
انتقادات لاذعة لزيارة جورجيا ميلوني للسعودية
"عندما تذهب إلى السعودية، لا بد أن تتذكر أن النساء هناك بلا حقوق، وأن عقوبة التغريدة هي الإعدام. وعندما تفعل كل شيء بينما تتطلع إلى الاتفاقيات التجارية أو إلى الساعات الفاخرة التي يمكنك جلبها إلى بيتك، وربما يتعين عليك أن تخجل من نفسك عندما تقول إنك تدافع عن بعض الحقوق. لا نريد هدايا من العالم الإسلامي، لا نريد ساعات وإنما فقط الاحترام والأمن لنسائنا".
لم تصدر هذه التصريحات "النارية" عن قوى المعارضة الإيطالية الحالية، وإنما عن رئيسة الحكومة الحالية جورجيا ميلوني أثناء مشاركتها في إحدى التظاهرات في عام 2016، وكانت تهاجم فيها رئيس الوزراء الإيطالي حينذاك ماتّيو رينزي، داعية إياه لعدم الارتباط مع المملكة بعلاقات تجارية. وبمناسبة قرار اتحاد كرة القدم الإيطالي إقامة مباراة كأس السوبر الإيطالي في السعودية، عاودت ميلوني الكرّة بالهجوم على المملكة، حيث رأتها غير مناسبة لاستضافة هذا الحدث.
وقالت زعيمة حزب إخوة إيطاليا اليميني المتطرف آنذاك، إن "النساء ليس بمقدورهن حضور المباريات، في بلد يطبق الشريعة الإسلامية، من دون أن يكنّ برفقة رجل، أي هراء هذا؟ نحن لم نعبر قروناً من الحضارة لنجد أنفسنا على هذه الحال". وأضافت: "ما عدا إذا كنا قد قررنا بيع حضارتنا لأموال السعوديين، فلنطالب اتحاد كرة القدم الإيطالي بأن يقيم هذه المباراة في بلد لا يمارس التمييز ضد النساء".
وبما أن "المال لا رائحة له"، فقد تغير موقف ميلوني 180 درجة بعد أن انتقلت من صفوف المعارضة إلى أن أصبحت أول سيدة تتولى رئاسة الحكومة الإيطالية، حيث اختتمت الأسبوع الماضي زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، التقت خلالها بولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في مدينة العُلا. وشهدت الزيارة توقيع اتفاقية لإنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
كما أُبرمت، خلال الزيارة، عدة اتفاقيات تعاون قدرتها رئيسة الوزراء الإيطالية بحوالي 10 مليارات دولار، تشمل مجالات متعددة، مثل البنية التحتية والطاقة والدفاع والرياضة والترفيه والسياحة. وأشارت ميلوني إلى أن هذه الاتفاقيات تهدف إلى فتح آفاق جديدة في الشراكة بين البلدين.
وبالإضافة إلى ذلك، وقّعت وكالة ضمان الصادرات والتسويق الدولي للشركات الإيطالية "SACE" خمس اتفاقيات بقيمة إجمالية تبلغ 6.6 مليارات دولار مع جهات سعودية، بهدف تسهيل التجارة والاستثمار بين البلدين. ومن بين هذه الاتفاقيات، واحدة مع مشروع "نيوم" لتقديم ضمانات على قرض متعدد العملات بقيمة 3 مليارات دولار، يغطي قطاعات مثل البنية التحتية والتنمية الحضرية والبناء والنقل.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 نحو 10.8 مليارات يورو، حيث زادت واردات المملكة من إيطاليا إلى 5.9 مليارات دولار، مقابل 4.9 مليارات دولار لصادراتها إلى روما. ومن ناحية أخرى، قفز صافي الاستثمارات الإيطالية المباشرة في السعودية بنسبة 278% خلال عام 2023، إلى 167.3 مليون دولار، مقارنة بنحو 44 مليون دولار في عام 2022.
كان زعيم حزب اليسار وعضو مجلس النواب الإيطالي نيكولا فراتويانّي موجزاً في هجومه على رئيسة الوزراء الإيطالية حيث أعاد، في تدوينة نشرها بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني الماضي على صفحته الشخصية على منصة "إكس"، نشر تغريدتها على صفحتها الشخصية بموقع "تويتر" بتاريخ 14 مارس/آذار 2019، والتي قالت فيها تعليقاً على مقترح تعيين شخصية سعودية في مجلس إدارة مسرح أوبرا "لا سكالا" العريق بميلانو مقابل التبرع بمبلغ 15 مليون يورو لصالح المسرح، إن "السعودية تطبق عقوبة الإعدام على الردة والزنا والمثلية الجنسية، علاوة على عدم تمتع المرأة بأي حقوق. نحن بصدد دولة متطرفة، فهل نريد السماح لها بتمويل مؤسساتنا الثقافية؟ هذا جنون!".
