
السلطات السعودية والاستحواذ على اللاعبي كرة القدم
يدرك نظام محمد بن سلمان مدى قوة ورقة الألعاب الرياضية في التأثير على صورة حكمه، فعمد إلى تخصيص ميزانية ضخمة انتزعها من أفواه شعب الجزيرة العربية ووضعها في أفواه اللاعبين الرياضيين العالميين كطُعم، لمساندته في أكبر حملة تبييض سمعة أقدم عليها " نظام" ما في التاريخ الحديث.
ويُلحظ كيف أن العديد من الشخصيات الرئيسية التي تقود استراتيجية البلاد الرياضية تشغل مناصب عليا داخل أجهزة الدولة، مما يمنحها مستويات عالية من السلطة السياسية والمالية. النموذج الأبرز والأكثر تجسيدا لمحاولة إيجاد تكامل عميق بين حوكمة الدولة والرياضة في " السعودية" ، هو ياسر الرميان، الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة أرامكو ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة. وهو أيضًا رئيس مشروع LIV للغولف، وشركة طيران الرياض، ونادي نيوكاسل الإنجليزي، كما يشغل مناصب تنفيذية في اللجان الأولمبية السعودية.
كما يمكن الاستدلال على عمل " السعودية" لإيجاد روابط وثيقة بين جهات حكومية و" الاستثمارات الرياضية" ، هو أن أكثر من 900 صفقة رعاية رياضية أقدمت عليها " الحكومة السعوية" يعود أكثر من ثلثها إلى صندوق الثروة السيادية السعودي الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، المملوك من الدولة.
" العلاقات العامة" التي شيّدها نظام ابن سلمان مع جهات رياضية خارجية لعبت دورا كبيرا في اختيار " السعودية" لاستضافة كأس العالم عام 2034، على سبيل المثال تشير التقارير إلى أن الفيفا منحت الدول المؤهلة الأخرى لمنافسة الأخيرة على تولّي الاستضافة، أقل من شهر للتقدم بطلب الاستضافة.
إلى ذلك، تأتي العلاقة القوية التي نسجها ابن سلمان شخصيا مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، على رأس استغلال المكانة السياسية في تمكين فرص استحواذها على الفعاليات الرياضية.
وفي الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، استضافت الفيفا اجتماعا عبر الإنترنت في زيوريخ للطلب من أكثر من 200 اتحاد عضو الإشادة بـ" السعودية" كمضيفة لكأس العالم 2034، بعد 14 شهرا من تشكيل مسابقة سريعة ومحددة لم تنتج سوى مرشح واحد، ووقع ما يقرب من 50 من هؤلاء الناخبين اتفاقيات عمل مع الاتحاد السعودي لكرة القدم، في حين أبرمت هيئات كرة القدم في أمريكا الشمالية وأفريقيا وآسيا بشكل منفصل صفقات تعاون أو صفقات رعاية للبطولات مع صندوق الاستثمارات العامة السيادي وشركة النفط الحكومية أرامكو ومشروع مدينة نيوم المخطط له.
إلا أن النفو السياسي لا يعني شيئا أمام النفو المالي، فالمال هو من يوجّه الأمور، فالاتحاد الدولي لكرة القدم يعتمد على الدول المضيفة لتمويل هذه الأحداث الكبرى، و" السعودية" على استعداد لإنفاق مليارات الدولارات في سبيل أن يُقال لمونديال 2034 المرعيّ من قِبلها بأنه " أفضل كأس عالم على الإطلاق" .
أما داخليا، فقد تربّع الدوري السعودي، في شتاء العام الحالي، على " عرش" واحد من أكثر الأندية ضخا للمال على ضمّ لاعبين. فقد سُجّلت أرقام خيالية مقارنةً بالسنوات الماضية، إذ قفزَ حجم إنفاق الأندية الرياضية إلى حوالي مئة وثلاثة وسبعين مليون دولار، كاستثمارات في لاعبين جدُد، وفي المقابل، بلغت الإيرادات نحو 43.5 مليون دولار، بحسب موقع “ترانسفير ماركت”.
فاحتلّ كلٌّ من " النصر” و”الأهلي” قائمة الأندية الأعلى إنفاقًا لموسم 2024-2025. فالنادي الأوّل استحوذ على اللاعب البرتغالي كريستانو رونالدو، مُدَعِّمًا صفوفَه باللّاعب الكولومبي جون دوران، في أغلى صفقة في العالَم، بعد صفقة اللّاعب البرازيلي نيمار في صيف 2023، والذي غادر “الهلال” بعد إنهاء عقده. بينما ضمّ “الأهلي” البرازيلي جالينو والبلجيكي دامس مقابل مبالغ ضخمة كذلك.
وما تزال مساعي الأندية السعودية لضم لاعبين دوليين قائمة، وكُشف مؤخرا عن سعي نادي الأهلي لاستقطاب اللاعب البرازيلي غابرييل مارتينيلي من نادي أرسنال الإنكليزي. كشف موقع “أرسنال الآن” أنه من المتوقع أن تزيد العروض المحتملة على 100 مليون دولار، مضيفا أنه وبسبب الإصابات التي لحقت بلاعبي النادي الإنكليزي فإنه قد يكون من الصعب السماح للاعب البرازيلي بمغادرة النادي.
