![نكفر الأمة ولا نرتضيه علينا وكأن الاسلام ملك أجدادنا](http://hourriya-tagheer.org/upload_list/source/News/Old/داعش ينفد اعدامات.jpg)
نكفر الأمة ولا نرتضيه علينا وكأن الاسلام ملك أجدادنا
نكفر الأمة ولا نرتضيه علينا وكأن الاسلام ملك أجدادنا
* حسن العمري
يقول علماء النفس أن التكفير مرض نابع من الجهل المركب المردود من العصبية العمياء قبلية كانت أم فئوية أم دينية تؤدي بصاحبها الى الوقوع في مواقف حرجة ومشاكل جمة، وهي بعيدة كل البعد عن فضائل الأخلاق عند العرب والمسلمين والانسانية .
يقول أبن خلدون في كتاب "المقدمة" الفصل الثالث من المقدمة للدول والملك والخلافة ومراتبها وأسباب وكيفية نشوئها وسقوطها، أن العصبية حالة لا تعني مطلق الشعب وإنما الأفراد الذين تجمع بينهم رابطة الدم أو رابطة الحلف أو الولاء بالإضافة الى شرط الملازمة بينهم من أجل أن يتم التفاعل الاجتماعي، وتبقى مستمرة ومتفرعة بوجود هؤلاء الأفراد الجهلاء واستمرار تناسلهم.. فينشأ بين أفرادها شعور يؤدي الى المحاماة والمدافعة وهم يتعصبون لبعضهم حينما يكون هناك داع للتعصب، ويشعر الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من أهل عصبته، وفي هذه الحالة يفقد شخصيته الفردية بحيث تذوب في شخصية الجماعة أو الفئة الجهولة، فتثور ثائرته على أبسط تعبير من الطرف المقابل يصيب به عصبته أو فكره الجاهل المركب فيقوم بتكفير هذه الفرقة أو تلك لأنها تأخذ على إنحرافه وزيفه وبعده عن حقيقة الاسلام الذي يتشدق به رافعاً رايته فيما الهدف والغاية هي تفتيت الأمة وتمزيقها وتشتيتها وإراقة دمائها بفتاوى ملونة مجملة بالكذب والخديعة والدجل لينساق من ورائها الجهلة والسذج من أبناء الأمة وينعقون مع كل ناعق.
قساوة الحياة في البادية هي الاخرى تزيد الطين بلة وتجعل القبيلة والفئة الضالة تعيش حياة عزلة وتوحش، بحيث لا تطمح الأمم الاخرى خاصة تلك الواعية والمتمدنة والمتطورة والمثقفة في الاختلاط بها ومشاركتها في طريقة عيشها النكداء، وتبتعد حتى من التحاور منها حيث تقف على عدم قبولها الحقيقة والواقع وقبول الحداثة والمدنية والحرية والديمقراطية رغم إعتلاء صوتها مطالبة بتطبيقها في الشعوب الاخرى فيما هي تحرمه في كيانها والبلاد التي تحكمها منذ حوالي ثلاثة قرون، فارضة على أبناء شعبي حكم القبيلة والفئة، تلعب بمصيرنا لعب الصبيان بالكرة، تعتقل وتسجن وتقتل وتعذب وتطرد وتشرد من تشاء ممن رفعوا كلمة العدالة والتغيير والاصلاح الذي تتشدق به السلطة ذاتها، فاذا بعشرات الآلاف من أبناء البلاد يقبعون في عشرات المعتقلات بتهمة "الخروج على الولي" المستورث سلطانه من أسلافه دون أن يكون للشعب حق الانتخاب أو التغيير .
الحاكم ومن يلوذ به المصابون بمرض الانانية والشخصنة تراهم يظنون أنهم منتخبون ومنصوبون من قبل الله سبحانه وتعالى ليحكموا كيفما يشاؤون، يفتون بالاعتقال والدمار والقتل والسبي في داخل المملكة وخارجها "حتى بلغ بهم المطاف في فترة تمانينات القرن العشرين ووصلت لحد اتهام الناس وابتزازهم والتهجم عليهم وشتيمتهم" - حسب الكاتب التونسي عبد الوهاب المؤدب في كتابه "مواعظ مضادة" بخصوص ظاهرة الفتاوى التكفيرية الاسلامية التي انتشرت في المناطق العربية والاسلامية من قبل آل سعود وآل الشيخ، حيث كان دعاتهم على رأس الحربة في ترويج ونشر "مرض التكفير" بعد طي زمن "الهذيان المعادي للغرب" المصطنع من قبل الاستعمار البريطاني العجوز لخدمة أهدافه السياسية في المنطقة .
