لماذا تغير الموقف السعودي من انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية؟
اسئلة عديدة قد تكون راودت الكثيرين حول التحول الذي شهدته الساحة اللبنانية ازاء الموقف من انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. وبالتأكيد من أبرز هذه الاسئلة خلفية تراجع السعودية عن موقفها المعارض الذي استمر طوال سنتين ونصف منذ شغور منصب الرئاسة، عام 2014.
المدخل لاكتشاف سر هذا التحول، يكمن في فهم السياقات الاقليمية، وحقيقة المعادلة الداخلية في لبنان. وبقدر من التحديد، يأتي هذا التحول امتدادا ونتيجة لسياق تطورات ورهانات اقليمية، تتصل بالساحات العراقية والسورية، وايضا الايرانية، وصولا الى موازين القوى المحلية في لبنان.
على المستوى العراقي، شهد العراق في العام 2014، اجتياحا لمساحات واسعة من اراضيه من قبل داعش. وتعاظم خطر هذه المنظمة الارهابية الى حد بات يهدد النظام والكيان العراقي. في ذلك الحين، حاولت الولايات المتحدة بشكل صريح ومباشر تثمير هذا الحدث، كما هو مخطط له، عبر انتزاع تنازلات من الجمهورية الاسلامية في ايران تتصل بالساحة العراقية وبالتالي الاقليمية، تحت عناوين التنسيق والتعاون. وتمثل ذلك بعروض رسمية قدمتها الولايات المتحدة من خلال ثلاث قنوات، كما كشف في حينه مرشد الجمهورية الاسلامية الامام علي خامنئي، لكنه تدخل شخصيا وحال دون تحقيق هذا العرض، ادراكا منه لخلفية واهداف واشنطن..
ولا يخفى أن نجاح الرهان السعودي الاميركي في ذلك الحين، في العراق، كان سيؤدي الى اعادة تشكيل مشهد اقليمي جديد لن تقتصر تداعياته على الساحة العراقية بل ستمتد نحو الساحة السورية واللبنانية، وسائر دول المنطقة. لكن الذي حصل أن الحشد الشعبي في العراق، بدعم الجمهورية الاسلامية في ايران وحزب الله، استطاع أن يحتوي هذا التهديد ويصده ويبدأ لاحقا باستئصاله تدرجا وصولا الى تغيير المعادلة في العراق، ومن خلاله في المنطقة.. وما نشهده الان في الموصل يعود بالدرجة الاولى الى فشل الرهان على داعش في تحقيق ما كان مؤملا منها..
على المستوى السوري، كان الرهان السعودي، خلال عامي 2014 – 2015، ما زال في ذروته لجهة امكانية اسقاط النظام السوري وعلى رأسه الرئيس بشار الاسد، واستبداله بنظام ورئيس معادٍ للمقاومة ومحورها. وبدا أن رهانها في حينه كان يستند الى وقائع فعلية وتحديدا في العام 2015، عندما تقدمت الجماعات الارهابية والتكفيرية وهددت الدولة السورية… الامر الذي دفع روسيا وبالتنسيق مع ايران الى تدخل عسكري مباشر ساهم في استعادة المبادرة وابعاد خطر هذه الجماعات وصولا الى ما نشهده الان من تطورات ميدانية تهدف الى استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب..
بعد التدخل العسكري الروسي المباشر، الذي أتى بعد أكثر من 4 سنوات من الصمود للدولة السورية، بدعم حلفائها، تغير مسار التطورات السياسية والميدانية، وتراجعت الرهانات السعودية على امكانية اسقاط الرئيس الاسد وصولا الى فرض صيغة نظام سياسي يجسد الطموح السعودي..
على المستوى الايراني، كان الرهان السعودي يتمحور حول تقدير مفاده أن المسار النووي يتجه نحو أحد المسارات التالية: اما ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات تتصل بالمعادلة الاقليمية.. أو فرض المزيد من العقوبات بما يشل ايران ويخضعها للشروط الاميركية.. أو مفاوضات يتم خلالها انتزاع تنازلات من ايران تتصل بالساحة الاقليمية، من ضمنها وعلى رأسها حزب الله ولبنان. لكن الذي حصل فعليا أن السيد الخامنئي وضع خطوطا حمراء لهذه المفاوضات، من ضمنها منع بحث أي قضية اقليمية مع المفاوضات النووية.. وهو ما حال دون نجاح رهانات القوى الكبرى والاقليمية وعلى رأسها السعودية.
توالي التطورات الاقليمية لمصلحة محور المقاومة في المنطقة، الغى من قاموس ال سعود أي امكانية لرهان جدي على تغيير المشهد اللبناني بشكل جذري.. وهو ما كانوا يأملونه لفرض صيغتهم ومشروعهم في لبنان.
على المستوى المحلي، ألقى آل سعود (ومن معهم) بآخر ورقة لديهم تمثلت بترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بهدف حشر حزب الله بين خيارين، اما القبول بالطرح الجديد، (وربما هو المرجح لديهم) بما يؤدي الى تولي فرنجية رئاسة الجمهورية، ولكن في الوقت نفسه تفكيك التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، واعادة رسم خارطة جديدة للمعادلة السياسية في لبنان..
أو الاصرار على العماد عون، وايجاد شرخ داخل قوى 8 اذار..
لكن اداء حزب الله السياسي مع حلفائه، أدى الى اجهاض مخططهم عبر الجمع بين استمرار الالتزام بدعم وصول عون الى رئاسة الجمهورية.. والمحافظة على تحالف قوى 8 اذار..
وهكذا وجد المستقبل، والسعودية من ورائه، واخرون، أنهم امام خيارين لا ثالث لهما، اما استمرار الوضع على ما هو عليه، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات قد تعمق من خسارتهم وهزيمتهم لاحقا.. واما القبول بالعماد عون رئيسا..
تحت هذا السقف، تندرج ايضا، الظروف المالية والشخصية والسياسية لرئيس المستقبل سعد الحريري.. التي قد يكون لها دور في تحفيزه والعمل على هذا المسار…
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية لم يكن إلا تتويجا لمسار اقليمي سقطت خلاله الكثير من الرهانات.. وعزَّز مكانة محور المقاومة.. وفرض على خصوم حزب الله في لبنان التسليم بالمعادلة التي وضعها أمامهم.
ارسال التعليق