خلافات على ضفاف التحوّل السعودي في اليمن: ابن سلمان معتدٍ لا وسيط
ساد التفاؤل أجواء المفاوضات التي جرت بين السعوديين والحوثيين برعاية عمانية، إذ تم الحديث عن تقدم كبير حققته هذه الجولة، إلا أن ثمة نقطة خلاف قد تنسف ما تم التوصل إليه من تفاهمات بينهما، أهمها إصرار النظام السعودي على اعتبار نفسه “وسيطاً في الحرب اليمنية، بينما تصرّ جماعة الحوثي على التعامل معه بوصفه قائداً للعدوان المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات.
ويكمن جوهر الخلاف بين الرياض وصنعاء، في تفسير الدور السعودي هذا، وهو أمر يفتح الباب واسعا أمام أسئلة عدة حول مآلات هذا الخلاف.
وبناء على ذلك، فإن مساعي الرياض الأخيرة من الدخول في مفاوضات علنية بعيدا عن الغرف المغلقة، وزيارة وفد منها إلى صنعاء، في وقت سابق من الشهر الحالي، توحي بأنها تحاول إعادة التموضع في معادلة الصراع اليمني، لتتحول من طرف فيه إلى وسيط.
ويتفق مراقبون للشأن اليمني على أن دور الوسيط الذي يسعى إليه النظام السعودي، يساعده في التهرّب من بعض الالتزامات المتعلقة بإعادة الإعمار ودفع التعويضات، ويمكنه من التموضع من جديد في معادلة الصراع في اليمن، ويضعه في موقع قوة لا موقع ضعف كما هي حاله اليوم.
بروز الخلاف وبرز الخلاف جلياً بين السعوديين والحوثيين، خلال زيارة وفد السعودي إلى العاصمة صنعاء، في 8 أبريل الجاري، والذي تعرض لانتقادات شديدة من قيادات ومسؤولين في العاصمة اليمنية، على خلفية موقف لسفير النظام السعودي حاول الإيحاء من خلال إلى دور نظامه الوسيط في الأزمة.
وقال سفير النظام السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الذي ترأس الوفد إلى صنعاء، في تغريدة على تويتر: “أزور صنعاء وبحضور وفد من سلطنة عمان الشقيقة؛ بهدف تثبيت الهدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكوّنات اليمنية للوصول إلى حلّ سياسي شامل ومستدام في اليمن”.
وأضاف: “وقفت المملكة حكومة وشعباً منذ عقود مع الأشقّاء في اليمن في أحلك الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية، ولا تزال الجهود الأخوية مستمرة منذ عام 2011 لتحقيق تطلّعات أبناء اليمن الشقيق بعودة الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي”.
ولاحقاً، كرّرت وزارة الخارجية السعودية ما جاء في مضمون تغريدة آل جابر، إذ قالت في بيان أول من أمس، إن زيارة وفدها للعاصمة اليمنية “تأتي في إطار الجهود التي تبذلها المملكة وفقاً لمبادرة السلام التي أطلقتها في آذار 2021، لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصّل إلى وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة”، وهي المبادرة التي لم تعلّق عليها صنعاء في حينه، فيما وافقت حكومة مجلس الرياض الرئاسي عليها، علماً أنها تبرّئ النظام السعودي من الجرائم التي ارتكبتها في اليمن، وتعيد فرض وصايتها على هذا البلد من خلال تكريس المبادرة الخليجية والمرجعيات الأخرى التي تجاوزها الواقع اليمني، كمرجعية لأيّ تسوية قادمة.
السلطات السعودية قائد العدوان:يحاول النظام السعودي عبثاً أن يتنصل من واجبه القانوني في تحمل كلفة إعادة الإعمار في اليمن.
لذلك، يريد التحوّل من قائد لتحالف العدوان الذي شن حرباً على الشعب اليمني رغماً عنه إلى وسيط بين جماعة الحوثي ومجلس الرياض الرئاسي الذي انقلب به على “الشرعية” المزعومة التي شنّ العدوان أساساً من أجل تثبيتتها في صنعاء، والمتمثلة بالرئيس المُقال عبد ربه منصور هادي. وتنطوي محاولات النظام السعودي لعب دور الوسيط وليس الطرف في العدوان، على نوايا تتعلق بالتهرّب من التبعات المتعلقة بالعلاقات الدولية والمستقبل على المدى القريب والبعيد، بما أنه خاض عدواناً في دولة جارة، بغض النظر عن الهدف من هذا العدوان.
وفي هذا الإطار، يؤكد مراقبون قانونيون أن قبول النظام السعودي كوسيط لا طرف في الصراع، يعني أن لا تبعات للحرب عليه بموجب المواثيق الدولية.
