الإمارات.. وتدخلاتها في الشأن العراقي الداخلي..!؟ القسم الأول
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي..
رغم مشاركتها السعودية في العدوان على الشعب اليمني المظلوم، ومسؤوليتها عن استمرار معاناة ومذابح هذا الشعب، ورغم تورطها في المستنقع الليبي ودورها الفعال في استمرار مأساة هذا الشعب لحد هذه اللحظة.. تردد اسم الإمارات مؤخراً كثيراً على السنة بعض المسؤولين العراقيين، وبعض وسائل إعلامهم، متهمين إياها بالتدخل في الشؤون العراقية بشكل سافر وضد تطلعات الشعب العراقي ومصالحه!! سيما في الفترة، من بدء الاحتجاجات والمظاهرات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد، وشهدتها بعض المحافظات الجنوبية مثل البصرة والناصرية وكربلاء والعمارة والكوت وغيرها بحجة محاربة الفساد، وحتى اليوم.. أي أن هذا التدخل بحسب العراقيين برز بشكل لافت خلال هذه الفترة، الثلاثة أشهر الأخيرة!
نشير إلى بعض من مظاهر التدخل الإماراتي، مما تردد على السنة الأوساط الإعلامية والسياسية العراقية.. فبالإضافة إلى إشارتهم إلى الأموال الطائلة المقدمة إلى المحتجين ضد الحكومة العراقية والعملية السياسية في العراق، في بغداد وفي الناصرية والبصرة، حيث عثرت السلطات العراقية على كشوفات هذه الأموال الواصلة من الإمارات والسعودية، وتقدر بمئات الملايين من الدولارات، وذلك لشراء ذمم الشباب في الجنوب من المغفلين والجاهلين لاستغلال حرمانهم وبطالتهم وتوظيف غضبهم لأهداف تغيير النظام في العراق.. نقول انه بالإضافة إلى ضخ هذه الأموال، كشف موقع "عربي 21" في 5 تشرين الثاني 2019 الماضي، نقلاً عن مصادر عراقية، في حديث لأحد المواقع الأخبارية، قولها: " أن الإمارات حاولت مع انطلاق المظاهرات الشعبية، تنفيذ انقلاب عسكري كانت قد خططت له، بقيادة عدد من الضباط في جهاز مكافحة الإرهاب وقادة بالحشد الشعبي استطاعت المخابرات الإماراتية استحالتهم". وأوضحت هذه المصادر أن: "السلطات العراقية حيّدت (عبد الوهاب الساعدي) وهو قائد أحد الأجهزة المهمة في الجيش قبل انطلاق المظاهرات في 1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نقلته إلى وزارة الدفاع بعد ورود معلومات انه له دور في انقلاب محتمل". وكان رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي، قد أصدر قراراً بتنحية هذا القائد في28/سبتمبر/أيلول الماضي، واتهمه من دون ذكر اسمه بالتواصل مع سفارات دول أجنبية، وطالبه بتنفيذ قرار الانتقال لوزارة الدفاع دون أي نقاش. وحينها، طبقاً لما نقله هذا المصدر، علق كفاح محمود المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني بتغريدة مثيرة على حسابه في توتير، قال فيها: " انتهت عملية تصنيع (سيسي عراقي) بعودة الجنرال إلى بيت الطاعة"! وذكر هذا المصدر ( العربي21)، أن حملة الاعتقالات العراقية في حينها طالت خمسة من قيادات الحشد الشعبي أحدهم (أ.ع) مستشار رئيس الحشد الشعبي، بعد وصول معلومات أكدت تواصله مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان والذي يعمل مستشاراً لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. وبحسب معلومات المصادر فإن " أ.ع، تواصل مع طحنون بن زايد ومحمد دحلان اللذين يديران غرفة عمليات لمتابعة المظاهرات الشعبية في العراق ومحاولة التأثير فيها".
وكشف راديو صوت العراق، كانت تهدف إلى التأثير في التظاهرات الجارية، من بين أفرادها أشخاص يحملون الجنسية اللبنانية. وأشار الراديو إلى أن الخلية مرتبطة مباشرة بما يسمى مستشار الأمن الوطني الإمارات طحنون بن زايد، وتدير أنشطة تستهدف الدولة العراقية، مشيراً، أي الراديو المذكور، إلى أن شقيق ولي عهد أبو ظبي يجري حالياً، أي في وقتها، اتصالات عبر أطراف غربية لتسوية القضية..
