عائض القرني يخرج عن صمته ويعلن البراءة من فكره
بقلم: فوزي بن يونس بن حديدلم نكن نتوقع يومًا أن عالما من علماء الأمة، كان ذات يوم ينصح الناس ويرشدهم، ويبين لهم الصواب من الخطأ، بلغة سهلة تدخل القلب، وتنير الوجدان، أن ينقلب على فكره الذي تربى عليه وترعرع ونشأ، ولم نكن نتوقع أن ينسلخ عالم الوعظ والإرشاد من القيم والمبادئ والأفكار التي طالما شنّف بها آذاننا، وأصغت إليه أسماعنا، ومالت إليها قلوبنا، حتى كدنا نقول إن عائض القرني رسول الفكر الوجداني والروحاني، كتبُه كثيرة ومتنوعة، ومحاضراتُه ودروسُه قيمة ومفيدة، سواء على الشاشات أو مسجلة على الـ “سي دي”، كل الشباب أو جلهم، كانوا متأثرين بما يقوله عائض القرني، الرجل الذي كان يتحدث ببلاغة خاصّة تنفذ إلى القلب مباشرة، الرجل المرح الذي يوصل المعلومة إلى النفس دون تكلّف، فما الذي تغير وحدث؟
جاءنا العالم الجليل عائض القرني، بلباس جديد، وبوجه لم نألفه طوال السنين، جاءنا ليعلن أنه وصل مرحلة الرشد، وأعلن البراءة مما قاله خلال مرحلة الشباب، معلنا أنه كان في فترة حماس واندفاع وهي مرحلة تمر على كل فرد منا، يُعلن أن كل مما قاله وما سمعناه ليس صحيحا، وعلى المرء أن يغيّر ويجدّد حياته وفق الواقع الجديد، ويقول إن تلك فترة التشدد والآن علم انه كان كذلك وانسلخ منه بطريقة مبهتة حقّا لكل متابعيه ومن يقرأ له.
ما الذي حصل يا شيخ حتى تغير منهجك في الحياة؟ ما الذي جعلك تغير استراتيجيتك في التعامل مع الأحداث؟ لم نكن نتوقع أن يتغير عالم من علماء الأمة فجأة، ويتمزق ثيابه القديم الذي اعتدنا دوما على مشاهدته، ليلبس العالِم اللباس الجديد الذي صُنع على مقاسه، كل ما تحدث عنه في السابق ألغاه في لحظات من الزمن، ألا يكون الأجدر أن تتمسك بقناعاتك التي بنيتها على قواعد من الكتاب والسنة؟ أم أن العلم الذي ورثته من ابن تيمية وابن القيم الجوزية والألباني وابن باز ذهب أدراج الرياح؟ أم أنك تميل حيث تميل الرياح؟ ألا حري بك أن تصبر على الأذى إن لحق بك وتكون كما كان عمّار بن ياسر وغيره ممن أوذي في سبيل الله وصبر على ما أتاه الله من بلاء، ونقول لك صبرا آل القرني فإن موعدكم الجنة، لماذا سارعت إلى التوبة المعكوسة عوضا عن الأوبة المحمودة؟
كل ما كان حراما صار حلالا بفعل السياسة التي تغير الأحكام، وكل ما كان مقتنعا به في فترة الزهو والقوة، صار من سقط المتاع في فترة الحرج والذل، لم لا تكون مثل سلمان العودة وغيرهم من المشايخ الذين تثبوا على النهج ودخلوا السجن، وربما مات بعضهم، فهذا هو الجهاد الذي كنت تتحدث عنه، وكنت حاميه إبان الغزو الإرهابي لسوريا، هذا هو النضال من أجل إعلاء كلمة الله في واقع يتهم كل صوت ينادي بالحذر من تطرف ترامب وعنصريته وبلطجيته، ها هو اليوم يهين بلدك مرات ومرات وأنت تمدحه وتعلن أنه مصلح كبير، هل صار العلم عندك تجارة أيها الشيخ الوقور، أم أنكم خُدعتم بالفكر الوهابي الخطير، أم أنكم أردتم الحياة الدنيا وحطامها، أم أنكم تخافون غضب ابن سلمان عليكم، ماذا حدث أيها العائض القرني؟
فعلا ما حدث كان صدمة ووقعها كبير على كل المتابعين، لم يصدّق أحد أن الشيخ عائض القرني، يتغير فجأة ويسمح بما لا يسمح به من قبل ويفتي بجواز ما كان محرما، هنا تسقط المصداقية، وهنا تنقطع الروابط، وهنا تضيع الهيبة، وهنا تبدأ المعركة، وهنا يبدأ الازدراء بعلماء الدين، وهنا يبدأ السجال حول الفكر الوهابي الذي طالما دافع عنه كبار العلماء في السعودية ونشروه في بقاع العالم. يا لخسارة القرني في نفوس متابعيه، وجّه ضربة قاضية لكل مستمعيه ومشاهديه، بل وجّه ضربة قاضية لنفسه التي بدت متذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
نصيحة أخيرة، أثبتْ على الحق ولا تخف، لا تعشْ أكثر مما كُتب لك، وما قدّره الله آت لا محالة، وكن على يقين أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، والرجل بقيمه ومبادئه وأخلاقه وسلوكه وعقيدته ما تمسّك بها رغم الداء والأعداء.
ارسال التعليق