السلطة الفلسطينية، وأكد على أن تتولى قوة عربية إدارة غزة تحت قيادة دولة عربية او عدد من الدول العربية ويفضل تولي مصر بالذات إدارة قطاع غزة، وهذا ما يتطابق تماماً مع ما يريده العدو الصهيوني، حيث اقترح زعيم المعارضة يائير لابيد أن تتولى مصر إدارة قطاع غزة الفلسطيني لمدة 15 عاماً مقابل أسقاط ديونها الخارجية البالغة 155 مليار دولار، لكن مصر ترى في هذا الاقتراح فخاً يضعها في مواجهة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية.
يقول بعض الخبراء إن النظامين السعودي والمصري قد يتفقان على تولي السلطة الفلسطينية للأمور في القطاع مدعومة بقوة عربية، لكن يبقى الاختلاف على إصرار السعودية على نزع سلاح حركة حماس وبقية الفصائل المقاتلة الأخرى، كشرط لتمويل ودعم عملية إعمار غزة!! بالإضافة الى ذلك الإصرار على فتح الهجرة الطوعية لسكان غزة... وذلك ما يعني أنه تبني لمشروع ترامب ولكن بصيغة أخرى، قد تخفف من مستوى الإحراج أمام الشعوب فيما لو تبنت هذه الأنظمة صيغة مشروع ترامب الاستفزازي والصادم!!
يضاف الى ذلك، إن الخطة المصرية تتضمن إعادة طرح دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، مع إدخال قوات عربية وأجنبية لتقوم بمهمة تأمين الحدود الفاصلة بين الكيان الصهيوني وفلسطين، على أن تقوم هذه القوات بإعادة تأهيل القوات الأمنية الفلسطينية، وذلك رفضته السعودية والإمارات، لأن العدو ومعه أمريكا يعارضان مثل هذا الطرح في الوقت الحاضر، لأن ترامب يريد ضم غزة والضفة الغربية للعدو الصهيوني او أن تصبح غزة خاضعة للسيطرة الأمريكية لتحويلها الى قاعدة عسكرية كما أشرنا، وفضلاً عن ذلك إن بعض الفصائل الفلسطينية تعارض أيضا مثل هذا الطرح، ولذلك يرى البعض من الخبراء ان القاهرة قد قدمت الخيار الأسوأ وسيكون من الصعب التفاوض حوله لأن هو عدم وجود دولة!
نستخلص من كل هذا التحرك الدبلوماسي للحكام العرب، ومن كل هذا الجدل الذي يجري حول مستقبل غزة، وتحت واجهة مواجهة مشروع ترامب... ما يلي:
1ـــ إن ترامب المعروف بوقاحته، وضع الأنظمة العربية المطبعة والتي لها علاقات وطيدة مع واشنطن، في وضع حرج جداً، فهذه الأنظمة التي طالما كانت تتلطى وراء شعارات الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية، و(إقامة السلام) مع العدو، وغيرها من الشعارات للتغطية على تآمرها على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، جعلها ترامب في موقف لابد أن تعلن فيه او تعبر عن حقيقة دعمها للمشروع الصهيوني على شاكلة نظام الإمارات الذي لم يتردد في التجاهر بالوقوف الى جانب العدو في عدوانه على غزة، بالدعم العسكري واللوجستي والاقتصادي!!
2ــ ولان أمريكا ترامب لا تراعي الا مصالحها ومصالح حليفها الاستراتيجي إسرائيل، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح حلفائها العرب، فهي تريد منهم تلبية مطالبها بتحقيق الأهداف في غزة، تلك التي عجز نتنياهو عن تحقيقها بالآلة العسكرية المتطورة الأمريكية والصهيونية على مدى 470 يوم من العدوان، ولذلك أبدى ترامب تعجبه من تبرم مصر والأردن عن طلبه استقبالهما فلسطيني غزة، لأن أمريكا بحسب قوله تقدم الأموال الطائلة لمصر والحماية العسكرية وأيضا الدعم الاقتصادي للأردن!!
3ــ بإمكان هذه الأنظمة الوقوف بوجه المشروع الأمريكي الترامبي، وبوجه الكيان الصهيوني، وتقول له (لا)، وبإمكان تهديد ترامب ونتنياهو بدعم حماس كما تفعل بعض الدول، حتى ولو لم تستخدم وتوظف إمكاناتها العسكرية... لكنها بدلاً من توظيف امكانياتها تلك منهمكة اليوم بإيجاد الصيغ المختلفة لتنفيذ المشروع، وتمارس الضغوط على حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس من أجل نزع سلاحها، وصنع انتصار وهمي لنتنياهو ينقذ ماء وجهه ويحقق لترامب إفراغ القطاع من سكانه!! ما يعني ذلك إن القمة العربية لم تتمخض إلا عن ما هو أسوأ بالنسبة للفلسطينيين وللأمن القومي العربي؟
ارسال التعليق