وشرح موقع عربي 21 حول أهداف هذا الانقلاب، بما ينسجم ويتناغم مع الرؤيتين الأمريكية والصهيونية لتغيير الوضع الحالي في العراق!!
يشار إلى أن أحد الزعماء العراقيين البارزين قال في مقابلة تلفزيونية في 3 تشرين الثاني الماضي.. أن "دولة الأمارات تدعم المظاهرات بالأموال ورئيس الحكومة (عادل عبد المهدي) وقادة الأجهزة الأمنية على علم بذلك". وأضاف: أن الأطراف الخارجية المشاركة في محاولة إثارة الفوضى والاقتتال الداخلي هي " إسرائيل " وأمريكا والإمارات، التي أكد أن دورها أصبح أقوى من السعودية!!.
ومن الجدير الإشارة إلى أن التدخل والعبث الإماراتيين في الشأن العراقي لم يكن وليد الأحداث الأخيرة في العراق أقصد المظاهرات الاحتجاجية، وإنما سبق ذلك بكثير أي منذ سقوط نظام الدكتاتور صدام حسين وأشارت مصادر إعلامية وعربية، إلى دورها في إدخال المخدرات والأسلحة إلى العراق فقد كشفت السلطات العراقية عمليتين لنقل الأسلحة الإماراتية في ميناء البصرة، وضبطت كمية كبيرة من مسدسات الكاتم والأسلحة الأخرى التي تستخدم في الاغتيالات، ذلك غير العمليات التي لم تضبط ولم تكشف، وإضافة إلى المخدرات، التي تقول احد المصادر أن إحدى العمليات ضبطت تهريب 80 مليون حبة مخدرة أرسلتها الإمارات إلى العراق عبر ميناء البصرة، حيث تكفي هذه المحمولة لتخدير الشعب العراقي بأكمله!! ذلك فضلاً عن دورها في نقل الأسلحة إلى الشمال العراقي ودعمها لانفصال كردستان، كما سنرى بعد قليل..
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان كل عربي، وكل مسلم، هو لمصلحة مَنْ ما تقوم به الإمارات من تدخلات تخريبية في العراق!؟ وماذا تريد من وراء هذه التدخلات!؟ وما هي الأسباب التي تدفعها لهذا التدخل!؟
نحاول الإجابة على هذه الأسئلة، من السؤال الأخير، وهو ما هي الدوافع والأسباب التي تدفع الأمارات إلى التدخلات في الشأن العراقي؟ ونعتقد أن هناك ثلاثة دوافع أو أسباب تقف وراء تلك التدخلات هي ما يلي:
خوف وحساسية النظام الإماراتي، كما حال النظام السعودي، وبقية الأنظمة الاستبدادية الأخرى، من قيام وتنامي ورشد تجربة ديمقراطية في المنطقة لأن ذلك يهدد هذه الأنظمة لكونها أي تلك التجربة نموذجاً تحتذي به الشعوب في الإمارات والسعودية وغيرهما، وتكون معيناً وملهمة لتحرك هذه الشعوب للتخلص من هذه الأنظمة العشائرية والمستبدة والمتخلفة.
حساسية الإمارات، من التجربة السياسية العراقية، على خلفية طائفية، كما هو حال السعودية أيضاً، وأنظمة عربية وإسلامية أخرى.. وعلى خلفية صهيونية أيضاً، فكل هذه الأطراف لا تريد نظاماً في العراق صاحب الدور المحوري والتاريخي في المنطقة، يقوده المسلمين الشيعة، حتى وان يكون للسنة والأكراد دوراً أساسياً فيه كما هو حاصل الآن، وهذا ما أشار إليه صراحة الحكام السعوديون والإماراتيون والصهاينة أيضاً وحتى الامريكان مؤخراً، وان كان الامريكان أقل حساسية لأن ما يهمهم نظاماً عميلاً حتى لو كان قائدة شيعياً ما دام يحمي مصالحهم ويتصالح مع النظام الصهيوني، بعكس الإماراتيين والسعوديين فهم يتحسسون من الحاكم الشيعي للعراق حتى ولو كان عميلاً أمريكياً. ويضاف إلى ذلك حساسية الإمارات من وجود مكونات إسلامية تشارك في حكم العراق، وهم الآن يخوضون الحرب الإعلامية على الإخوان المسلمين في تركيا وفي ليبيا واليمن، رغم أنهم يتحالفون في اليمن مع القاعدة وداعش سراً، وتلك مفارقة للبعض، ولكن هذه المفارقة قابلة للفهم، إذا تابعنا الهدف الثالث للإمارات من وراء التدخل في الشأن العراقي.
