محاكم التفتيش السعودية تحاكم صحفي 8 سنوات سجن
لم يكن الصحفي السعودي أسامة سهلي يتوقع يومًا أن يُسلب حقه في التعبير عن رأيه وأن يصبح خلف الزنازين لمجرد ممارسته لحق مشروع تكفله القوانين المحلية والدولية. أسامة، الذي عُرف بكتاباته المعتدلة وأفكاره التي تهدف إلى الإصلاح والنهوض بالمجتمع السعودي، واجه مصيرًا قاسيًا في يناير/كانون الثاني 2019 عندما اعتقلته السلطات السعودية بسبب تغريدات نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي عبّر فيها عن آرائه حول بعض القضايا العامة. اعتقاله لم يكن مجرد إجراء أمني، بل كان رسالة واضحة لكل صاحب رأي مستقل بأن الحريات في المملكة تقف عند حدود الرضا الرسمي.
لقد كان أسامة سهلي نموذجًا للصحفي الذي يستخدم قلمه من أجل قضايا وطنه وشعبه. عمل في صحيفة “البلاد”، حيث كانت كتاباته تتسم بالموضوعية والدعوة للإصلاح، لكنه لم يدرك أن هذه الكلمات ستكون السبب في اعتقاله وتعريضه لسلسلة من الانتهاكات التي بدأت بالاحتجاز التعسفي وتفاقمت مع الحكم الصادر ضده بالسجن ثماني سنوات من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة. هذه المحكمة، التي يُنظر إليها على أنها أداة لترهيب الأصوات المعارضة، وجهت له تهمًا فضفاضة مثل دعم الإرهاب وزعزعة الأمن، وهي تهم لطالما استخدمتها السلطات السعودية لإسكات منتقديها وتبرير قمعها.
الاعتقال التعسفي الذي تعرض له سهلي يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين المحلية والدولية على حد سواء. فوفقًا للمادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، يُحظر القبض على أي شخص أو توقيفه إلا في الحالات المنصوص عليها قانونيًا، كما تُحظر إساءة معاملته أو تعذيبه. ورغم ذلك، فإن أسامة تعرض لأساليب تعسفية تتنافى مع هذه النصوص، حيث تم اقتياده من منزله دون مذكرة اعتقال قانونية، وحُرم من التواصل مع محاميه وأفراد عائلته لفترات طويلة، وتعرض لسوء المعاملة داخل المعتقل.
على الصعيد الدولي، تعد قضية أسامة سهلي انتهاكًا للالتزامات الدولية التي تعهدت بها السعودية، حيث تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية التعبير، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء ونقلها دون أي تدخل. كما أن السعودية، باعتبارها عضوًا في المجتمع الدولي، ملزمة باحترام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل للأفراد حقهم في التعبير دونما خوف من العقاب. هذه الانتهاكات المتكررة تشير إلى تراجع خطير في حالة الحريات في المملكة، وتبعث برسالة مقلقة عن مستقبل الصحافة وحرية الرأي فيها.
حياة أسامة سهلي داخل السجن لم تكن أقل قسوة من قرار اعتقاله. فقد واجه في المعتقل ظروفًا صعبة شملت سوء المعاملة والتعذيب النفسي والحرمان من أبسط حقوقه، بما في ذلك حقه في زيارة أسرته. التهم الموجهة إليه، التي استندت إلى تغريدات سلمية نشرها على حسابه الشخصي على تويتر، لا يمكن وصفها إلا بأنها محاولة لتشويه سمعته وتحويله إلى نموذج يُرهب من خلاله كل من يفكر في التعبير عن رأيه بحرية. ومن بين التغريدات التي أدت إلى اعتقاله واحدة كتبها في أبريل 2019 ينتقد فيها السياسات الحالية، ويعبر عن آرائه بطريقة لا تحمل أي تحريض أو تهديد.
إن استمرار احتجاز أسامة سهلي يمثل انتهاكًا مزدوجًا للقانونين السعودي والدولي، ويعكس إصرار السلطات السعودية على تجاهل المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. هذا الوضع يدعو إلى قلق عميق ليس فقط على مستقبل الصحفيين، بل على حالة الحريات العامة في المملكة بشكل عام. إن تقييد حرية التعبير لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من القمع والانغلاق، وهو ما يتعارض مع التوجهات التي تدّعي السعودية تبنيها نحو الانفتاح والإصلاح.
ندعو المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى التحرك الفوري للضغط على السلطات السعودية من أجل الإفراج عن أسامة سهلي وجميع معتقلي الرأي. كما ندعو المملكة إلى الالتزام بتعهداتها الدولية واحترام حقوق الإنسان وضمان بيئة آمنة للصحفيين وأصحاب الرأي للتعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من الملاحقة أو العقاب. قضية أسامة سهلي ليست قضية فردية فحسب، بل هي رمز لمعركة أكبر تتعلق بحرية الكلمة وحق الإنسان في التعبير عن رأيه دون قيود.
ارسال التعليق