سنتكوم وقلق آل سعود
يدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنطقة نحو المزيد من الاضطرابات من خلال القرارات التي يتخذها والتي لا تصب في صالح أياً من دول الشرق الأوسط، ولكن بعض الأنظمة العربية ونظرا لكون بقاءا يرتبط بشكل مباشر بالولايات المتحدة الأمريكية وحمايتها، مستعدة للقبول بأي قرار يتخذه ترامب أو أي مسؤول امريكي حتى ولو كان هذا القرار يخالف سياسة هذه الدولة أو تلك أو يتعارض مع مصالح الشعب.
لم يأخذ القرار الأخير الذي اتخذه ترامب فيما يخص الحرس الثوري الايراني وادراجه على لائحة المنظمات الارهابية، مساحات كبيرة على صفحات الصحف العالمية على اعتبار أن القرار رمزي ولا يخرج عن كونه إشارة واضحة عن عجز الرئيس الأمريكي في التعاطي مع الملف الإيراني وعدم فهمه لخاصية هذه الدولة وأن اي محاولة لزعزعة استقرارها لن تصب في صالح حلفائه أو حتى مصالحه الاقتصادية التي ستكون تحت نيران الصواريخ الايرانية في حال بالغ ترامب في الضغط على ايران.
من أجل هذا الموضوع ورغبةً من الرئيس الأمريكي لإعطاء ضجة للقرار الأخير الذي اتخذه وتداعياته على المنطقة، التقى يوم الاثنين الماضي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة بالرياض، قائد القيادة المركزية الأمريكية الفريق أول كينيث مكينزي، والوفد المرافق له.
وكذلك فعل نجله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اليوم التالي أي الثلاثاء "16/4/2019" الذي التقى مكينزي وحضر اللقاء من الجانب السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع، ومساعد وزير الدفاع محمد العايش، والمستشار في الديوان الملكي المشرف العام على مكتب وزير الدفاع فهد العيسى، ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق أول ركن فياض الرويلي، والفريق الركن فهد بن تركي بن عبدالعزيز قائد القوات المشتركة. وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، جرى خلال اللقاء استعراض أوجه التعاون بين البلدين (الصديقين) خاصة في المجال العسكري، والجهود المشتركة المبذولة بشأن محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف، بالإضافة إلى مستجدات الأوضاع في المنطقة.
تداعيات هذا اللقاء
أدرك آل سعود وكذلك الولايات المتحدة مدى خطورة ادراج الحرس الثوري على لائحة الارهاب، ومدى انعكاس هذا الامر على الدول الخليجية ودول المنطقة برمتها، ولن يكون هذا القرار لصالح ارساء قواعد الاستقرار في المنطقة على عكس ما تدعي واشنطن على الدوام، وقد يخلط الاوراق مجددا ويجعل الأوضاع اكثر تعقيدا وترامب يدرك هذا الأمر إلا أنه اتخذه لمجموعة الأسباب التالية:
أولاً: في الملف السوري عجز الرئيس الامريكي عن اخراج ايران من دائرة النفوذ التي تتمتع بها في سوريا، ولم يستطع بكل ما يملك جيشه من امكانيات عسكرية حديثة ومتطورة من فعل أي شيء لخدمة الشعب السوري، وإنما كان عائقا أمام تقدم القوات السورية لتحرير الأراضي من "داعش" كما فعلت في بقية المناطق، وتبين أن القوات الأمريكية تتخذ من "داعش" وغيرها من الجماعات الارهابية حجة للبقاء هناك، لكن سوريا وبمساعدة حلفاءها بما فيهم ايران استطاعوا مؤخرا القضاء على فلول داعش في سوريا، وهذا الأمر شكل احراجا للقيادة الأمريكية، حيث لم يعد هناك ذريعة للبقاء في سوريا، ومن هنا بدأ المسؤولون الأمريكيون يغنون لحناً جديدا ويقولون ان احتمال ظهور داعش مرة أخرى لايزال قائما.
ثانياً: في العراق أيضا ساهمت ايران إلى حد كبير في القضاء على الجماعات المسلحة وهذا أخر ما كانت تبحث عنه الولايات المتحدة التي عجزت خلال أكثر من عقد من الزمن من أن تعيد الأمن والاستقرار إلى العراق على عكس ادعاءاتها عندما قررت غزو العراق، وبالتالي فإن نجاح ايران بالتعاون مع القوات العراقية شكل احراجا كبيرا للقوات الأمريكية ومعداتها الحديثة، فضلا عن تورطها في جرائم قتل للمدنيين العراقيين من خلال القصف الجوي، وهذا الأمر دفعها للانتقام من ايران وتقويض جهودها تحت اي ظرف، ولا يمكن ان يأتي الاجراء الأخير الذي اتخذه ترامب سوى في اطار "العجز الأمريكي" عن احداث اي تغيير لصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ثالثاً: فشل الولايات المتحدة في جعل الأمور تذهب لصالحها انعكس بشكل مباشر على آل سعود الذين فشلوا ايضا في احداث أي تغيير لصالحهم خلال المرحلة الماضية، وظهر ذلك في ملف العراق وسوريا واليمن ولبنان وقطر وغيرها من الدول، وبالتالي جاء القاء بين الملك سلمان ونجله لاستجماع القوة من جديد ومحاولة اظهار اكبر قدر من التعاون على شاشات التلفزة للتغطية على الفشل الذريع في جميع الملفات التي أدارها ابن سلمان وأبرزها ملف اليمن الذي أصبح يشكل "عقدة" لـ آل سعود لم يعد بإمكانهم الخروج منها علما بأن "سنتكوم" ساعدتهم كثيرا في الحرب اليمنية ومع ذلك لم يستطيعوا ان يحرزوا أي تقدم في هذا الملف اللهم الا اذا اعتبرنا قتل الاطفال وتدمير البنية التحتية انجازا حربيا سعوديا.
في الختام؛ ايران ستدافع عن مصالحها بكل تاكيد وكان ردها الأول على قرار ترامب بوضع قوات القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" وشركائها على قائمة الإرهاب، بعدما وافقت لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي الإيراني على مسودة القانون التي أقرها نواب البرلمان الأسبوع الماضي. واعتبرت المادة الأولى تصنيف الحرس الإيراني باعتباره "أحد أركان الدفاع الإيرانية" تهديداً للاستقرار الإقليمي والدولي، وقالت إن القانون الإيراني المماثل يعتبر قوات القيادة المركزية الأميركية إرهابية، كما يشمل التصنيف جميع مَن يقدم لها دعماً عسكرياً واستخباراتياً ومالياً وتقنياً ولوجيستياً ويسهم في تدريبها. أما المادة الثانية فتلزم الحكومة بالرد "المتقابل والحازم" على الخطوات الأميركية التي تشكل تهديداً للمصالح الإيرانية، وبالتالي نخشى ما نخشاه أن يشكل اتخاذ مثل هذا القرار "عقدة" جديدة للولايات المتحدة وال سعود لا يمكنهم الخروج منها على غرار اليمن بحيث تكون الاراضي السعودية مسرحا للهجوم والهجوم المضاد بين سنتكوم والحرس الثوري بل حتى القوات السعودية لانها وحسب التعريف الايراني للارهاب تدخل ضمن من يقدمون المساعدة للقوات الامريكية المستقرة غرب اسيا سنتكوم.
ارسال التعليق