فتوارث حكام الجزيرة العربية هذا المرض نسلاً بعد آخر كونه يخدم مصالحهم في السلطة والقيادة والإحتفاظ بالكرسي والحكم وسيواصلون السير على الطريق ذاته؛ لذا نراهم يغتاضون من كل كلمة تخرج خارج اطار السياسة التي يرسمونها للمملكة والمنطقة بفعل مال البترول والتحالفات الاقليمية والدولية ذات الأهداف المادية والسياسية البعيدة كل البعد عن الواقع البشري الحضاري والمتطور، فيرتكبون الإجرام ويفسقون الشعوب ويكفرون الملل ويحللون إستباحة الدماء فيما الدول المتشدقة بالحرية وحقوق الانسان والديمقراطية تعيش صمتاً مطبقاً مرتشياً .
وما إن تخرج جماعة تدعو لتوعية الناس وتكشف عرى حقيقة الفرقة الوهابية - السلفية الضالة والمضلة، حتى تنبري أصوات نشاز من داخل أروقة القصور الملكية ودار فتوى المملكة متهمة تلك الأطراف بالخروج على الملة والكتاب والسلف، ومن هذا المنطلق نرى الداعية الوهابي ذو الصيت الكبير في التحريض على الحرب في العراق وسوريا واليمن "محمد العريفي" نزيل مقامر وكابرهات لندن ودور فواحشها، مكفراً الرئيس الشيشاني رمضان قديروف ومبيحاً سفك دمه، عبر سلسلة تغريدات في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ضمن هجوم لاذع على مؤتمر الشيشان ومن شارك فيه وحضره وهم العشرات من كبار علماء الأمة وفي مقدمتهم الدكتور الطيب شيخ الأزهر الشريف.
الأمر لن يتوقف عند هذا الحد فكان للمفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ تصريحات تكفيرية تحريضية على الاقتتال الطائفي ضد المسلمين الايرانيين من سنة وشيعة، قائلا: "أن الإيرانيين "ليسوا مسلمين" فهم أبناء المجوس!!، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم وتحديدا مع أهل السنة والجماعة"، وذلك حسب ما نقلت عنه صحيفة "مكة" السعودية في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي. وكان ولي العهد الأمير محمد بن نايف، اعتبر يوم الإثنين الماضي أن إيران تسعى "لتسييس الحج وتحويله لشعارات تخالف تعاليم الإسلام وتخل بأمن الحج والحجيج، وهو أمر لا نقبله ولا نرضى بوقوعه"!!.
الرد جاء من قبل عشرات علماء أهل السنة والحديث في لبنان ومصر وفلسطين وتونس والجزائر واليمن والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، بالقول أن مثل هذه التصريحات تنبع لتمزيق الأمة وشق صفها وتخدم الأعداء الذين يريدون للاسلام والمسلمين السوء والدمار والاقتتال، والأزهر الشريف يؤكد مرة اخرى على أن الوهابية والسلفية فرقة ضالة لا تمت للاسلام بصلة وليدة الاستعمار والأفكار الضالة والمنحرفة التي سعى أصحابها للبحث عن الشهرة بين العامة والسذج على حساب الدين .
أما الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد فكتب يقول "أن بعض علماء السعودية تكفيريون ويجب مواجهتهم، واتفق في مقاله «الجهل ملة واحدة» في صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية حول مؤتمر غروزني في الشيشان مع الكاتب السعودي «أحمد عدنان» في مقاله الأخير في صحيفة العرب والذي عنونه بـ«مؤتمر غروزني، شمعة تتحدى الظلام»، في أن «بعض منتسبي العلم، وبينهم من كبار علماء الوهابية والسلفية السعودية وغيرها، تكفيريون ولا بد من مواجهتهم»، مشددا على أن «التعميم خطأ، وحصر المشكلة في السلفيين والوهابيين السعوديين لا يحل المعضلة».
المراقبون وعلماء النفس يؤكدون أن على شعوب الأنظمة الموروثية القمعية التكفيرية أن تختار بين طريق الحضارة والتمدن بالخروج من هذا المرض المزمن واللعنة القائمة عليها، أم تختار الانغلاق على نفسها والغرق لغاية الموت والاندثار في ظلمات الجهل والتخلف.
ارسال التعليق