الأهم من ذلك، هو أن الأمارات تنفذ أجندة صهيونية وأمريكية في إطار المشروع الأمريكي الصهيوني الرامي أساسا إلى هدفين أساسيين هما:
أولا: نشر الفوضى وعدم الاستقرار السياسي لدول المنطقة ومجتمعاتها، لتمكين الصهاينة والامريكان من إقامة أنظمة موالية لهم، وتشكل مصداً وحماية لأمن الكيان الصهيوني، وتكون وسيلة له للاندماج في نسيج المنطقة بل والتسيّد عليها والعبث بمقدراتها وثرواتها وشعوبها و.. و.
ثانيا: تقسيم دول المنطقة، المركزية منها بشكل خاص مثل العراق، إلى دويلات طائفية واثنية متصارعة لإزالة قوة العراق، ولتسهل السيطرة على هذه الكانتونات واستنزافها عبر تفجير الصراعات الداخلية بين مكوناتها على أسس اثنية، وجغرافية وطائفية وما إلى ذلك وتجدر الإشارة إلى التطابق الكبير بين الأهداف الصهيونية الأمريكية في العراق والأهداف الإماراتية اليوم، وفي ذلك يمكن الجواب على السؤال المطروح آنفاً وهو لمصلحة ما تقوم به الإمارات بالتدخلات التخريبية والتدميرية في الشأن العراقي الداخلي، فإنها أي الإمارات تنفذ أجندة صهيونية أمريكية ليس في العراق فحسب بل في ليبيا واليمن وتونس ولبنان وفي مناطق أخرى، فهناك تنسيق متواصل بين الإمارات والكيان الصهيوني والامريكان في إطار التحرك لتدمير المنطقة!! ففي هذا السياق كشفت شبكة النهرين نت الاخبارية العراقية، في 15 آب الماضي نقلا عن صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية أن الكيان الصهيوني ودولة الأمارات عقداً اجتماعين سريين بترتيب من الولايات المتحدة لتنسيق الجهود بينهما فيما يخص التصدي لإيران.. فبحسب الصحيفة الأمريكية أن هذين الاجتماعين أو اللقاءين لا يعرف بهما على المستوى الأمريكي الّا عدد قليل من المسؤولين، وان اللقاءين تطرقا إلى التنسيق بين "البلدين "- أي بين كيان الاحتلال والإمارات- على المستويات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية ".. وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال ان هذين الاجتماعين كانا ثمرة لمؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط الذي عقدته الولايات المتحدة بمشاركة عدد من الدول الأوربية بالإضافة إلى الكيان الصهيوني والذي نجح في أيجاد آلية تنسيق بين أبو ظبي وتل أبيب فيما يتعلق بالشأن الإيراني وشؤون المنطقة، بحسب ما تقوله الصحيفة المذكورة.. وكان وزير خارجية الاحتلال الصهيوني يسرائيل كاتس قد أشاد بالتعاون والتنسيق الأمني بين الأمارات والكيان الغاصب لفلسطين في زيارته العلنية للإمارات في 3- حزيران عام 2019. ورغم محاولات أبو ظبي التستر على هذا التنسيق إلا أن صحيفة معاريف الصهيونية كشفت في 8 حزيران/2019 تفاصيل العلاقات الخاصة والتعاون الاستخباري والأمني العميق بين كيان الاحتلال وإمارة أبو ظبي، ولفت معلق الشؤون الاستخبارية في الصحيفة، يوسي ميلمان، إلى أن هذه العلاقات تتعاظم بسبب طابع المصالح المشتركة التي تربط الطرفين.. وأشار ميلمان إلى أن جزء من هذه العلاقة يقوم على عقد صفقات سلاح، حيث تبيع تل أبيب للإمارات عتاداً واسلحة خفيفة وتكنولوجياً!! وتحدثت الصحيفة الصهيونية عن طبيعة هذه الأسلحة، من أسلحة الكواتم ومنظومات الاختراق الالكتروني وما إلى ذلك، ما يرجح ذلك أن الأسلحة التي هربتها الإمارات للعراق وقبضت عليها السلطات العراقية في ميناء البصرة كما أشرنا وصلها مسدسات كاتمة الصوت كانت مموهة بملاعيب أطفال.. أن الإمارات جلبتها من الكيان الصهيوني على خلفية التنسيق والأهداف المشتركة بين الطرفين!
