عام على الازمة الخليجية.. الخلفيات الحقيقية والاطراف المتورطة
[ادارة الموقع]
منذ سنة وقعت الأزمة الخليجية بين السعودية، الامارات، البحرين ومعهم مصر من جهة بوجه قطر، حيث قطعت الدول الاربع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وفرضت عليها حصارا مطبقا برا وبحرا وجوا على خلفية حصول خرق لمنصات الكترونية اخبارية قطرية بثت عليها تصاريح نسبت لامير قطر تميم بن حمد آل ثاني، يهاجم فيها دول الخليج وبالتحديد السعودية.
وعلى الرغم من نفي السلطة القطرية لكل هذه التصريحات وتأكيدها ان جهة مجهولة اخترقت هذه المنصات وبثت موادا بهدف بث الفتنة بين الدول الخليجية، استمرت الدول المقاطعة بممارساتها ورفعت السقف مع قطر واتهمتها انها تدعم وتمول الارهاب وتهدد امن دول الخليج ووضعت شروطا عديدة لفك الحصار وإنهاء الازمة، وهذه الشروط تبدأ بالاعتذار وصولا للطلب باغلاق مؤسسات اعلامية تعمل وفقا للاجندة الرسمية القطرية.
كل ما جرى حتى اليوم بخصوص افتعال هذه الازمة غير مقنع ويثير الكثير من التساؤلات، عن سرعة تدحرج كرة التطورات التي جعلت الاشقاء كالاعداء بفعل تصرفات بعض الاشخاص، لكن يبقى السؤال ما هي الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الازمة؟ واي اهداف سعت الدول المقاطعة لتحقيقها؟ وماذا حققت هذه الازمة حتى اليوم من نتائج؟ وهل انعكست هذه الازمة ايجابا على أطرافها ام انها ارتدت سلبا عليهم؟ واي مستقبل للمنطقة وللعلاقة بين هذه الدول في ظل اصرار كل فريق على مواقفه ومطالبه؟
أزمة مفتعلة.. وخلافات متراكمة
بادئ ذي بدء لا بد من التأكيد ان هذه الازمة التي افتعلت بشكل سريع ومفاجئ لم تكن وليدة لحظتها او نتيجة خطأ ارتكب من هنا او سقطة من هناك، إنما هي نتيجة تراكمات لسياسات غير سليمة تحكم العلاقات بين انظمة الخليج وتخفي خلفها الكثير من الخلافات والنزاعات الشخصية والتنافس المتواصل على مصالح العائلات الحاكمة في هذه الامارات والممالك التي أعطاها الاستعمار الغربي وبالتحديد البريطاني الاستقلال والدعم وربطها بسياساته وفقا لتوازن دقيق كان الغرب (بريطانيا ابتداء ومن ثم الولايات المتحدة الاميركية) الضابط بمنع انزلاق الامور بين هذه العائلات وتفجر الخلافات فيما بينها وإبقاء التنافس والصراع في الغرف المغلقة او بما يمكن السيطرة عليه وضبطه.
ومن يراجع تاريخ العلاقة بين بعض الدول الخليجية تجاه بعضها يدرك حجم الحقد الذي يكنه البعض للآخرين والرغبة بالتسلط عليهم وقد كشفت بعض التسريبات الاعلامية مؤخرا حجم التآمر الاماراتي البحريني السعودي على دول كقطر وعُمان وصولا الى محاولات للاطاحة بالنظام القطري وتغيير الامير الحاكم هناك إبان فترة حكم والد الامير الحالي حمد بن خليفة آل ثاني، ناهيك عن مواصلة الاستفزاز باتجاه سلطنة عُمان والكويت خاصة من قبل الثنائي المتمثل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد.
ابحث عن المستفيدين..
وبالحديث عن الخرق الالكتروني الذي طال المنصات القطرية فهذا من الامور الشائعة والممكنة حاليا في عالم فيه الكثير من الجيوش الالكترونية والمقرصنين الذي يعملون وفقا لمخططات تخدم مصالح جهات ودول، وعلى الرغم من ان قطر لم تنشر تحقيقات شفافة حول حصول الخرق إلا ان هذا الامر لم يتم نفيه أيضا بشكل قاطع، وعلينا بالتالي البحث عن المستفيدين من حصول الأزمة وبعدها يمكن تحليل من يقف خلفها، وهنا أول من يتبادر الى الذهن هو وجود شخصيات خليجية لا يروق لها هذا الدور الذي تلعبه قطر على اكثر من صعيد وفي مقدمة هؤلاء محمد بن سلمان ومحمد بن زايد(فالاول يريد ان يكون الحاكم بأمره في عموم الخليج وليس فقط السعودية والثاني يتلاعب بمشاعر وعقل الاول ويسيطر عليه).
