
إطمئنان صهيوني إلى مسار التطبيع مع الرياض رغم اتفاق بكين
تواصل الصحف ومراكز الدراسات العبرية تقييم ما أُعلن عنه من اتفاق على استئناف العلاقت بين النظام السعودي وإيران، وتأثير الخطوة على مستقبل مشروع التطبيع العربي – الصهيوني وموقع النظام السعودي من هذا التطبيع، فضلاً عن محاولة تبيان الأطراف الرابحة والخاسرة من هذا الاتفاق من زاوية المصالحة والرؤية الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، رأت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية في تقرير، أن العلاقات الجديدة بين النظام السعودي وإيران لديها القدرة على إعادة تشكيل المنطقة، التي باتت تعيد تشكيل صياغة علاقتها بين الولايات المتحدة والصين، معتبرة أنه يمكن للعلاقات السعودية الإيرانية الجديدة أن تحد من الصراع في لبنان واليمن والعراق وسوريا. وأمام ذلك، أطلقت الصحيفة العبرية سؤالا حول من هم الرابحون والخاسرون جراء هذه الصفقة.
النفوذ الأميركي باقٍ وقال التقرير إن الكثير من النقاشات تحدثت حول الخسارة المتوقعة للنفوذ الأميركي، جراء عودة العلاقات الإيرانية السعودية، وما إذا كانت الصين قادرة على الانقضاض على الشرق الأوسط، والتوسط في العلاقات بين دوله، على حساب مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة.
لكن، بحسب الصحيفة، فإن “الواقع هو أكثر تعقيداً، فتعود العلاقات الأميركية السعودية إلى قرن من الزمان، وخلال معظم فترات الحرب الباردة، كانت “السعودية” ركيزة أساسية لعلاقات الولايات المتحدة في المنطقة، وعاملة مستقرة في ذلك الوقت”.
مع ذلك، فقد غيّرت “السعودية” سياساتها ببطء بعد 11 سبتمبر 2001، وأعاد صعود محمد بن سلمان تشكيل التصورات عن الرياض ووضعها على مسار أكثر استقلالية في السياسة الخارجية، بحسب الصحيفة العبرية، التي قالت أيضاً إنه “من الصعب قراءة التواصل السعودي مع إيران على أنه ضربة للولايات المتحدة (..) وهذا يعني أن القرار الأخير الذي اتخذته السعودية لتجديد العلاقات مع إيران قد لا يكون مرتبطاً بالسياسة الأميركية في المنطقة”.
ونفى التقرير أن يكون النظام السعودي قد قام بخطوة خارج السياق الأميركي إذ قال إن “الولايات المتحدة لم تطالب “السعودية” بقطع العلاقات مع إيران، كما أن لأميركا تحالف استراتيجي مع قطر، والتي بدورها لها علاقات وثيقة مع إيران، وكذلك تركيا، العضو في الناتو، وبالتالي فإن المملكة قامت فقط بما فعله شركاء الولايات المتحدة الآخرون”. مكاسب صينية وأمام ذلك، أشارت الصحيفة العبرية، إلى أن إيران والصين وقعا اتفاقاً مدته 25 عاماً لتحسين العلاقات، كما التزمت بكين بخطة خمسية مع 6 دول خليجية خلال اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينج بقادة الخليج في عام 2022.
وأضافت: “يعود انتشار الصين في الخليج ومع إيران إلى سنوات، ويأتي ذلك وسط اعتبار الولايات المتحدة للصين وروسيا خصمين قريبين من نظير تريد واشنطن مواجهتهما”.
ورأت أنه “من الواضح أن الصين سعت إلى توسيع علاقاتها في المنطقة، وقرار إيران و”السعودية” بالعمل مع الصين على التطبيع مع بعضهما البعض، هو جزء من أن تصبح الصين وسيطاً دبلوماسياً في المنطقة (..) وعلى الرغم من أن هذا يعد فوزًا للصين، فإنها كانت أيضاً دولة طبيعية لاستضافة هذه الخطوة النهائية”، لافتة إلى أن المسار التطبيعي في العلاقات بين الرياض وطهران كان يسير في بشكل واضح، ولم يكن يحتاج إلا قليل من الدفع، وهو ما قامت به بكين.
مسار التطبيع سالك:
تربط الصحيفة بين الاتفاق السعودي الإيراني، وعلاقته بالكيان الصهيوني، مشيرة إلى أن النظام السعودي يسير في اتجاهات دبلوماسية وسياسية عدة، قد لا يؤثر ذلك على إمكانية تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب كما هو متوقع ونقلت الصحيفة أنباء إمكانية تحسين العلاقات بين الكيان الصهيوني والنظام السعودي، والتي نشرتها مؤخرا صحف “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” حول سعي الرياض للحصول على تعهدات أمنية من واشنطن كجزء من نوع من رفع مستوى العلاقات مع تل أبيب.
