بعد التطبيع هل يستوطن الصهاينة مكة والمدينة!؟
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز مكيقيد يغيب عن البعض معرفة النظرية الدبلوماسية للكيان الصهيوني التي يتعاطى بها مع أصدقائه ومع أعداءه على حد سواء، وهي النظرية التي وضع أسسها ومراحلها وتفاصيلها المؤسس بن غوريون ثم طورت هذه النظرية على يد وايزمن الذي أعقب بن غوريون وعدد آخر من دهاقنة الصهاينة، وتتخلص هذه النظرية في آخر مفرداتها، بأن يضع الصهاينة سقوفاً محددة لمطالبهم مع الطرف الآخر، ويحاولون إيجاد الوسائل لتحقيق هذه السقوف، التي هي عبارة عن الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم لتحقيقها، ولتحقيقها يوظفون كل السائل المتاحة لديهم بما فيها العسكرية لإجبار الخصم إذا كان عدواً، للقبول بها، بهذا الأهداف مرغماً، وللإشارة أن هذه النظرية وضعت أساساً للتعامل بها مع العرب الذين هم بنظر الصهاينة أعداءهم، والساعين إلى القضاء على كيانهم الغاصب، وإذا لم تتوفر لديهم الوسائل الممكنة فهم، أي الصهاينة يخلقون تلك الوسائل، ويوظفونها لإجبار الخصم على القبول بأهدافهم، حتى لو تطلب الأمر عقود من الزمان، ومتى ما وصلت قناعات الخصم بالتخلي عن مطالبه والتسليم والقبول بالأهداف التي حددها الصهاينة، فأن هؤلاء، يرحبون ويتظاهرون بالقبول، ويمكن أن يقرنوا هذا القبول بتحركات أو إجراءات شكلية لخداع الرأي العام العربي، لكنهم متى ما تحقق لهم من أهداف بدأوا التحرك من جديد لرفع السقوف والمالية بالمزيد معتبرين أن ما تحقق يعتبر ناقصاً ولا يكفي، ولتحقيق هذه الأهداف الجديدة تصبح الأهداف القديمة وسيلة لتحقيق الأهداف الجديدة وهكذا، ولو رجعنا إلى تعاطي الكيان الصهيوني مع مصر مثلاً، نجد أن هذا التعاطي ترجمة عملية للنظرية الصهيونية الآنفة، فالعدو في البداية طرح سقف عدم الاعتداء بين الطرفين، وحينما وافقت مصر بعد عدة حروب، طرح العدو سقوفاً جديدة، تمثلت بانسحابه الصوري من سيناء، التي احتلها بعد حرب 1973، في عهد السادات ومفاهيم بيغن، وتمثلت أيضاً بتوقيع معاهدة إنهاء الحرب بين الطرفين، والتطبيع بينهما، ثم تطور الأمر، إلى أن التطبيع لم يقف عند الحدود السياسية فحسب بل توسع ليشعل المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، والزراعية منها بشكل خاص... وفي هذا المجال توسعت المطالب الصهيونية لتشمل فروض تزويد مصر بالاسمدة، التي تبين فيما بعد أنها ليست أسمدة إنما مبيدات أبادت المحاصيل الزراعية التي تشتهر بها مصر مثل الفول والقطن وما إلى ذلك، أما في التطبيع الثقافي، فأن الكيان الصهيوني اخترق كل المجالات والميادين الثقافية في مصر، السينما والمسرح والتعليم، والتعليم العال، لدرجة أن العدو وصل إلى مرحلة، بات يشارك فيها في تعيين المشاريع الدراسية لطلبة الدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه، في الجامعات المصرية، لا سيما جامعات القاهرة والاسكندرية، وفي التطبيع الاجتماعي، وصل العدو حتى إلى القرى والأرياف، وخلال عشرين، كشف نظام حسني مبارك أكثر من عشرين شبكة دعارة وتجسس في العاصمة القاهرة وفي بقية المدن المصرية يقف وراءها المعهد الثقافي الصهيوني والسفارة الصهيونية في القاهرة، وهاتان المؤسستان عادة ما يرأسها خبراء وضباط أصحاب تجربة وخبرة في جهاز الموساد الصهيوني، كما يعرف القاصي والداني، أما الشبكات الأخرى التي لم تكشف، فلا يعلم عددها إلا الراسخون في العمل المخابراتي من جنرالات الصهاينة.. أيضاً تجربة العدو لا تختلف من حيث المبدأ والخطوات مع الأردن، فهذا الأخير وصل إلى مرحلة التكفل بتصدير وتسويق المنتجات الصهيونية بعد إعادة تغليفها، وإعادة تسويقها تحت أسماء شركات ومؤسسات أردنية، وعلى أساس أنها منتجات أردنية، تصدر إلى جميع الدول العربية!!