بالاضافة الى ذلك لا يمكن تجاهل الدور الاميركي في إدارة هذه الازمة ومحاولة الاستفادة منها الى أقصى حد وعلى مختلف الصعد، فالاميركيون يهمهم ترك بذرة الخلاف قائمة بين دول المنطقة بل والعمل بجد لتأجيج الفتن والصراعات على أن يتم ضبطها والتحكم بها وعدم ترك الأمور تفلت من تحت السيطرة الاميركية للإستفادة منها بالطرق وبالشكل المناسب بما يخدم مصالحها، "سواء بتفكيك المفكك من دول المنطقة وتغيير خارطة دول وأنظمة الخليج وإعادة خلط الأوراق في هذه المنطقة المليئة بالثروات الطبيعية"، بحسب ما افادت مصادر مطلعة على الشأن الخليجي.
واعتبرت المصادر ان "الرئيس الاميركي وصهره كوشنير يقفان بشكل جدي خلف إشعال فتيل الأزمة مع قطر"، وأضافت ان "هذا يأتي كنتيجة لفشل جميع وكلاء أميركا في الخليج من تفكيك المحور الايراني او الانتصار عليه وتقسيم سوريا وانفضاحهم في توليد حركات الإرهاب المنظم في المنطقة"، وذكرت بكلام "حمد بن جاسم عن التدخل بالحرب على سوريا بإيعاز من الأمريكي ولكننا تهاوشنا على الصيدة"، وتابعت ان "ما يجري هو أمر طبيعي ويمثل ارتدادات الهزيمة في عموم المنطقة والسعي لإلقاء اللوم على قطر امام السيد الاميركي".
كل ذلك يجعل الادارة الاميركية واجهزتها الامنية على رأس المتهمين بالوقوف خلف الخروقات لافتعال الفتنة والاستفادة منها عبر ممارسات ترامب الذي يقبض من الجميع ثمن الحماية التي يدعي انه يقدمها لهم ولكن بمواجهة بعضهم البعض، وأيضا في مثل هذه المسائل التخريبية والفتنوية لا يمكن نسيان العدو الإسرائيلي المستفيد الأكبر من كل الفوضى التي تحصل في المنطقة.
ولكن رغم كل هذا الحشد الذي قامت به الدول المقاطعة لم تستطع حتى اليوم من التقدم خطوة حقيقية الى الامام، بالاضافة الى ان بعض الدول الخليجية لا سيما الامارات والسعودية تحاول إلصاق التهم بدعم الارهاب بقطر حصرا والتنصل من كل ما قامت به في هذا المجال منذ عشرات السنين وحتى اليوم عبر نشر الفكر الوهابي والسلفي في الكثير من مناطق العالم، وقد يكون هذا السبب مما يثبت التهمة على ابن زايد وابن سلمان بالتورط مع شركائهم الاميركيين وعلى رأسهم جيراد كوشنير في محاولة لتلميع صورة مملكة آل سعود ومن خلفها الامارات امام الرأي العام العالمي تماشيا مع مخططات ومشاريع ولي العهد السعودي لايصاله للجلوس على كرسي الملك خلفا لوالده سلمان.
مستقبل المنطقة وتداعيات الازمة..
أما عن النتائج فلا شك ان الأزمة المفتعلة لم تحقق الأهداف المعلنة للدول المقاطعة لأن قطر استطاعت الصمود وتجاوز الصعوبات عبر شبكة من العلاقات التي تملكها حول العالم، والدوحة على الرغم من الخسائر والضغوط التي تعرضت لها في البداية إلا انها عملت على الحد من صعوبات الحصار الاقتصادي المفروض عليها عبر تقوية جسور التواصل التي كانت تقيمها مع دول عديدة على رأسها الجارة الشرقية ايران التي رفضت عزل وتركيع اي دولة من دول المنطقة على خلفيات سياسية وفبركات إعلامية ، بالمقابل يبقى الترقب لكيفية التصرف الاميركي المستقبلي مع الازمة واطرافها، سواء بحل الازمة او بمزيد من الابتزاز لكل الاطراف وصولا لاحداث تغييرات ما تخدم مصلحتها هنا وهناك.
واليوم تثبت الوقائع ان القرارات المتسرعة لبعض الاشخاص كمحمد بن سلمان والحقد الدفين لاشخاص كمحمد بن زايد لا ينفع في ادارة شؤون الدول والمنطقة ولن يقوى على التلاعب بمصيرها واستقرارها، فمن يريد العمل والنجاح بالشأن العام عليه الاعتماد على سياسات جدية وصادقة للفعل لا للانتقام وللاصلاح والتغيير نحو الافضل في بلاده لا لتدمير ما بناه غيره، وغير ذلك سيرتد سلبا على اصحابه وهذا ما نراه جليا من أزمات سياسية ومشاكل متنوعة تعاني منها المملكة السعودية بسبب أخطاء ابن سلمان.
ارسال التعليق