
منطقة جيزان تتعرض لأزمة مياه
تعاني منطقة جيزان، الواقعة جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، منذ سنين، من أزمات عديدة تستهدف بديهيات الحياة من كهرباء وماء وبنى تحتية، وأزمة نقص المياه تعدّ من أبرز تلك المشاكل التي لم تلتفت إليها "الحكومة السعودية" بعد بحُكم انشغالها بمشاريع ترفيهية غير مُطالب بها من شعب الجزيرة العربية.
ومؤخّرا اشتكى أهالي المنطقة من أزمة المياه المنسيّة، واصفين مشاريع المياه المحلاة التي من المفترض أن تحلّ المشكلة، بأنها دون المستوى، مؤكدين أنه لم يتحقق منها سوى القليل.
مناشدات أهالي قرى جيزان كثيرة وقديمة، مرتبطة بشكل أساسي بتعثّر المشاريع التابعة لمديرية المياه بالمحافظة، والتي يصفون بأنها توضع على قائمة أكبر القطاعات تعثرا، فقد شهدت المنطقة على مدى سنوات تكرّراً في أعطال مشاريع المياه، إلى جانب تعثُّر مشاريع الصرف وتأخُّر إيصال المياه المحلاة للقرى الجنوبية.
وفي آخر ما اشتكى منه أهالي جيزان هو معاناة القرى الواقعة جنوب محافظة أبوعريش، من انعدام المياه المحلاة، وقال الأهالي أنهم لم يتركوا بابا عند الجهات المختصة إلا وطرقوه للمطالبة بحلول سريعة، لكن لم تلقى شكواهم أي إجابة، على الرغم من الوعود المتكررة.
الأمل المسلوب الذي خلقته المشاريع المتعثرة في المنطقة فاقمت أزمة المياه، ودفعت أهالي المنطقة إلى العودة للحلول البدائية القديمة وغير الصحية عبر تزويد منازلهم بمياه الآبار العادية، فاضطُرّ العديد منهم إلى حفر الآبار على نفقاتهم وجلب الصهاريج التي وصل سعرها إلى 400 ريال.
وقال أحد المواطنين إنه "على الرغم من أن الماء شريان الحياة، لكن سكان الكوادمة الشرقية ينتظرون وصول الخدمة إلى منازلهم منذ 20 عاما، ويتحملون أعباء شراء المياه من الناقلات".
مواطن آخر أشار إلى أن المشاريع المتعثرة لوزارة المياه ما زالت تغلق الشوارع، متسببة في عرقلة الحركة. وأضاف: “مع المعاناة نضطر إلى شراء عبوات المياه من المتاجر، ونأمل من شركة المياه القضاء على المعاناة بسرعة تنفيذ شبكة المياه المحلاة وإيصالها إلى المنازل".
ولا تقف معاناة الأهالي عند حدّ حرمانهم من المياه الصحية سهلة الوصول، بل تتعدّاه إلى تهديد سلامة أرواحهم بسبب غياب مشاريع تصريف المياه وضعف البنى التحتية في المنطقة، ففي بداية كل فصل شتاء تغرق الأحياء بمياه الأمطار، فيتضرر المواطنين بشكل كبير، وتغرق بيوتهم ومحالّهم، وتتلف مُمتلكاتهم، وتصل حدّ تهديد أرواحم، حيث سجّلت محافظة أبو عريش بداية شهر أغسطس الماضي مع سيل الأمطار الذي حصل، وفاة أربعة أشخاص وإصابة 5 آخرين جراء الفيضانات وسقوط جزء من أحد الجسور، من جراء سوء تنفيذ مشاريع تصريف المياه وسوء السفلتة الذي أدى بدوره إلى انهيار أجزاء من الطريق على المدخل الغربي للمحافظة.
كما سبق أن عانى سكان عدد من أحياء مدينة جازان ومنها البلد والروضة والمطار، من طفح مياه الصرف الصحي، وما خلّفه من مستنقعات بالشوارع أسهمت في إيجاد بيئة خصبة لتكاثر البعوض مما هدد السكان بانتشار الأمراض، كما في تدمير الشوارع وانتشار الحفريات.
هذه المشكلات ترافقت وتعليق مشروع الصرف الصحي لأكثر من سنتين متتاليتين.
وفي سياق متّصل، أُعلن مؤخرا عن الإيقاف بالعمل على واحد من أكبر مشاريع تحلية المياه، حيث قالت شركة "في إيه تيك واباج" في بيان تنظيمي لها على بورصة بومباي للأوراق المالية إن "المملكة العربية السعودية ألغت مشروعا ضخما لتحلية مياه البحر بقيمة 317 مليون دولار".
وكان من المقرر وفق عقد الهندسة والتوريد والبناء والتشغيل أن تبلغ طاقة المشروع 300 مليون لتر يوميا، وكان من المقرر تطويره على موقع أخضر يقع على الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية، جنوب مدينة ينبع المواجهة للبحر الأحمر.
