"الصندوق الأسود".. لماذا يصر ابن سلمان على إعادة "الجبري"؟
التغيير
يبدو أن ولي العهد السابق لآل سعود الأمير محمد بن نايف ومستشاره اللواء سعد الجبري، لا يزلان يمثلان عائقاً أمام وصول محمد بن سلمان إلى سدّة الحكم؛ الأمر الذي دفع الأخير إلى ترتيب حملة شرسة ضد الرجلين بقصد إدانتهما في تهم فساد قد تنتهي بهما إلى السجن.
وقد شهدت الأسابيع الأخيرة حملة إعلامية شرسة ضد اللواء سعد الجبري، المستشار السابق لمحمد بن نايف، والذي تتهمه الرياض بارتكاب عملية فساد كبيرة كلّفت الدولة 11 مليار دولار من أموال وزارة الداخلية، وذلك تزامناً مع تقارير غربية عن احتمال مواجهة بن نايف لتهم مماثلة خلال الفترة المقبلة.
وبعد صعوده إلى ولاية العهد في يونيو 2017، أصبح محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد، وقد بدأ حملة موسعة وممنهجة لـ"مكافحة الفساد"، للنيل من كل معارضي وصوله للحكم، وجرى اعتقال عشرات الأمراء والمسؤولين بحجة الفساد وإهدار المال العام فيما عُرف بـ"اعتقالات الريتز".
مكافحة الفساد
ويبدو أن الضجة الكبيرة التي أحدثتها جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد ضباط ومسؤولين سعوديين بقنصلية بلاده في إسطنبول التركية عام 2018، دفعت ابن سلمان إلى الاعتماد على "مكافحة الفساد" كوسيلة قانونية في تصفية معارضيه، يقول نشطاء.
فرغم استتاب الأمور للأمير الشاب الذي بات مسيطراً على مقاليد الأمور فعلياً، فإن ولي العهد السابق، بما يحمله من نفوذ وأسرار، ما يزال حجر عثرة أمام جلوس بن سلمان على كرسي العرش، على ما يبدو.
وكان محمد بن نايف يشغل منصبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية إلى جانب ولاية العهد، وقد جرى إيداعه الإقامة الجبرية في قصره بمدينة جدة، ومنعه من السفر، حسب تقرير سابق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وفي مارس الماضي، اعتُقل بن نايف وأميران آخران هما الأمير أحمد بن عبد العزيز (شقيق الملك)، ونجله الأمير نايف، إلى جانب عدد من القيادات العسكرية والأمنية بتهمة التدبير لمحاولة انقلاب تمهيداً للإطاحة بابن سلمان، وهي تهمة تصل عقوبتها للسجن مدى الحياة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن أحد المصادر الغربية آنذاك.
ولاحقاً، أطلِقَ سراح الأمراء، في ظل حالة من التكتم السعودي على تفاصيل ما يجري بالمملكة، لكن المحللة السياسية في مؤسسة "راند" للدراسات بالولايات المتحدة، بيكا فاسر، علّقت على الأمر بقولها: "إن ابن سلمان الذي سجن وقتل منتقديه دون أي تبعات تُذكر، أصبح أكثر جرأة، وهو يريد إيصال رسالة إلى ذويه بألا يقفوا في طريق وصوله للحكم".
تصفية سياسية أو جسدية
صحيفة "واشنطن بوست" نقلت هذا الشهر، عن مصادر سعودية وأمريكية، أن لجنة مكافحة الفساد التابعة لابن سلمان توشك على الانتهاء من تحقيق مفصل في مزاعم فساد وخيانة بحق بن نايف، واصفةً الأمر بأنه "آخر فصول استهداف وتصفية الرجل سياسياً وربما جسدياً؛ عبر قرار قضائي".
وذكرت الصحيفة أن لجنة مكافحة الفساد تستعد لتوجيه اتهام إلى ولي العهد ووزير الداخلية السابق بالاستيلاء على 15 مليار دولار عندما كان يدير برامج خاصة بمكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، وذلك من خلال شبكة من الشركات والحسابات الخاصة. لكن الصحيفة أشارت أيضاً إلى أنها اطلعت على وثائق تكذّب هذه الاتهامات.
ويرى محللون أن محمد بن سلمان يحاول القضاء بشكل نهائي على كل معارضة داخلية ممكنة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، التي يبدو أنها لا تسير في مصلحة حليفه وداعمه الأكبر الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، حتى الآن على الأقل.
ومن الواضح أن جريمة مقتل خاشقجي أتت على الصورة الإصلاحية التي حاول بن سلمان تسويقها لنفسه منذ سيطرته على الأمور، وهو ما أيقظ مخاوفه من بن نايف، وأحيا بداخله تصفيته هو الآخر، لكن تحت مظلة القانون.