السعودية اليوم...تطبيق آخر للنظرية الدبلوماسية الصهيونيةما يمارسه النظام اليهودي مع نظام السعودي يماثل إلى حد كبير ما قام ويقوم به من خطوات مع مصر والأردن، بل إنه استفاد من أخطاء تطبيقات نظريته الدبلوماسية مع مصر والأردن، ليتجاوزها ويضع البدائل الناجعة لها في تعاطيه الحالي مع النظام السعودي، وبقية الأنظمة الخليجية المطبعة، فقد لاحظنا ولاحظتم أيها الأخوة القراء الأعزاء، كيف أن المسؤولين الصهاينة وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظلوا طيلة السنوات الأخيرة يطالبون بإعلان التطبيع مع السعودية وبقية الدول العربية والخليجية، وكيف كان الإعلام الصهيوني وحتى الإعلام العربي الأجير يسوق للناس (منافع ومزايا) التطبيع مع العدو، خمرة يركز هذا الإعلام على إنعاش الوضع الاقتصادي للعرب لان الصهاينة متقدمون من الناحية التقنية والتطور التكنولوجي!! كما قال في هذا الإطار وروج لذلك المقبور شيمون بيريز، حينما قال: لديهم الأموال الطائلة ولدينا العقول لإقامة وتحقيق نهضة الاقتصادية! وكما ردد ذلك قبل عام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ثم تلقف هذه المقولة إعلاميو الأخير المتحمسين للتطبيع مع العدو، وراحوا يضخونها بين الحين والآخر في مقالاتهم وتغريداتهم، وفي تصريحاتهم ونقاشاتهم، (لتحسين وجه التطبيع وتسويقه وتبريره) أمام الرأي العام في المملكة السعودية وفي خارجها.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن مطالبة العدو بعلنية التطبيع السعودي لا تعني انه لا يوجد تطبيع بين الطرفين، بل يوجد أكثر من التطبيع، يوجد تنسيق وتعاون أمني وعسكري ومالي، لكنه ظل كل ذلك سرياً، ومن شأن الطابع السري أن يفرض قيوداً وحدوداً معينة على الطرفين لا تنسجم مع الأهداف الصهيونية، التي يراد لها أن تتوسع باستمرار، وان تأخذ سقوفها مديات جديدة، ولذلك ظل الصهاينة يطالبون بإعلان هذا التطبيع.. لكن حينما تحقق هذا التطبيع ونقصد الإعلان عنه، من خلال الهرولة العلنية لأنظمة السعودية والبحرين والأمارات، انتقل العدو إلى مرحلة جديدة، بحيث أصبح الحديث عن التطبيع وكأنه مطلب عربي، مطلب سعودي إماراتي بحريني لحماية الأنظمة من إيران، وليس مطلباً صهيونياً، كما كان نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة وإعلامييهم يطالبون بذلك، فنتنياهو ردد لعشرات المرات خلال الفترة القليلة الماضية، انه لم يكن يحلم في حياته ان هذه المشار اليها تهرول نحو الكيان لطلب الحماية والتطبيع معه وتقوم بالتنسيق والتعاون في المجالات الأمنية والاستخباراتية ضد إيران ومحورها، كحزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين.. نقول حينما تحقق هذا التطبيع انتقل العدو إلى مطالب جديدة بعد أن ظل كما أشرنا يسوق أن هذه الأنظمة هي التي تطلب التطبيع معه.. انتقل إلى المطالبة بتشكيل حلف عسكري وأمني لمواجهة إيران عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وذلك بتوظيف كل إمكانات هذه الدول في إطار معركته مع الأمة ومقدساتها، لأن العدو يعتقد توارتياً انه لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة إذا لم ينجح في القضاء على مقدسات الأمة الإسلامية وتمزيقها وتحويل هذه الأمة إلى كتل وكانتونات متصارعة على خلفيات عرقية ومذهبية وطائفية وما إلى ذلك. ولقد لاحظنا ولاحظتم كيف أن العدو وإعلامه وحتى إعلام النظام السعودي، يسوق وحتى اللحظة ضرورة إقامة مثل هذا التحالف الدنس بين الكيان الصهيوني وتلك الأنظمة المطبعة وعلى رأسها النظام السعودي ولاحظنا كيف أنهم يسوقون أن مثل هذا التحالف في حال تمت إقامته "يصب في مصلحة السعودية والشعوب العربية وما إلى ذلك من محاولات تسويق وتزويق هذا التحالف". بهدف تمريره وتبريرة للأمة الإسلامية وللشعوب العربية بشكل خاص.