ومنذ عام 2014، أهدر الدوري السعودي نحو ملياري دولار على ضم لاعبين، في المقابل رفض الكثيرون الانضمام أمثال اللاعب الفرنسي عثمان ديمبيلي، واللاعب الإنجليزي ماركوس راشفورد واللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي، واللاعب الكرواتي لوكا مودريتش وغيرهم.
وإلى جانب فشلها في ضم خمسة لاعبين محترفين، غادر ستّةُ لاعبين الدوري السعودي خلال العام الحالي، رغم حصولهم على تقديمات مالية كبيرة.
ومؤخرا رفض نادي برايتون آند هوف البريطاني العروض المقدّمة من نادي النصر السعودي لشراء اللاعب الكوري كاورو ميتوما، البالغ من العمر سبعة وعشرين عامًا.
حيث قدّم نادي النصر عرضه الأول بقيمة 54 مليون باوند، فيما بلغ الثاني 61 مليون باوند، وثمّة حديث عن عرض آخر بقيمة 75 مليون باوند.
وعلى الرغم من أن الانتقال إلى السعودية كان سيضمن زيادة كبيرة في الراتب للاعب الكوري، لكن يبدو أنه أكثر اهتمامًا بتقدمه الوظيفي وليس المال، وفق تصريحات صحفية.
مقابل كل هذا، يُتوقع أن يتباطأ الإنفاق على الرياضة، يقول أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية سكيما للأعمال في باريس، سيمون تشادويك: " يبدو أن الإنفاق على الرياضة قد تباطأ مؤقتًا، وهو ما يتسق مع ضبط النفس المالي الذي شهدناه في المملكة العربية السعودية هذا العام" .
ويقول بن جوردون، الشريك المساعد في شركة الاستشارات الإدارية ألبرايت ستونبريدج: " المشاريع الضخمة أكثر أهمية لرؤية 2030 من جذب نجوم كرة القدم الأجانب، لذلك لا أتوقع أن تفلت الإنفاقات على كرة القدم من تخفيضات التكاليف" .
وفي العام الماضي، نقلت الحكومة السعودية إلى صندوق الاستثمارات العامة 75% من ملكية أربعة أندية في الدوري السعودي للمحترفين، وهي الاتحاد، والأهلي، والهلال والنصر.
نيمار.. نموذج عن خيبات بلغت ملايين الدولارات:
أنهى النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا، الأسبوع الماضي، مشواره مع نادي الهلال السعودي، والذي استمر لمدة 18 شهرًا، الذي لم يشارك خلالها سوى بـ 7 مباريات، ولم يسجّل سوى هدفا واحدا، كان ثمنه نحو 104 ملايين دولار سنويا، أي أنه تقاضى مقابل هذا الهدف اليتيم حوالي 156 مليون دولار!
لم تكن تكلفة " الغول" اليتيم من نيمار، سعر الصفقة حصرا، ولكن اللاعب الذي كان يوما من الأيام أحد أهم لاعبي كرة القدم في العالم، كانت له طلباته الخاصة للقبول بالانتقال إلى صحراء " المملكة" ، فخُصِّص له طائرة خاصة تقلّه في سفراته، إلى جانب امتيازات أخرى وافقت " السعودية" على تقديمها.
كيف كان الانفاق السعودي على الرياضة محط اهتمام الغرب:
يندر أن تُصادف آراء رياضية أو إعلامية أو سياسية تمتدح الإنفاق السعودي الضخم على الرياضة، تتفق الآراء جميعها على أن كلل هذا الانفاق لا يعود مردّه إلى إشباع رغبة محلية في تطوير المجال الرياضي في البلاد، بقدر ما يهدف إلى تبييض السمعة على الساحة الدولية، ومحليا بغية استدراج ثقة الشباب تجاه حكم ابن سلمان من أسهل الأبواب.
رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا الدعوات لتشكيل هيئة مستقلة لمراقبة ظروف العمال المهاجرين في السعودية في إطار الاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2034.
جاء ذلك في أعقاب دعوات وجّهتها المنظمة الإقليمية الأفريقية للاتحاد الدولي للنقابات العمالية تطالب الفيفا بحماية العمال المهاجرين لكن الأخيرة اكتفت بالقول إن التدابير المعمول بها حاليًا كافية، مدعية أنها تلزم المضيفين “بالحفاظ على واجباتهم ومسؤولياتهم بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان في جميع الأنشطة المرتبطة بالبطولة”.
يُذكر أن في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن فوز “السعودية” باستضافة كأس العالم 2034 رسميا. وكانت الفيفا قد أعلنت حصول “السعودية” على أعلى تقييم فني في تاريخ ملفات استضافة البطولة. وفي بيان للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لفتت فيه إلى أنه بالرغم من تبني الفيفا معايير حقوق الإنسان كجزء من عملية اختيار الدول المضيفة، فإن اختيار “السعودية” يبرز تناقضاً واضحاً بين الالتزامات المعلنة والواقع الفعلي.
ارسال التعليق