العشوائيات بؤر جرائم سوداء يغذيها عجز النظام
على مدار أعوام طويلة عملت السعودية على إظهار نفسها من الداخل كدولة مثالية وخالية من أي من المشاكل أو الظواهر السلبية، وذلك من خلال توظيف وسائلها الإعلامية للحديث عن ذلك، لكنها فشلت أخيراً في إبقاء هذه الصورة بعد تنامي ظاهرة العشوائيات داخل أحياء مدنها السكنية، وظهور عدد من الجرائم فيها.
والعشوائيات هي تجمعات سكنية تنتشر داخل أحياء المدن السعودية، تم بناؤها دون تراخيص من الجهات الرسمية في المملكة، ولا تقدم لها السلطات أياً من الخدمات الأساسية كالكهرباء، أو الماء، أو الصرف الصحي.
وتشيع بين سكان العشوائيات السعودية تجارة المخدرات بكل سهولة، وفق ما كشفه الإعلامي السعودي داوود الشريان خلال حلقة من برنامجه على قناة SBC السعودية، (18 فبراير الماضي)، وعرضه مخدرات قال إنه حصل عليها من أحياء العشوائيات.
ما كشفه الشريان يفضح ما يحاول محمد بن سلمان إخفاءه منذ صعوده، فلم يتحدث قط عن مشاكل بلاده الداخلية، لكنه عمل على إيهام السعوديين برؤية اقتصادية جديدة (2030)، دون حل لأبرز مشاكلهم الاقتصادية والمعيشية.
وفي مسح تم مؤخرا لعدد من التقارير الإخبارية في السعودية فيما يتعلق بظاهرة العشوائيات في المدن، تبين أنها أصبحت ملاذاً آمناً لمخالفي النظام والمجرمين والهاربين من السجون، ومخالفي أنظمة الإقامة والعمل، ومتعاطي أو مروجي المخدرات.
ومن خلال رصد تلك التقارير، تم التوصل إلى أن الأجهزة الأمنية في المملكة عاجزة بشكل كامل عن إحكام السيطرة على جميع تلك الأحياء العشوائية المنتشرة بشكل كثيف، وهو ما تسبب بتشكيل عصابات إجرامية بها، وفق مراقبين.
ويعد ترويج المخدرات من الجرائم التي تنشط بها العشوائيات، حيث ضبطت الأجهزة الأمنية في مايو الماضي، 17 مليون حبة كبتاغون في موسم الاختبارات، الذي وصفته بأكثر المواسم النشطة لمروجي المخدرات.
كتاب وباحثون سعوديون حذروا خلال مقالات صحفية منشور لهم في الصحف المحلية، من انتشار العشوائيات في الأحياء السكنية، ودورها في انتشار الجريمة، والتلوث، والأمراض في المجتمع.
الكاتب الصحفي إبراهيم محمد باداود يؤكد أن الكثير من المناطق العشوائية مخالف للقوانين واللوائح وأنظمة التخطيط والبناء، وكثير منها لا تتوفر فيها الخدمات الأساسیة.
ويقول باداود في مقال له نشر في صحيفة المدنية، بداية يناير الماضي: إن "بعض العشوائيات مناطق غير مخططة، وأحياناً تكون غير آمنة، ولم تنشأ باستخدام أدوات وأساليب التخطيط العمراني".
ويعتبر أنها منتشرة في عدد من مدن المملكة وبحاجة إلى معالجة جذرية وعاجلة، لما لمثل هذه المناطق من آثار خطيرة وخصوصاً على المستوى الأمني.
ويوضح أنه يجب على الجهات الرسمية وضع حلول لانتشار العشوائيات، من خلال الاستعانة بخبرات دولية كمدن أمريكا اللاتينية، للاستفادة من تجاربهم في القضاء على تلك الأحياء.
بؤر سوداءالكاتب والمتخصص في التخطيط العمراني والتنمية، فهد الصالح، يصف بدوره العشوائيات بـ"البؤر السوداء" التي تحتاج إلى معالجة سريعة من قبل الجهات الرسمية المختلفة.
ويقول الصالح في مقال نشرته صحيفة "الرياض" المحلية: "تظل بؤراً سوداء تحتاج إلى معالجة سريعة كي لا تتوسع وتتمدد لمناطق أوسع ومن ثم يصعب التعامل معها".
ويضيف: "بلا شك لا حل للقضاء عليها إلا بالتطوير وتحسين البيئة العمرانية فيها، والسبيل إلى ذلك يتطلب إيجاد طرق متنوعة لتمويل التطوير والتحسين العمراني للمناطق العشوائية".
ويشير المتخصص في التخطيط العمراني: "في هذا الجانب هناك عدة مدن انتهجت حلولاً مبتكرة لتحسين جودة الحياة وتطوير المناطق العشوائية فيها".
روافد جريمةالخبير الأمني اللواء نايف المرواني يؤكد من جهته أن العشوائيات المنتشرة في المملكة تعد رافداً من روافد الجريمة ومرتعاً لها بحكم تكوينها الجغرافي.
ويقول: إن "افتقارها للتنظيم بطريقة لا تسمح بتوغل رجال الأمن وآلياتهم، يجعلها مكانا مهيئاً ومناسباً لتوغل المجرمين الخطرين على وجه الخصوص".
والمرواني يشير في حديث صحفي سابق عبر وسائل إعلام محلية إلى أن "السمة الشائعة لسكان هذه الأماكن أنهم من الطبقة الفقيرة، متدنية التعليم، وممَّن ترتفع بينهم نسبة البطالة".
ويعتبر أن "هذا ممَّا يعاب أحياناً على التنمية الحضرية أنها لا تولي العشوائيات اهتماماً مستحقاً. وهذا خطأ بالطبع فالأمن والتنمية لا ينفكان عن بعضهما وفق ما تؤكده دراسات علم الجريمة".
ويوضح المرواني أن الجيل الحالي بطبعه يسعى للكماليات أكثر من الضروريات، وهذا يدفع في بعض الأحيان إلى ارتكاب جرائم السرقة، والنصب، والاحتيال.
ويستطرد: "يعزز تواجد العشوائيات هجرة البادية نحو المدن وهم يميلون بطبعهم للتواجد في الأطراف للتقارب البيئي، لكن يوجد حلول له أبرزه نقلهم إلى أماكن مخصصة ذات تخطيط موائم".
وترتفع نسب الجرائم والسلوك الانحرافي وحيازة الأسلحة وإطلاق النارة والشعوذة بشكل متنام وملحوظ في الأحياء العشوائية في المدن السعودية.
وفي مقابل ذلك تعجر السلطات بشكل ملحوظ عن وقف تلك الجرائم أو التعامل معها، وفق الكاتب الصحفي حسين أبو راشد.
ارسال التعليق