وعندما أصبح هذا المطلب الصهيوني بإقامة الحلف مع ما يسميهم الصهاينة وعلى رأسهم بالطبع نتنياهو بالأنظمة العربية السنية المعتدلة وعلى رأسهم النظام السعودي، مقبولاً ومسوقاً في خطاب آل سعود وإعلامهم، انتقل الخطاب الصهيوني إلى مرحلة أخرى، أي إلى مطالب أخرى كثيرة ومتنوعة منها شراء السلاح الصهيوني بمشاركة الولايات المتحدة في عقد الصفقات مع النظام السعودي فالصهاينة، صرحوا بأن سهمهم من الصفقة التي عقدها ترامب في زيارته الأخيرة للسعودية والبالغة 450 مليار دولار، كان 110 مليار دولار مقابل أسلحة صهيونية تُسلم للنظام السعودية مع تلك الأسلحة الأمريكية.. ومنها مطالبة الصهاينة النظام السعودي وبقية الأنظمة الخليجية المطبعة، بالقيام وبذل جهد استثنائي لتسويق التطبيع الاجتماعي، وهذا ما جاء ذات مرة صراحة على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث قال ما معناه، أن التطبيع مع الأنظمة حاصل، لكن نريد من النظام السعودي وبقية الأنظمة المطبعة أن تعمل على تحسين وجه الكيان الصهيوني وجعله مقبولاً عند الجماهير العربية في السعودية وفي بقية البلدان العربية، لأن هذه الجماهير ما زالت ترفض الكيان الصهيوني وترفض التعامل معه، وأكد نتنياهو أن تحقيق مثل هذا التطبيع يمكّن (إسرائيل) من التحرك بحرية وتحقيق طموحات (الإسرائيلية والعربية) بحسب زعمه بشكل سريع وسلس، إن قبلت الشعوب العربية التعامل مع الكيان الصهيوني، واللافت انه منذ مطالبة نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة وإعلامهم بهذا الأمر، انطلقت الماكينة الإعلامية للنظام السعودي في هذا الاتجاه، فبين الحين والآخر يطل علينا أحد الإعلاميين أو كتاب الديوان الملكي يصرح أو يتحدث بالاتجاه المشار إليه من أجل تدجين الأمة ومن أجل إقناعها للقبول بالتعامل مع هذا الكيان الغاصب، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أطل علينا الكاتب المتصهين عبد الحميد الغبين يوم21/12/2018 وقال لقناة (i24News) الاسرائيلية "ان الاعتراف بالقدس الغربیة عاصمة (اسرائيل) سيؤدي الى السلام في المنطقة". وأضاف: "ليس مهماً من يدير الأماكن المقدسة في القدس، طالما كان بإمكان أي مسلم زيارتها"، لافتاً، إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة على حد زعمه.
يشار الى ان صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية كانت قد كشفت يوم 18/12/2018 "أن سعود القحطاني الوزير السابق بالديوان الملكي والساعد الأيمن لمحمد بن سلمان هو الذي أعطى التوجيهات لوسائل الإعلام ومحركي الرأي العام السعودي لتهيئة الأجواء بين المواطنين السعوديين لعملية التطبيع مع إسرائيل".
