دعاوى التسامح مع الأديان.. لماذا تضيق بالإصلاحيين الوطنيين؟
التغيير
في الوقت الذي تدعو فيه دولة الإمارات إلى التسامح مع الأديان والثقافات الأخرى، وهو ما سارت عليه المملكة منذ تأسيسها لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في النمسا سنة 2012، فإن سياسة الدولتين تتسم بضيقها الشديد بعلماء ودعاة إسلاميين ونشطاء حقوقيين أفضت إلى اعتقالهم ومحاكمتهم باتهامات مختلفة وفق مراقبين.
وتعزيزا لذلك الدور المعلن فقد أقيم في 23 شباط (فبراير) 2019 "المؤتمر الوزاري الإقليمي الأول لتعزيز الحرية الدينية ودور التعليم والتسامح الديني في مكافحة الفكر المتطرف" في أبو ظبي، وناقش المؤتمر عدة محاور من أبرزها دور الإمارات العربية المتحدة في تعليم التسامح بين الأديان ومنع التطرف العنيف.
كما استضافت دولة الإمارات العربية في 5 شباط (فبراير) 2019 شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبابا الفاتيكان فرنسيس وأطلقا من أبو ظبي (وثيقة الأخوة الإنسانية التي إلى العيش المشترك، واحترام حريات الاعتقاد، والتعبير والممارسة، وشددت الوثيقة على أهمية وقف دعم الحركات الإرهابية والمتطرفة بالمال أو بالسلاح أو بتوفير الغطاء الإعلامي لها حسب تقارير صحفية.
توجه الإمارات و المملكة إلى إقامة تلك المؤتمرات والندوات وفتح آفاق الحوار بين أتباع الأديان والثقافات الأخرى، أثار تساؤلات كثيرة حول غياب سياسة التسامح تلك في تعاملها مع علماء وأكاديميين وكتاب وإعلاميين ورموز وطنية تحظى بمكانة أكاديمية ودينية واجتماعية مرموقة في كلتا الدولتين، تم اعتقالهم منذ سنوات وما زالوا يقبعون خلف القضبان وفي غياهب السجون.
ازدواجية المعاملة بين ما يرفع من شعارات التسامح مع الأديان والثقافات الأخرى، وسياسة القمع وتكميم الأفواه لنشطاء الداخل يفرغ تلك الدعاوى من حقيقتها، إذ لا حقيقة لما يسمى بالتسامح على الأرض في كل دولنا العربية، وإنما التسامح يكون كما تريده السلطات الحاكمة وليس بمعناه ومفهومه الحقيقي حسب الداعية والباحث العراقي فاروق الظفيري.
وأضاف في حديث لـ"التغيير": "الشعوب العربية تعاني من مشكلة كبيرة، ألا وهي أن حكامها يستأسدون عليها، لكنهم يخنعون أمام الخارج، فينطبق عليهم المثل القائل (أسد عليّ وفي الحروب نعامة)، مضيفا "علينا أن نفهم أن أغلب حكامنا اليوم مكبلون بأحلاف نزعت منهم غالب السيادة الوطنية، وفرضت عليهم التضييق على مجتمعاتها لكي تحافظ لهم على بقائهم في السلطة وعلى عروشهم".
ورأى الظفيري أن تلك السياسات التي تفرض على الأنظمة إنما تهدف إلى زرع الشقاق بين الحاكم والمصلحين أولا، ثم مع عموم الشعب بعد ذلك، منبها على أن "الحكام لو فهموا أن الناصحين في الحقيقة هم قوتهم التي يجب أن يعتدوا بها، وليس العكس لحصل الأمن والأمان في دولنا العربية".
بدوره رأى الكاتب والإعلامي المصري، جمال سلطان أن المملكة "تدرك جيدا أنها منظومة للقمع والاستبداد واستباحة كرامة الإنسان، ومثل هذه الجهود التي تقوم بها هي محاولة لغسل يدها من ذلك العار، وهي تحاول ممارسة ما يمكن تسميته الاستثمار السياسي في التماهي مع دعوات عالمية لكي تتجمل أمام العالم، وتمحو عن وجهها هذه الكآبة التي تتناقلها وسائل الإعلام الدولية عن سجن وتشريد العشرات من أبناء المملكة لمجرد أنهم يطالبون بإصلاح أو بشفافية أو حتى يناقشون أي شيء يتعلق بشؤون بلدهم".
وواصل حديثه لـ"التغيير" بالقول "الاستعراض لا ينفع، ولا يكفي لغسل يد الرياض من السيرة الكئيبة في مجال حقوق الإنسان.
وتابع: "بعض المقربين من الشيخ محمد بن زايد يطالبون اليوم بقانون لحماية المثليين وحفظ حقوقهم" متسائلا: "أليس من باب أولى أن تحفظ للإنسان العادي، وللمواطن العادي حقوقه وتفرض حمايته من البطش والقمع"؟.
يُذكر أن كلا من المملكة والإمارات في الوقت الذي ترفعان فيه شعارات التسامح مع الأديان والثقافات الأخرى، ما زالتا تعتقلان عشرات الشخصيات الأكاديمية والدينية والتربوية والإعلامية والرموز الوطنية، من أبرزهم في المملكة الدكتور سلمان العودة، وعوض القرني، وحمزة العمري، وسلمان العلوان، وفي الإمارات أستاذ القانون الدكتور محمد الركن، والأكاديمي الدكتور ناصر بن غيب المري، والتربوي أحمد صقر السويدي..
ارسال التعليق