ومن هنا، يتوقع البعض أن تقدم السلطات السعودية الكثير من التنازلات لجماعة الحوثي في سياق محاولتها إقناع صنعاء في القبول بها كوسيط لا كطرف أصيل، ولو أتى ذلك على حساب الأطراف اليمنية التابعة لها كالمجس الرئاسي وغيره.
في المقابل، تُدرك جماعة الحوثي بشكل جيّد مغزى الحرص السعودي من إعادة توصيف دورها في اليمن، من طرف إلى وسيط، وما يترتب على بقائها كطرف، من تكلفة إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، بمبالغ قد تصل لعشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى التبعات القانونية للحرب، ودفع تعويضات لما نجم عنها من ضحايا مدنيين وعسكريين، وانهيار اقتصادي وتمزق اجتماعي وسياسي.
لذلك، تصرّ الحركة على عدم المساومة حول هذه النقطة، وتقول مصادرها إنها ليست في صدد إعطاء صك براءة للنظام السعودي على مجازره وارتكاباته بحق الشعب اليمن، ولو كان ثمن ذلك بعض المكاسب السياسية التي تعرضها السلطات السعودية.
وتقول مصادر يمنية متابعة، إنه لا يمكن لصنعاء أن تقبل بتحريف الواقع، ونكران الحقائق، فالعدوان المفروض على اليمن منذ ثماني سنوات هو في سعودي بامتياز، وما المرتزقة إلا أدوات وبيادق في ذلك، وهذا الكلام تم ترديده أكثر من مرة في الخطابات السياسية والثورية المتواصلة في السنوات الماضية.
وتأكيداً على هذه الحقيقة، استغربت جماعة الحوثي، من تقمّص الوفد السعوديّ دور الوسيط، وقال في تصريح إن شروط صنعاء لن تتغير ولن تتبدل ونحن اعتبرنا حضور الوفد السعودي إلى صنعاء خطوة شجاعة، وعليه الاعتراف بالحرب على اليمن.
بدوره، رد شقيق الزعيم الحوثي "محمد علي الحوثي" بالقول إن “الحوار مع السعودية يجري باعتبارها تقود العدوان بعد الولايات المتحدة، وهو قائم على هذا الأساس”.
وبأسلوب ساخر، غرد الحوثي: “يعني الوسيط العُماني توسّط للوسيط السعودي لأجل الوسيط السعودي يتوسّط بين اليمنيين، هذا التسريب مثل يا بقرة صبّي لبن عبدالله سافر عدن”. ماذا بعد؟
يضع مراقبون محاولات النظام السعودي انتحال صفة الوسيط، في إطار تأكيد هذا النظام على استمراره في المراوغة، متوقعين أن البديل عن التوصّل إلى سلام جادّ وفق شروط ومحدّدات السلام التي وضعتها القيادة في صنعاء، وبوساطة عُمانية، هو حرب أشد ضراوة، يُعاود فيها قصف العمق السعودي بشكل كبير.
قبل نحو عام، كان النظام السعودي لا يزال يطلب من صنعاء الرضوخ لسياساته وللتوجهات الأميركية، والعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل ثورة سبتمبر، أي إدارة القرار في صنعاء عبر المبادرة الخليجية ووصاية السفراء.
لكن اليوم، يثبت اليمنيون أنهم نجحوا في تخطي الصعاب، وفرض معادلات أثّرت حتى على الداخل السعودي، وعلى مشاريع اقتصادية تحتاج الى استقرار.
صنعاء التي لم تكن تشكل تهديداً ولو برصاصة داخل العمق السعودي، باتت يدها هي الطولى وتضرب حيث تريد. هذه الحقائق هي التي أجبرت النظام السعودي على الرضوخ للوقائع الجديدة التي رسمها اليمنيون بإصرارهم وصمودهم، وبالمعادلات التي ابتدعوها وأبدعوا فيها.
يعرف محمد ابن سلمان هذا جيداً، خصوصاً وهو المشرف على انعطافة نحو العمل على تبريد ساحات وإعادة قراءة تموضعها ومراعاة مصالحها ومصالح الآخرين، انطلاقاً من مصلحته الخاصة المتعلقة بطموحه المستقبلي.
الأهمّ، أن النظام السعودي الذي يتربّع على عرشه محمد بن سلمان يعرف أن في “تصفير المشاكل”، وخصوصاً في اليمن، ربح للجميع، لكنه يعرف جيداً أيضاً أن صنعاء تريد للتوجّه السعودي الجديد تحت مسمى “تصفير المشاكل” أن لا يكون على حساب الشعب اليمن وحقوقه وتضحياته، وتريد أن يكون ثمن ذلك الإقرار بالهزيمة السعودية في اليمن، والاستعداد لدفع فاتورة هذه الهزيمة بما يساعد في محو آثار العدوان وما تضمّنه من مجازر وارتكابات سعودية مهولة.
ارسال التعليق