هل تسارع السعودية في تسديد ديونها؟ بعدما خرجت الشكاوى للعلن
عقب أيام من إعلان السعودية انتهاء حملة ابن سلمان على الفساد ، والكشف عن قيمة التسويات التي درت على خزينة الدولة 400 مليار ريال سعودي.. خرجت إلى العلن شكوى الشركات الغربية من تباطؤ وفشل المملكة في سداد ديونها.
وكانت السعودية قد أعلنت، الخميس، أن الحملة التي بدأت في نوفمبر 2017 نتج عنها استعادة أكثر من 400 مليار ريال (106 مليارات دولار) من خلال إجراءات تسوية مع 87 شخصا بعد إقرارهم بما نسب إليهم وقبولهم للتسوية.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن عدد من الشكاوي السرية التي تواجه المملكة لعدم سداد ديونها التي وصلت لأكثر من مليار دولار تدين بها مقابل شاحنات عسكرية صنعتها شركة General Dynamics Corp العملاقة في مجال الدفاع، بحسب ما قالته الشركة ومسئولون كنديون.
وأشارت الشكوى إلى أن الشركات الغربية تواجه المشكلةٍ بهدوء منذ سنوات ،وفي إشارةٍ إلى المدى الذي وصلت إليه خطورة وانتشار هذه الشكاوى بالدفع المتأخر، أثارت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الموضوع مع مسئولين سعوديين أواخر العام الماضي، وذلك بحسب شخصٍ مطلع على المحادثات.
ومثَّلت تصريحات شركة General Dynamics بشأن تأخر المدفوعات خروجاً نادراً لشكاواها إلى العلن، ويقول المسئولون التنفيذيون في الشركة إنَّ تلك المشاكل شابت المبيعات إلى السعودية لسنواتٍ طويلة، وتعد المملكة أكبر مستوردٍ للأسلحة الأمريكية.
وقال أشخاص مطلعون على هذه الشكاوى بحسب الصحيفة الأمريكية إنَّ قائمة الشركات الأخرى التي تشتكي بشكلٍ سري للرياض شملت الشركة الأمريكية العملاقة في مجال البناء Bechtel Group Corp، وشركة الاستشارات العالمية Boston Consulting Group INC.
عجز الميزانية
وقال مسئولون سعوديون لم يكن مصرحاً لهم بالتعليق علناً وأشخاصٌ مطلعون على هذا الأمر إنَّ الحكومة السعودية أخرت دفعاتٍ تقدر قيمتها بمليارات الدولارات إلى شركات غربية في محاولةٍ لاحتواء العجز في ميزانية حكومتها، في ظل انخفاض أسعار النفط ومستويات الإنفاق القياسية التي أُعلن عنها في شهر ديسمبر.
وقال أحد المسئولين السعوديين عن تأخير سداد المدفوعات إلى القطاع الخاص: "هذه استراتيجية. فالحكومة تعرف أنَّ بإمكانها الإفلات من العقاب، وهي لا تريد أن يكون رقم عجز ميزانيتها مثيراً للقلق".
وطرحت وزارة المالية السعودية سندات دولية (أدوات دَين) بقيمة 7.5 مليارات دولار، على شريحتين، لأجَل 10 و31 عاماً، لمواجهة نقص السيولة ، الشهر الماضي.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، وقتها إن بلاده تعتزم إصدار سندات بقيمة 120 مليار ريال (32 مليار دولار) في 2019، للمساعدة في تمويل عجز الموازنة فإن مراقبون يرون أن ما تم طرحه اليوم ليس سوى مرحلة أولى.
ويرى اقتصاديون أن هذه الديون الطويلة المدى تؤكد عدم قدرة السعودية على تسديدها على المدى القريب، مشيرين إلى أن السعودية تمر بوضع اقتصادي صعب منذ تنصيب ولي العهد محمد بن سلمان نتيجة سياسته التي تكلفه في اليمن فقط 6 مليار دولار شهريا حسب إحصائيات دولية.
وكان وزير الاقتصاد السعودي محمد التويجري قد قال في مقابلةٍ مع صحيفة "وول ستريت جورنال" في ديسمبر الماضي :" إنَّ الحكومة لا تبذل جهوداً لتأخير المدفوعات لأسبابٍ متعلقة بالميزانية"، مضيفا:" إنَّ السلطات لديها نزاعات مع بعض الشركات بشأن قضايا مثل عدم إتمام المهام كاملةً". ولم يُسمِّ شركات بعينها.
وأضاف :" نحن نضغط من أجل أن ندفع للجميع في الوقت المناسب".
وأوضح متحدث باسم وزارة المالية السعودية أنَّ الحكومة دفعت للشركات الخاصة 99٪ من المبلغ الذي كانت مدينة لها به في غضون 90 يوماً العام الماضي.
أزمة القروض الدولية
وزادت أزمة المدفوعات السعودية العام الماضي، عندما جمعت السعودية قروضاً دولية تبلغ حوالي 20 مليار دولار للمساعدة على سد العجز في موازنتها البالغ 36 مليار دولار.
وفي شهر ديسمبر، قال مسئولون سعوديون إنَّ العجز في الميزانية لعام 2019 سوف يبلغ 35 مليار دولار.
وقال إلين والد، رئيس شركة Transversal Consulting ومؤلف كتاب Saudi Inc، وهو كتاب عن تاريخ الشركات في المملكة: "عدم الدفع في الوقت المناسب ممارسة تجارية نموذجية في منطقة الخليج. لكنَّ الحكومة السعودية تأخذ هذه الممارسة إلى حدودها القصوى".