وعلق فراتويانّي بقوله: "أتصور أن كل هذه المسائل قد سويت قبل الزيارة. أليس كذلك؟".
من جهتها، كتبت النائبة وزعيمة الحزب الديمقراطي إيلي شلاين في تدوينة نشرتها بتاريخ 27 يناير الماضي على صفحتها الشخصية على موقع "إنستغرام"، أن "جورجيا ميلوني أصبحت لا تفوت يوماً واحداً من دون تكذيب نفسها بنفسها".
أمّا عضوة مجلس النواب عن حركة 5 نجوم كيارا أبّيندينو، فقد علقت في تدوينة نشرتها بتاريخ 27 يناير الماضي على صفحتها الشخصية على منصة "إكس" بقولها إن "ميلوني تنجح، من حين لآخر، في إنجاز شيء ما، مثلما فعلت عندما كانت تهاجم رئيس الوزراء الأسبق رينزي بسبب علاقته بولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتهم باغتيال الصحافي جمال خاشقجي. أمّا اليوم، فها نحن نجدها في خيمته بينما يتبادلان الضحك والمزاح: إنه انتصار التناقض!".
وردت ميلوني على انتقادات المعارضة، في حديثها للصحافيين في ختام زيارتها للمملكة، بقولها إنه "ليس ثمة تناقض" بين ما كانت تقوله بالأمس وما تقوله اليوم. وأوضحت أن "إيطاليا والسعودية بلدان يجمعهما الاهتمام بعقد اتفاقات استراتيجية في مجالات مثل الطاقة، والعلاقات مع أفريقيا، والدفاع والاستثمار"، مضيفة أن "ثمة مسألة أخرى كنت قد أثرتها في الماضي تتعلق بفرضية ما إذا كان أحدهم يدعم أنشطة لنشر الدين (الإسلامي) في أوروبا".
وأضافت: "لم أغير رأيي بشأن هذه المسألة، ولكن لا يبدو لي أن ثمة شيئا من ذلك كله في العمل الذي أنجزناه في هذه الأيام".
من جهته، ذكر المحلل الجيوسياسي الإيطالي في مرصد البحر المتوسط التابع لمعهد الدراسات السياسية "سان بيو الخامس" جوزيبى دينتيتشه أن "رحلة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الخليج تحظى بقيمة رمزية وسياسية واستراتيجية عالية: رمزية لأنها تؤكد على كيف أن شبه الجزيرة العربية والعلاقات مع كل دولة فيها على حدة تمثل عامل دعم للمصالح الوطنية الإيطالية في تلك البقعة الاستراتيجية من العالم".
وأضاف دينتيتشه، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاقيات الموقعة خلال هذه الزيارة تعزز، من ناحية أخرى، المحور السياسي الذي ترى فيه روما الرياض وأبوظبي والمنامة أو الدوحة لاعبين أساسيين من أجل تعزيز ليس فقط خططها الثنائية معهم (وخاصة الاقتصادية والتجارية والطاقوية)، وإنما أيضاً قاطرات محورية في تحديد معالم استراتيجيات ذات طيف واسع، تصب في صالح ضمان اختراق إيطالي قوي لهذه المنطقة من العالم"، مشدداً على أنه "ليس على سبيل المصادفة، على الصعيد الاستراتيجي على وجه الخصوص، كيف أن هذه الزيارات تؤكد على أن المسار الإندو-متوسطي هو حاضر ومستقبل إيطاليا".
وأشار إلى أن "هدف زيارة ميلوني لم يكن فقط عقد اتفاقيات ثنائية ثرية (بقيمة 10 مليارات دولار)، وإنما قدمت نفسها "عنصرا تنظيميا" داخل الملفات الرئيسية الحرجة، بدءا من الحروب في غزة ولبنان والشرق الأوسط، إلى أن تمر كـ "عنصر تسهيل" في إطار دفع اتفاقيات إبراهيم واتفاق التطبيع الإسرائيلي-السعودي".
ورأى أن "هذه الزيارة من شأنها أيضاً إثبات كيف أنه بإمكان إيطاليا أن تصبح قيمة مضافة لتطوير تلك الاستراتيجيات المرتبطة بـ"الرؤى" الوطنية العربية وبممر الطاقة بين الهند والشرق الأوسط IMEC، الذي يمثل المقترح الهندي البديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والذي يرى في الخليج العربي وإيطاليا عنصرين هيكليين ضروريين لنجاح المشروع".
وختم دينتيتشه بقوله إن "زيارة ميلوني إلى السعودية والبحرين، التي أعقبت زيارتها إلى كل من قطر والإمارات، تمثل، بعبارة أخرى، محطة مهمة من أجل تعزيز استراتيجية إيطالية في منطقة الخليج بالغة الأهمية، من أجل حماية المصالح والأمن الوطني في إطار المنطقة الموسعة بين أفريقيا والبحر المتوسط والمحيط الهندي".
ارسال التعليق