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم يواصل هذا القطيع المطبع هذا الجهد من أجل تحقيق الأهداف التي يريدها الكيان الصهيوني.
على أن العدو، لم يكتف بكل ما حققه من إنجازات ضخمة بحسب وصف المسؤولين الصهاينة من هرولة النظام السعودي وبقية الأنظمة الخليجية المطبعة، بل فتح شهيته وقرر حرق المراحل وترك التدرج في تحقيق المكاسب، ليحاول تحقيقها جملة واحدة، فاليوم نسمع الحديث يتكرر في وسائل الإعلام الصهيونية عن إلزام الحكومات العربية ومنها السعودية إلى الكيان الصهيوني، فهذا الكيان يطالب بضرورة تعويض هؤلاء الذين انتقلوا بإرادتهم، أموالاً طائلة، وقام بحساب هذه التعويضات وهي تقدر بمئات المليارات!! أما الأمر الثاني الذي تتحدث عنه الصحف الصهيونية، فهو عودة يهود خيبر والقينقاع إلى مكة والمدينة المنورة، ولتوضيح هذه النقطة الأخيرة نستعين بمقالة الكاتب الفلسطيني نادر الصفدي من رام الله في 9/6/2019، يقول نادر في مطلع مقالته "...فالأبواب التي شرعها في وجه (اسرائيل)، وعلى وجه الخصوص بالسنوات الأخيرة، قادة دول عربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، فتحت شهية دولة الاحتلال التي تجاوزت مطامع التطبيع والعلاقات العلنية، حتى وصلت إلى الركض خلف تزعم أنها سلبت منذ عصور". ويضيف نادر، أن هذه الحقوق المزعومة كشف عنها مسؤولون فلسطينيين، كالنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد أبو حلبية، الذي أكد أن أطماع إسرائيل تتخطى الحدود والمعقول" وينقل نادر عن حلبية قوله في هذا الإطار "إن دولة الاحتلال تسعى الآن إلى إعادة بعض اليهود للسكن مجدداً في الأراضي الحجازية بعد أن خرجوا منها في عهد الرسول محمد (ص)". وأضاف حلبية القول "علمنا أن وفداً يهودياً قد دخل السعودية خلال الفترة الماضية، ويحاول الآن تجهيز الظروف المناسبة لإعادة العيش في الأماكن التي خرجوا منها في عهد الرسول (ص) ضرورية، ويسعون من خلال جهودهم تحركاتهم السرية إلى تحقيق هذا الحلم، في ظل التقارب الكبير الحاصل بين السعودية ودولة الاحتلال". وزاد حلبية في حديثه قائلاً "اليهود يحاولون إعادة العيش والاستقرار من جديد داخل أراضي المملكة السعودية مستغلين ما يدور من تطور جوهري وكبير في علاقات (دولتهم) مع الرياض".
معتبراً ذلك "مؤشراً خطيراً وتجاوزاً لجميع القيم وضوابط التعامل مع الكيان الإسرائيلي". ولفت أبو حلبية إلى أن اليهود "لم ولن يتوقفوا عند هذا الحد، بل سيطالبون الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام السعودي، بتفويضات مالية كبيرة عما جرى لهم في العصور الماضية!!".
من جهته رأى الكاتب والمحلل السياسي ثبات العمور: "أن هذا الأمر- أي مطالبات العدو بالتعويضات المالية أو بالعودة إلى المدينة- لن يعيق السعودية عن الوصول إلى هدفها الأكبر بتطبيع علاقات سياسية واقتصادية وأمنية كاملة مع دولة الاحتلال، وما ستطلبه الأخيرة سيلبى فوراً" وأشار العمور إلى أن النظام السعودي فتح الأبواب مشرعة لدخول الصهاينة الأراضي السعودية، معتبراً أن الأخيرة تخطت كل الخطوط الحمراء وأصبحت رأس حربة الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية. وبناءاً على ما تقدم فأن العدو لا يكتفي بما طالب به النظام السعودي حتى الآن، بل سيطلب المزيد حتى السيطرة التامة على مملكة آل سعود فهل يعي هؤلاء المخاطر!؟
ارسال التعليق