وقالت إنه “من الواضح أن “السعودية” تعمل على مسارات سياسية متعددة: الصين وروسيا والولايات المتحدة وربما “إسرائيل”، وكل ذلك جزء من موقع الرياض الجديد لسياسة مستقلة أكثر تعقيداً”.
واعتبرت أنه “من غير المحتمل أن تؤثر العلاقات الإيرانية بالضرورة على “إسرائيل” بشكل سلبي، فللسعودية مصالح في اليمن ولبنان وكذلك في سوريا والعراق، تتوافق مصالح المملكة مع مصالح “إسرائيل” من حيث الاستقرار وعدم الرغبة في إدارة الميليشيات الإيرانية أو الوكلاء الذين يديرون هذه البلدان”.
ولفتت إلى أن الخليج بشكل عام يتحرك للتصالح مع سوريا، الأمر الذي يمكن أن يقلل الفوضى في المنطقة.
وقالت: “يبدو أن حقبة الحرب التي حددت فترة ما بعد “الربيع العربي”، وعصر الصراع الذي بدأ قبل عقود مع صعود المتطرفين، يقترب من نهايته”.
كل هذا مدعوم بسياسات الدول الكبرى والصفقات التي لعب الكيان الصهيوني دوراً فيها مثل قمة النقب الأخيرة واتفاقيات التطبيع مع الدول العربية، بحسب الصحيفة التي أشارت أيضاً إلى أنه “يمكن النظر إلى العلاقات الإيرانية السعودية على أنها جزء من تلك العملية الدبلوماسية الأكبر”.
على هذا النحو، قد لا يخسر الكيان الصهيوني، بل يمكن للنظام السعودي الآن التعبير عن مخاوفه لإيران من خلال الدبلوماسية، بدلاً من أن تكون في خلاف، بحسب تقرير “جيروزاليم بوست” العبرية.
ضمانة إسرئيلية لأمن الخليج:
إلى ذلك، قال تحليل نشره موقع “أوراسيا ريفيو” لجيمس دورسي، الأكاديمي في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، إن استعادة العلاقات السعودية الإيرانية لن يزيح صفقة التطبيع المقترحة بين الرياض وتل أبيب من على الطاولة، رغم أن هذا التطبيع تنظر إليه إيران كتهديد يصعب التسامح معه. ويُنظَر إلى الكيان الصهيوني، لاسيما خلال الفترة الأخيرة، على أنه ضامن محتمل لأمن دول الخليج في مواجهة إيران.
ويقول الكاتب إن النظام السعودي، ومعها الإمارات على الأقل، لا يزال تنظر بإيجابية للحرب السرية بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وإيران والتي ترجمت إلى ضربات وهجمات على أهداف تابعة لطهران في سوريا والعراق وداخل إيران ذاتها، وفي الوقت نفسه تخشى دول الخليج أن تكون هدفا لأي انتقام إيراني كبير.
ويرى التحليل أن الالتزام الدفاعي للولايات المتحدة يمكن أن يقلل من هذا الخوف في المملكة ودول الخليج، كما يمكن أن يشجع الكيان الصهيوين على الانخراط أكثر في المنطقة، في الوقت الذي يمكن أن تؤدي فيه إعادة العلاقات السعودية مع إيران إلى تغيير ديناميكيات التنافس بين البلدين.
هكذا تتداخل الملفات وتدور في فلك متوازن، بحسب دورسي، فالخوف من الانتقام الإيراني من الخليج سيكون أقل في حال التوصل إلى صفقة سعودية أمريكية إسرائيلية لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وعلاوة على ذلك فإن إعادة العلاقات السعودية الإيرانية قد يهدئ هذا الأمر برمته، لتكون تفاصيل المشهد الأخير دالة على حالة توازن ردع في المنطقة تقف على أرض أكثر صلابة.
علاوة على ذلك، ستمكن الصفقة “السعودية” الأمريكية الإسرائيلية المقترحة، ابن سلمان من تلبية احتياجاته الدفاعية الأكثر إلحاحاً، ودفع عجلة إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط بشكل كبير، وإنشاء إطار عمل لعلاقات المملكة مع الولايات المتحدة والصين.
وهكذا، يكون الكاتب قد اقترح تشكيل حلف ثلاثي جديد وعلني يتكون من النظام السعودي والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، مهمته تهدئة مخاوف ابن سلمان الأمنية من جهة، والالتفاف على أي تفكير سعودي للتقارب مع إيران تحت حجة الهواجس الأمنية من جهة أخرى، باعتبار أن تل أبيب وواشنطن بإمكانهما معاً حماية النظام السعودي من أي مخاطر مصدرها إيران، على أن يتوّج ذلك باتفاقية تطبيع سعودية إسرائيلية علنية.
ارسال التعليق