أزمات متلاحقة في الأفق:
دراسة نشرها مركز ستراتفور حول أزمة تغيرالمناخ التي تضع الحكومة السعودية أمام تحدي مضيها بتنفيذ مشاريع رؤية 2030، وتطرّق التقرير بشكل سريع إلى مسألة الحلول المُنتظرة من "الحكومة السعودية" لمواجهة أزمة طول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة وتزايد تأثير الفيضانات، حيث قال المركز أنه يتعين على البلاد أن تستثمر بشكل متزايد في البنية الأساسية لمواجهة هذه التطورات، ولا تشمل البنية الأساسية الضرورية محطات الطاقة لتوفير الكهرباء أو محطات تحلية المياه لتوفير المياه فحسب، بل تشمل أيضا المنازل الجديدة والمباني التجارية والمصانع المقاومة لمناخ مختلف.
ولفتت الدراسة إلى ان الحاجة الأخيرة وحدها تشكل مهمة ضخمة، حيث شيد البناة العديد من المباني في "السعودية" دون النظر في تكلفة تكييف الهواء أو العزل، مما يشير إلى ضرورة التجديد الحضري على نطاق واسع. وعلاوة على ذلك، مع جلب العواصف الممطرة فيضانات مذهلة، وإن كانت نادرة، فسوف تضطر المدن إلى الاستثمار في القنوات والمجاري والقنوات التي تمزق الأحياء، وتعيد توجيه طرق النقل وتقلب المراكز التجارية القائمة إذا كانت تريد تجنب نسخها الخاصة من فيضانات دبي المدمرة في عام 2024.
مع مرور السنين، سوف تسعى السعودية بشكل متزايد إلى إيجاد سبل غير حكومية لدفع هذه النفقات وتعزيز الاقتصاد. وعلى وجه التحديد، سوف تسعى الدولة إلى تحميل السكان والسوق تكاليف تغير المناخ، ولكن يتعين عليها أن تحرص على القيام بذلك دون خلق مراكز سياسية جديدة لمعارضة النظام الملكي. على سبيل المثال، لا تستطيع السعودية رفع الدعم عن الكهرباء والمياه بسرعة عن السكان بالكامل دون المخاطرة بردود فعل عنيفة قد تتحول إلى عنف ومعارضة مستمرة. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تنفذ الرياض دعمًا مستهدفًا للحفاظ على أجزاء معينة من السكان معزولة عن تكاليف تغير المناخ.
ومن المرجح أن تدفع هذه الاستراتيجية الحكومة السعودية إلى تقديم إعانات موجهة للمواطنين من الطبقة العليا والمتوسطة والقبائل الحساسة سياسياً -دونا عن المواطنين الذين يعيشون في المناطق المهمشة أو الذين لا يملكون نفوذا سياسيا- والتي سوف تستمتع إما باستمرار نظام الإعانات القديم الباهظ التكلفة أو تعيش في ظل نظام جديد مصمم للتعويض عن تأثير إصلاح الإعانات. وقد يكون لنظام الإعانات الجديد أيضاً أبعاد طائفية تستبعد الشيعة المحرومين سياسياً، وفقا ما يؤكده المركز. وسوف تشهد بعض الشركات التي تعتبر مستدامة اقتصادياً وغير المهمة سياسياً ارتفاع فواتيرها، في حين ستستمر شركات أخرى، وخاصة تلك التي لها صلات سياسية، في الحصول على إعانات الدولة. والأهم من ذلك كله، أن هذا يشكل ضمانة شبه مؤكدة بأن الأجانب سوف يُطلَب منهم دفع ثمن تغير المناخ أكثر من أي مجموعة أخرى، نظراً لوضعهم كعمال ضيوف في المملكة، وإن كانت التفاصيل لا تزال غير واضحة.
وشددت الدراسة على أنه نمط الدعم سوف يكون قائما على عدم المساواة، وهو ما من شأنه أن يعمق الانقسامات في المجتمع السعودي بين الطوائف والمناطق والطبقات الاقتصادية والمقيمين والمواطنين. وسوف تعطي الرياض الأولوية لحماية أولئك الأكثر ارتباطا بالشرعية السياسية للملكية من ثمن تغير المناخ في حين تهمل أو تفرض تكاليف على أولئك الذين يعتبرون أقل أهمية. وسوف يغذي هذا التفاوت القائم بالفعل والذي ينتج العنف العرضي والتطرف والاضطرابات، والتي تبرز إلى الواجهة خلال أوقات التوتر الجيوسياسي، مثل الربيع العربي، عندما أدت الانقسامات القديمة إلى انتفاضة شيعية مستدامة في “المنطقة الشرقية".
تقريرالمركز يلفت في ختام ورقته التحليلية إلى أنه “مع سقوط التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ بشكل غير متساو على سكان السعودية على مر السنين، فإن هذه الانقسامات تخاطر بأن تصبح خطوط صدع تنفجر في الصدمات الجيوسياسية المستقبلية – مما ينذر بمزيد من جولات العنف وعدم الاستقرار للمملكة التي تحاول بيع نفسها كملاذ من كليهما".
ارسال التعليق