كما أشارت صحيفة هآرتيز إلى رجل الأعمال الصهيوني متاي كوخا في صاحب الشركة الأمنية "لوجيك" والتي تضم جنرالات وخبراء عسكريين وأمنيين صهاينة كبار كانوا مجندين في الجيش الصهيوني وفي أجهزة الأمن الصهيوني ومنها الموساد.. موضحة أن هؤلاء الجنرالات يستقرون في أبو ظبي، حيث تقدم الشركة الصهيونية لوجيك الخدمات والاستشارات الأمنية للنظام الإماراتي، وللدرجة التي تفاخر بهذا التعاون الأمني بين شركته ضمت من الجنرالات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السبق عاموس مالكا، وقائد سلاح الجو الأسبق ايتان بن الياهو، وغيرهما، وكلهم يستقرون في أبو ظبي.. بموجب الصفقة بين شركته والامارات!!
وهذا ما أكدته مجلة "انتليجنس اون لاين" الفرنسية المتخصصة في قضايا الدفاع، حيث قالت "إن الإسرائيليين الذين يتولون إدارة صفقات السلاح والاستشارات العسكرية مع أبو ظبي في الوقت الحالي هم: ديفيد ميدان الذي تولى في السابق قيادة شعبة تجنيد العملاء في جهاز الموساد" تسوميت" وأفي لؤومي، مؤسس شركة اورانتتكوس، المتخصصة في إنتاج الطائرات بدون طيّار".
هذا غيض من فيض الأحاديث والتحليلات والشهادات والوثائق حول التعاون الإماراتي مع الجانب الصهيوني في المجالات الامنية والعسكرية، وحول دور سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة حول تعميق وتعزيز هذا التعاون الذي يمتد في عمق العقود الماضية حتى يصل إلى عهد الشيخ زايد يوم كان رئيساً للإمارات!!
فهذا السفير نشط في توطيد العلاقات واللقاءات بين الطرفين بحكم علاقاته الحميمة مع الصهاينة ومع اللوبي الصهيوني الأمريكي، ومن خلاله قفزت هذه العلاقات بحسب شهادات المسؤولين الصهاينة قفزة نوعية تجلت في تطابق الآراء والمصالح بين الطرفين كما أشار أكثر من مرة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته يسرائيل بن كاتس وغيرهما من المسؤولين الصهاينة. وإذ تجلى التنسيق والتعاون الصهيوني الإماراتي الأمريكي على مستوى المنطقة برمتها، وفي المجالات الأمنية والعسكرية بشكل خاص، فأن هذا التعاون برز بشكل لافت، من خلال التحرك الاماراتي التخريبي للعراق وبشكل سافر كما أشرنا، سيما الدخول على خط الاحتجاجات الشعبية ومحاولة استغلالها لصالح الأهداف الأمريكية الصهيونية، ومن أهمها ترتيب الوضع السياسي والعسكري في العراق، ليكون ملائماً ومتوافقاً مع المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي في المنطقة. وعلى أساس هذه الرؤية تحركت الامارات ومعها الكيان الصهيوني في الخفاء بالإضافة الى رعاية الولايات المتحدة، لتحقيق الهدف المذكور، من خلال عدة خيارات ما زالت مطروحة حتى اللحظة، لكننا سنؤجل الحديث عنها الى القسم الثاني من هذه المقالة بإذن الله.
ارسال التعليق