وفي وقت سابق، قال مايكل ستيفنز، من معهد مركز أبحاث الخدمات الموحدة الملكي، في تصريحات لـ"بي بي سي" البريطانية: إنه "بعد أن نجا (ابن سلمان) من موجة استياء دولية أعقبت اغتيال خاشقجي، لم يصبح لديه ما يخشاه".
الصندوق الأسود
لكن بن نايف ليس الخطر الوحيد على ما يبدو؛ إذ يرى محللون أن زيادة الضغوط على ولي العهد السابق قد تكون مرتبطة بشكل أو بآخر، برجل الاستخبارات البارز سعد الجبري، المقرب جداً منه.
ويبدو أن الجبري (وهو ضابط استخبارات سابق) بما يملكه من معلومات ووثائق يحول دون مضي بن سلمان قدماً في تصفية أخطر وأقوى خصومه؛ إذ تقول أسرة الجبري إن محمد بن سلمان عمد خلال الأشهر الأخيرة، إلى زيادة الضغط على أقاربه، وضمن اعتقال ابنيه البالغين، لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من منفاه الحالي في كندا.
وذكرت مصادر مطلعة على هذا الملف، أن أنظار ابن سلمان تنصب على وثائق متاحة للجبري تتضمن معلومات "حساسة جداً". كما أفادت أسرة الجبري بأن ابن سلمان يعتقد أن بإمكانه استخدام الوثائق الموجودة بحوزة الجبري ضد منافسيه الحاليين على العرش.
ووفقاً لما نشرته شبكة "الجزيرة" في 7 يوليو الجاري، فإن مصدرين مطلعين ومسؤولاً سابقاً في الأمن الإقليمي، أكدوا أن الوثائق التي يمتلكها الجبري تتضمن معلومات عن أرصدة وممتلكات الأمير محمد بن نايف في الخارج، وهو ما قد يفيد محمد بن سلمان في الضغط على سلفه.
كما أن هناك أيضاً ملفات حساسة متاحة للجبري تتعلق بالمعاملات المالية لأفراد كبار في الأسرة الحاكمة، من بينهم سلمان وابنه ابنه، بحسب "الجزيرة".
ويقيم الجبري في كندا منذ عام 2017، وشغل منصب وزير دولة، وكان أحد كبار الضباط بوزارة الداخلية بمملكة آل سعود، وهو خبير في الذكاء الاصطناعي، وأدى أدواراً رئيسة في معركة المملكة ضد تنظيم القاعدة وتنسيقها الأمني مع الولايات المتحدة.
غير أنه لم يشعر بالأمان في أمريكا تحت إدارة الرئيس ترامب؛ خوفاً من تسليمه إلى ابن سلمان؛ وهو ما دفعه إلى تركها عام 2017، متجهاً إلى كندا. ويشير تقرير "وول ستريت جورنال" الأخير، إلى أن سلطات آل سعود طلبت من تورونتو تسليمه، وأصدرت نشرات للشرطة الدولية "الإنتربول" للقبض عليه.
وفي مايو الماضي، نقلت "نيويورك تايمز" عن نجل الجبري ومسؤولين أمريكيين سابقين، أن بن سلمان يريد إرغام الجبري على العودة للمملكة؛ لأنه يخشى أن يترك شخصاً مثله حراً طليقاً، وهو على دراية بكثير من المعلومات السرية.
استهداف إعلامي
ومؤخراً، أصبح الجبري مادة أساسية للصحافة بمملكة آل سعود التي أفردت مساحات واسعة للحديث عن عمليات الفساد التي قادها أو أشرف عليها الرجل، ونشرت صحف موالية للسلطة مثل "عكاظ" و"سبق" و"الشرق"، تقارير وأخباراً مفصلة عن المليارات التي أهدرها أو حصل عليها الجبري ومعاونوه، خلال عملهم تحت إمرة بن نايف.
وتقول السلطات إن شبكة ترأسها الجبري استفادت من تغريم الحكومة مبالغ زائدة لصالح عقود مع شركات غربية كبيرة، واستخدام حسابات خارجية مرتبطة ببنوك غربية كبيرة لتحويل هذه الأموال، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
وبحسب المحققين السعوديين، فقد جمع الجبري وشقيقه، وابن أخيه، واثنان من مساعديه، أكثر من مليار دولار في صورة مدفوعات مباشرة. ولا تزال هناك تحقيقات حول مليارات الدولارات الأخرى، من تدفقات مالية وعقود تمت من الباطن.
ومع ذلك، تقول "وول ستريت جورنال"، إن مساعدي الجبري لم ينكروا خلال التحقيقات تحويل هذه الأموال، لكنهم يقولون إن هذا الأمر تم في إطار أعمال حكومية وبمباركة الأمير بن نايف.
ارسال التعليق