ديون الشاحنات العسكرية
وقال مسئولون كنديون إنَّ على السعودية متأخراتٍ بقيمة 1.8 مليار دولار كندي (1.4 مليار دولار أمريكي) مقابل الشاحنات التي تصنعها شركة General Dynamics في مصنعها في لندن بأونتاريو.
وتبيع الشركة هذه الشاحنات إلى كندا، التي تبيعها بدورها إلى السعودية.
وأصبحت هذه الشاحنات المدرعة نقطة خلافٍ شديد في الخصومة الدبلوماسية منذ طردت السعودية العام الماضي السفير الكندي وقطعت الروابط التجارية، بسبب انتقاد كندا لحقوق الإنسان في السعودية.
وتعرض رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو لضغوطٍ لإنهاء المبيعات إلى السعودية، وتحدث عن إيجاد وسيلةٍ للخروج من العقد.
وقال جايسون آيكن، المدير المالي لشركة General Dynamics، في مكالمةٍ مع المستثمرين الأسبوع الماضي، إنَّ التأخيرات "أثرت بشكلٍ كبير على التدفق النقدي الحر الذي توقعناه العام الماضي".
وأضاف آيكن:" أنَّ الشركة كانت تتوقع استعادة المتأخرات العام الجاري، لكنَّ التأخير وتوقعات الأرباح لعام 2019، التي جاءت أقل من توقعات المحللين، أدت إلى انخفاضٍ بنسبة 3٪ في سعر أسهمها".
وقال مسئول كندي إنَّ المسائل المتعلقة بالمدفوعات السعودية المتأخرة مقابل العربات المصفحة تعود إلى منتصف العِقد الجاري، بعد أن كان العَقد قد وقع في البداية عام 2014 من طرف حكومة المحافظين السابقة في أوتاوا.
مشتريات الأسلحة
ورصدت الميزانية السعودية لعام 2019، مخصصات للإنفاق العسكري بقيمة 191 مليار ريال (50.9 مليار دولار)، ليحل هذا الإنفاق في المرتبة الثانية من حيث قيمة المخصصات بعد التعليم، في قائمة بنود الإنفاق التسعة التي تضمّنها بيان الميزانية.
وقال معهد استوكهولم للسلام أن مشتريات السعودية من السلاح في 2017 بلغت 69.4 مليار دولار، لتحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد أميركا والصين.
لكن بيان الميزانية لعام 2018 يظهر أن مخصصات الإنفاق العسكري كانت بحدود 224 مليار ريال (59.7 مليار دولار)، أي أن معهد السلام ذهب إلى أن نفقات التسليح فقط زادت عما هو مدرج في ميزانية السعودية بنحو 10 مليارات دولار، وذلك بدون باقي بنود الإنفاق العسكري.
ومن أسباب زيادة قيمة الإنفاق العسكري السعودي في 2017، استمرار الحرب على اليمن بقيادة التحالف السعودي الإماراتي، وفرض الحصار على قطر في يونيو 2017.
ويبدو أن الانفاقفي هذا الجانب لن يقل حتى مع عجز الموازنة فحتى الأن لم يظهر بعد أفق سياسي لحل الأزمتين، بل تزيد عليهما الأزمة التي تعيشها السعودية بسبب مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا.
كانت تقديرات بيان ميزانية 2018 أن يتراجع الإنفاق العسكري السعودي بنحو 6.3% عما كان عليه في 2017. وتذهب تقديرات ميزانية 2019 إلى خفض هذا الإنفاق بنحو 12% عما هو مقدر في 2018.
ويزيد الإنفاق العسكري السعودي بشكل ملحوظ، وتؤيد ذلك بيانات الميزانية العامة، كما هو الحال في تقديرات 2018.
فقد أتى الإنفاق العسكري على رأس قائمة قطاعات الإنفاق العام بنحو 218 مليار ريال، أو من خلال ما ترصده تقارير معهد استوكهولم للسلام، والذي كان يضع السعودية في المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث مشتريات السلاح حتى عام 2016، ثم احتلت السعودية المرتبة الثالثة على مستوى العالم عام 2017.
وعلى الرغم من التحسن في أسعار النفط خلال 2017 و2018، إلا أن الميزانية السعودية عانت من عجز تراوح بين 9.7% و4.6%، خلال العامين على التوالي، وتنتظر ميزانية 2019 عجزًا بنحو 4.2%.
وإن كانت مؤشرات سوق النفط العالمي تشير إلى استمرار انخفاض الأسعار على الأقل خلال الشهور الستة الأولى من عام 2019، وهو ما يعني أن الميزانية السعودية سوف تشهد عجزًا في الواقع أكبر مما هو مقدر، عند 4.2%.
فهل تسارع المملكة في تحسين صورتها وسداد ديونها وسد العجز في ميزانها بأموال الصفقات والتسويات التي حصلت عليها منحملة الفساد ، فلمبلغ الذي يقدر بـ 400 مليار ريال يعني كثيرا بالنسبة لاقتصاد السعودية، حيث تعادل القيمة الإجمالية للتسويات 10 أضعاف عجز الموازنة السعودية التي قدرت هذا العام بـ 40 مليار ريال.
كما يساوي المبلغ بيع مليار و800 مليون برميل من النفط، ويعادل إيرادات السعودية من تصدير النفط لعام 2017، كما يشكل المبلغ كذلك 12 ضعف الأرباح الصافية لكافة الشركات السعودية المدرجة آنذاك.
ارسال التعليق