كما في السابق.. ميزانية 2018 هي الاضخم ولكنها ستبدد بيد الجهّال والمبذرين
أعلنت وزارة المالية عن الميزانية العامة لعام 2018، مشيرة إلى أنها الأكبر في تاريخ البلاد، وأظهرت البيانات تسجيل عجز في ميزانية عام 2017 قدره 230 مليار ريال، حيث بلغت الإيرادات 696 مليار ريال والمصروفات 926 مليار ريال.
وقدّرت وزارة المالية الإيرادات في ميزانية 2018 بـ 783 مليار ريال والنفقات العامة بـ 978 مليار ريال، أي بعجز متوقع بحدود 195 مليار ريال(نحو 7.3 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي). كما ارتفعت المصروفات المقدرة لعام 2018 عن تلك التي تم إنفاقها فعلياً لعام 2017 بـ 52 مليار ريال.
وأظهرت البيانات أيضاً ارتفاع حجم الدَيْن العام مع نهاية العام 2017 إلى 438 مليار ريال، وهو ما يمثل نحو 17 % من الناتج الإجمالي المحلي، وذلك مقارنة مع 316.5 مليار ريال خلال العام الماضي.
والعبرة كما يقال ليس بهذه الأرقام التي لايعلم صحتها من سقمها، كما أنه ليس من المهم الوعود التي تطلقها السلطات بأن الميزانية ستساهم في كذا وكذا، ولكن العبرة في مدى قدرة النظام على ترجمة هذه الوعود على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بالخدمات والطاقة والسكن.
والتساؤل المطروح: ألم يكن العجز في الأشهر التسعة الأولى من العام المشارف على الانتهاء 121 مليار، فكيف ارتفع إلى 230 مليار، أي 109 مليار في ثلاثة شهور، رغم الارتفاع النسبي في أسعار النفط خلال الشهور الأخيرة، في حين كان من المفترض أن يكون العجز أقل من 100 مليار مقارنة مع 2017 بسبب إيقاف الكثير من المشاريع أو رفضها بحجة عدم وجود السيولة.
وبحسب أرقام وزارة المالية للعام 2017 كان عجز الربع الأول 26.21 مليار، الربع الثاني 46.52 مليار والربع الثالث 48.37 مليار. فإذا كان العجز لكامل السنة هو 230 مليار كما هو معلن، فيكون عجز الربع الأخير 108.9 مليار ريال؟ وهو تقريبا أربعة أضعاف العجز للربع الأول. والسؤال: هل هذا الاستنتاج منطقي وصحيح ومتوقع؟
وأمّا الحديث عمّا أسمته الوزارة مؤشرات الزيادة، فهذا الأمر مجانب للواقع أيضاً لأن الفرق بين مصروفات عامي 2017 و2018 هي 50 مليار والتي من المقرر أن يتم استحصالها عن طريق الضرائب وزيادة أسعار الخدمات وخصخصة الشركات الكبرى وفرض حزمة من الرسوم على العمالة الأجنبية، بالتزامن مع فرض ضريبة السلع الانتقائية وضريبة القيمة المضافة لسد العجز في الميزانية.
ويريد الشعب أن يعرف تفاصيل المصروفات لعام 2017 وأين صرفت وهي بحدود (926 مليار).. خصوصاً وإن المواطن لم يشعر بأي تحسن. كما أن رفع أسعار الكهرباء وضريبة القيمة المضافة (VAT) سيساهم في تجفيف جيوب المتداولين وحرمانهم من السيولة، والسوق كما هو معلوم بحاجة ماسة للسيولة. لهذا لا يمكن لعاقل أن يتوقع بأنه مقبل على طفرة كبيرة في ظل ميزانية مديونة وفي ظل الضرائب ورفع أسعار الخدمات.
ويتساءل المراقبون عن أرباح شركة "أرامكو" النفطية، أين ذهبت هذه الأرباح بعد خفض الضريبة؟ وأين ذهبت عوائد صندوق الاستثمارات العامة؟
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن السوق لم يسبق لها أن استفادت من الموازنات ذات الفوائض، فكيف تستطيع أن تستفيد من الموازنات ذات العجز؟! أم أن الأمر لايتعدى محاولات لتوظيف بيانات الميزانية لأهداف شخصية من شأنها أن تسهم في إلحاق الضرر بصغار المساهمين، وهذا ما ثبت بالدليل الملموس على أرض الواقع خلال السنوات الماضية.
والعبرة كما قلنا ليست بميزانية توسعية، ولكن بميزانية يكون لها مردود واضح على الاقتصاد والمواطن الذي يرفض زيادة الضرائب ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية، خصوصاً وأن جزء من إيرادات الميزانية في العام القادم سيتحملها نفس المواطن. والسؤال الآخر: أين الحلول المنظورة في الميزانية لحل مشكلة البطالة التي هي في تصاعد مستمر ومخيف؟
والحدث الأهم الذي يكشف حجم الخسائر في الاقتصاد السعودي يكمن في التوجه نحو خصخصة شركة "أرامكو" وتراجع نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي الذي يُعد من أساسيات الرؤية الاقتصادية التي أطلقها "محمد بن سلمان"، وهذا بحدّ ذاته يبين لماذا أقدمت الحكومة على خصخصة "أرامكو" كطريقة لإنقاذ "رؤية 2030" التي ارتبطت بولي العهد، وفشلها يعني تلقائياً فشل خططه القائمة على الدعاية من دون أي تطبيق أو ناتج عملي.
في هذا الخصوص أشار متخصصون إلى أن مبيعات الأصول الحكومية غير النفطية من المستشفيات والمرافق التعليمية والمطارات وخدمات البريد وغيرها، قد تجلب في نهاية المطاف 200 مليار دولار، لكن البيروقراطية المتفشية في أوصال الدولة سوف تقف حائلاً أمام بيع تلك الأصول، ولهذا ستكون "أرامكو" كبش فداء، في وقت يشي فيه التخبط الذي يعيشه اقتصاد البلاد والعجز الذي يطال موازنتها بانعدام أي أفق لسياسات بن سلمان التي فشلت في إيجاد حلول قادرة على إيقاف استنزاف الاقتصاد من جراء تراجع أسعار النفط والحرب على اليمن ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
ختاماً ينبغي التأكيد على أن مشكلة البلاد ليست في وجود الأموال من عدمها لأن البلد يمتلك ثروات طبيعية هائلة، لكن المشكلة تكمن في أن هذه الثروات تدار من قبل جهّال ومغرورين ولهذا فإنها ستضيع كما ضاع غيرها من قبل.
ارسال التعليق