السلطات السعودية تبدل جلدها وترحب بقيادة جبهة النصرة
على مدار سنوات الازمة السورية، سيطر الارتباك والتكويع على الموقف السعودي في سوريا بداية من المطالبة بإسقاط بشار الأسد ثم احتضانه، وهو الارتباك نفسه الذي خيم على مرحلة مع بعد سيطرة الجماعات المسلحة على دمشق.
وبينما يُرسل ولي العهد محمد بن سلمان وفودًا سرّية للاجتماع بقائد الجماعات المسلحة أبو محمد الجولاني، التي سيطرة على الجغرافيا السورية، كانت أدواته الدبلوماسية والسياسية والإعلامية قبل بضعة أشهر تُلاطف النظام وتدفع نحو إعادة تأهيله عربيًا، متجاهلةً وعود القادة السعوديين الأوائل.
وقد تمكنت السعودية من جمع مبلغ 72 مليون دولار في إطار حملة لجمع التبرعات نصرةً للشعب السوري انطلقت بتوجيه من الملك “عبدالله بن عبدالعزيز”، وذلك بعد مرور عام من الثورة السورية.
كما أكد وزير خارجية السعودية حينها الأمير سعود الفيصل بوجوب تسليح الجماعات المسلحة السورية المتمثلة بـ”الجيش السوري الحر”.
كانت تصريحات المسؤولين السعوديين، من بينهم الأمير “سعود الفيصل” و”عادل الجبير”، تؤكد باستمرار على فقدان نظام “الأسد” للشرعية. ووصفت المملكة النظام السوري بأنه “فاقد” للهوية العربية وللشرعية و”يجب عليه الرحيل”.
وقامت السعودية بدعم الجماعات المسلحة السورية في أكثر من موقف، لاجتماع موسع في الرياض في 2015 بمشاركة ممثلي الفصائل المسلحة ومعارضي الداخل والخارج، بهدف “توحيد الصفوف” والوصول إلى رؤية مشتركة حول “الحل السياسي التفاوضي للقضية السورية”.
وأكد وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” في 2017 على “ضرورة رحيل الأسد إما بالخيار السياسي أو العسكري”.
وشهدت العلاقات السعودية مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة أمريكيًا، تحسنًا منذ عام 2017 (العام الذي أصبح فيه “ابن سلمان” الحاكم الفعلي للمملكة).
في 2017، قام وزير الخارجية السعودي “ثامر السبهان” بزيارة الرقة والتقى مسؤولين في “قسد”. كما كرر “السبهان” الزيارة في يونيو 2019.
قاتلت “قسد” الجماعات المسلحة السورية المدعومة تركيًا في شمال شرق سوريا، وذلك في عملية “نبع السلام” التي قادتها تركيا، العملية التي عدّتها الخارجية السعودية حينها “عدوانًا ذو تداعيات سلبية”.
في نوفمبر 2019، قام وفد من “قسد” بزيارة السعودية، تلبية لدعوة رسمية من المملكة، وذلك مع الخسائر الكبيرة التي منيت بها القوات خلال عملية “نبع السلام”.
وكانت السعودية قد قدمت 100 مليون دولار في شهر أغسطس 2018 لدعم “الاستقرار” في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”.
إبان الأزمة السعودية القطرية، وجّهت المملكة اتهامات لقطر بأنها تقف وراء تمويل “جماعات إرهابية”، بما فيها “جبهة النصرة”، التي كان يقودها الجولاني.
في أغسطس 2017، نشرت صحيفة “عكاظ” مقالًا عنوانه “قطر تجمع التبرعات للإرهابيين.. و’معاملة خاصة’ لـ ‘النصرة’!”
يتهم التقرير قطر بأنها “مصدر للدعم المالي” للجماعات الإقليمية التابعة لقطر “مثل جبهة النصرة”.
بدأت التصريحات السعودية تعكس لهجة أكثر تصالحية تجاه سوريا “الأسد”، مُرحبة بإنهاء العزلة العربية التي واجهها النظام السوري على مدار العقد الماضي.
أشار رئيس تحرير “إندبندنت سعودية” حينها بأن السعودية حاولت “فتح خط اتصال مع دمشق” منذ 2015، ثم مرة أخرى في 2018.
بدأت المملكة بإعادة بناء العلاقات مع سوريا بالفعل وذلك من خلال زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى، مثل زيارة وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” إلى دمشق في أبريل 2023.
ورحّبت سعودية بن سلمان بعودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية” ودعت الأخير لحضور “القمة العربية”، في تحول صارخ في الموقف الرسمي، وذلك في مايو 2023.
وعقب سقوط الأسد، ظهر أن قناة “العربية” لم تستطع قراءة المشهد بشكل جيد، وظنّت أن النظام السوري باقٍ بعدما مدّ له سيدها بن سلمان” يد العون.
وتورطت “العربية” بتقارير تهاجم فيهما قائد جبهة النصرة الجولاني حينها.
وصفته في مايو من هذا العام بأنه “إرهابي عُرف عنه المراوغة وحب الظهور” وممارسة القمع في إدلب. كما غطّت بحماس احتجاجات إدلب التي كانت تطالب حينها برحيل “الجولاني”.
وقبل 3 أشهر فقط من سقوط النظام السوري المدعوم سعوديًا، نشرت “العربية” تقريرًا آخر تشير فيه إلى احتفاء “قيادات إخوانية” بـ”الإرهابي الجولاني” وذلك بمناسبة افتتاحه معرض كتاب في إدلب.
وما إن عادت الجماعات المسلحة السورية في تحركاتها، حتى نزلت “العربية” عند قرار “جبهة النصرة” بتقديم “الجولاني” باسمه الحقيقي وصفته الكاملة، وذلك قبل سقوط دمشق.
ارسال التعليق